قال بعض العلماء : قوله : { تَرْمِيهِم بِحِجَارَةٍ مِّن سِجِّيلٍ } أي : من طين متحجر محرق . أو بحجارة من جملة العذاب المكتوب المدون فى السجيل ، وهو الديوان الذى كتب فيه عذاب الكفار ، كما أن السجيل هو الديوان الذى كتبت فيه أعمالهم . واشتقاقه من الإِسجال بمعنى الإِرسال .
وعن عكرمة : كانت ترميهم بحجارة معها كالحِمَّصةِ ، فإذا أصاب أحدَهم حجرٌ منها ، خرج به الجُدَرِى ، وكان ذلك أول يوم رئي فيه الجدري بأرض العرب .
وقال ابن عباس : كان الحجر إذا وقع على أحدهم نفط جلده ، أي : احترق ، فكان ذلك أول الجدري . وقيل : إن أول ما رئيت الحصبة والجدري بأرض العرب ذلك العام .
وقال ابن جُزَي فى تفسيره : إن الحجر كان يدخل من رأس أحدهم ويخرج من أسفله .
ووقع فى سائرهم الجدري والأسقام ، وانصرفوا وماتوا فى الطريق متفرقين ، وتمزق أبرهة قطعة قطعة . .
وجملة { ترميهم } حال من { طيراً } وجيء بصيغة المضارع لاستحضار الحالة بحيث تخيل للسامع كالحادثة في زمن الحال ومنه قوله تعالى : { واللَّه الذي أرسل الرياح فتثير سحاباً فسقناه إلى بلد ميت } [ فاطر : 9 ] الآية .
وحجارة : اسم جمع حَجر . عن ابن عباس قال : طين في حجارة ، وعنه أن سجيل معرب سَنْك كِلْ من الفارسية ، أي عن كلمة ( سنك ) وضبط بفتح السين وسكون النون وكسر الكاف اسم الحجر وكلمة ( كلْ ) بكسر الكاف اسم الطين ومجموع الكلمتين يراد به الآجُر .
وكلتا الكلمتين بالكاف الفارسية المعمّدة وهي بين مخرج الكاف ومخرج القاف ، ولذلك تكون { من } بيانية ، أي حجارة هي سجيل ، وقد عد السبكي كلمة سجيل في « منظومته في المعرَّب الواقع في القرآن » .
وقد أشار إلى أصل معناه قوله تعالى : { لنرسل عليهم حجارة من طين } [ الذاريات : 33 ] مع قوله في آيات أُخر { حجارة من سجيل } فعلم أنه حجر أصله طين .
وجاء نظيره في قصة قوم لوط في سورة هود ( 82 ) : { وأمطرنا عليها حجارة من سجيل منضود } وفي سورة الحجر ( 74 ) : فجعلنا عاليها سافلها وأمطرنا عليهم حجارة من سجيل فتعين أن تكون الحجارة التي أرسلت على أصحاب الفيل من جنس الحجارة التي أمطرت على قوم لوط ، أي ليست حجراً صخرياً ولكنها طين متحجر دلالة على أنها مخلوقة لعذابهم .
قال ابن عباس : كانَ الحجر إذا وقع على أحدهم نفط جلده فكان ذلك أول الجُدري{[464]} . وقال عكرمة : إذا أصاب أحدَهم حجر منها خرج به الجدري .
وقد قيل : إن الجدري لم يكن معروفاً في مكة قبل ذلك .
وروي أن الحجر كان قدر الحِمَّص . روى أبو نعيم عن نوفل بن أبي معاوية الديلمي قال : رأيت الحصَى التي رمي بها أصحاب الفيل حصى مثل الحمص حمراً بحُتْمَة ( أي سواد ) كأنها جِزع ظَفَارِ . وعن ابن عباس : أنه رأى من هذه الحجارة عند أم هاني نحو قفيز مخططة بحُمرة بالجزع الظَّفاري .
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
وقوله : { تَرْمِيهِمْ بِحِجَارَةٍ مِنْ سِجّيلٍ } يقول تعالى ذكره : ترمي هذه الطير الأبابيل التي أرسلها الله على أصحاب الفيل ، بحجارة من سجيل... عن ابن عباس { حِجارَةٍ مِنْ سَجّيلٍ } قال : طين في حجارة ...
الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :
... وسجيل : كأنه علم للديوان الذي كتب فيه عذاب الكفار ، كما أن سجيناً علم لديوان أعمالهم ، كأنه قيل : بحجارة من جملة العذاب المكتوب المدوّن ، واشتقاقه من الإسجال وهو الإرسال ؛ لأنّ العذاب موصوف بذلك ... وعن ابن عباس رضي الله عنهما : من طين مطبوخ كما يطبخ الآجر ... وقيل : من شديد عذابه.
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
ولما تشوف السامع إلى فعل الطير بهم ، قال مستأنفاً : { ترميهم } أي الطير { بحجارة } أي عظيمة في الكثرة والفعل ، صغيرة في المقدار والحجم ...ولما كان الشيء إذا كان مصنوعاً للعذاب كان أشد فعلاً فيه قال : { من سجيل } أي طين متحجر مصنوع للعذاب في موضع هو في غاية العلو ، ...
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
وجملة { ترميهم } حال من { طيراً } وجيء بصيغة المضارع لاستحضار الحالة بحيث تخيل للسامع كالحادثة في زمن الحال ومنه قوله تعالى : { واللَّه الذي أرسل الرياح فتثير سحاباً فسقناه إلى بلد ميت } [ فاطر : 9 ] الآية . ...