اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{وَذَرُواْ ظَٰهِرَ ٱلۡإِثۡمِ وَبَاطِنَهُۥٓۚ إِنَّ ٱلَّذِينَ يَكۡسِبُونَ ٱلۡإِثۡمَ سَيُجۡزَوۡنَ بِمَا كَانُواْ يَقۡتَرِفُونَ} (120)

لما بين أنَّه فَصَّل المُحَرَّمات ، أتْبَعه بما يَجِبُ تَرْكُه بالكُلِّية ، والمُرَادُ به : ما يُوجِبُ الإثْمَ ، و هي الذُنُونب كُلُّها .

قال قتادة : المُراد " بِبَاطِنه وظَاهره " عَلانيته وسِرَّه .

وقال مُجَاهِد : ظاهرة مِمَّا يَعْمَلُه الإنْسَان بالجوارح من الذُّنُوب ، وباطنه : ما يَنْويه ويَقْصده بقلبه ؛ كالمُصِرِّ على الذَّنْب{[15076]} .

وقال الكَلْبِيُّ : ظاهِره : الزِّنَا ، وبَاطنه المُخَالة{[15077]} ، وأكثر المُفَسِّرين على أنَّ ظَاهِره : الإعلان بالزِّنَا ، وهم أصْحاب الرَّايَات ، وباطنه : الاسْتِسْرَار ، وكانت العرب يُحِبُّون الزِّنَا ، وكان الشَّرِيف يَسْتَسِرُّ به ، وغير الشَّريف لا يُبالي به ، فَيُظْهره .

وقال سعيد بن جُبَيْر : ظاهر الإثْم : نكاح المحارم ، وباطنه الزِّنا{[15078]} .

وقال ابن زَيْد : ظاهره : التَّعرِّي من الثياب في الطَّواف والباطِن : الزِّنَا{[15079]} ، وروى حيَّان عن الكَلْبِي - رحمه الله - ظَاهِر الإثْم : طَواف الرِّجَال بالبيْت نَهَاراً عُرَاةً ، وباطنه : طَوَاف النِّسَاء باللَّيْل عُرَاة{[15080]} .

وقيل هذا النَّهي عامٌ في جميع المُحَرَّمات ، وهو الأصحُّ ؛ لأن تَخْصِيص اللَّفظ العام بصُورة مُعَيَّنة من غَيْر دليل ، غير جائز ، ثم قال : " إنَّ الذين يَكْسِبُون الإثْم سَيُجزون بِمَا كَانُوا يَقْتِرفُون " والاقْتِرَاف : الاكِتسَاب كما تقدَّم ، وظاهر النَّصِّ يدلُّ على أنَّه لا بُدَّ وأنْ يُعَاقب المُذنب على الذَّنب ، إلا أنَّ المُسْلِمين أجْمَعُوا على أنَّه إذا تاب ، لم يُعاقب ، وأهْل السُّنَّة زادُوا شَرْطاً ، وهو أنَّه - تبارك وتعالى- قد يَعْفُو عن المُذْنِب ؛ لقوله - تبارك وتعالى- : { إِنَّ الله لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ } [ النساء : 48 ] الآية .


[15076]:أخرجه الطبري في "تفسيره" (5/323) وذكره السيوطي في "الدر المنثور" (3/78) وعزاه لابن المنذر وأبي الشيخ.
[15077]:انظر البحر المحيط لأبي حيان (4/214).
[15078]:أخرجه الطبري في "تفسيره" (5/324) وذكره السيوطي في "الدر المنثور" (3/77 ـ 78) وعزاه لابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم. وانظر البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي (4/214).
[15079]:أخرجه الطبري في "تفسيره" (5/324) وذكره أبو حيان في "البحر المحيط" (4/214).
[15080]:ذكره البغوي 2/127.