النكت و العيون للماوردي - الماوردي  
{تَرۡمِيهِم بِحِجَارَةٖ مِّن سِجِّيلٖ} (4)

{ تَرْميهم بحجارةٍ مِن سِجّيلٍ } فيه أربعة أقاويل :

أحدها : أن السجيل كلمة فارسية هي سنك وكل ، أولها حجر ، وآخرها : طين ، قال ابن عباس .

الثاني : أن السجيل هو الشديد ، قاله أبو عبيدة ، ومنه قول ابن مقبل :

ورجْلةٍ يضْرِبون البَيْضَ عن عَرَضٍ *** ضَرْباً تواصى به الأَبطالُ سِجِّيلاً{[3346]}

الثالث : أن السجيل اسم السماء الدنيا ، فنسبت الحجارة إليها لنزولها منها ، قاله ابن زيد .

الرابع : أنه اسم بحر من الهواء ، منه جاءت الحجارة فنسبت إليه ، قاله عكرمة .

وفي مقدار الحجر قولان :

أحدهما : أنه حصى الحذف ، قاله مقاتل .

الثاني : كان الحجر فوق العدسة ودون الحمصة ، قاله أبو صالح : رأيت في دار أم هانئ نحو قفيز من الحجارة التي رمي بها أصحاب الفيل مخططة بحمرة كأنها الجزع ، وقال ابن مسعود : ولما رمت الطير بالحجارة بعث الله ريحها فزادتها شدة ، وكانت لا تقع على أحد إلا هلك ، ولم يسلم منهم إلا رجل{[3347]} من كندة ، فقال :

فإنكِ لو رأيْتِ ولم تريهِ *** لدى جِنْبِ المغَمِّسِ ما لَقينا

خَشيتُ الله إذ قدْ بَثَّ طَيْراً *** وظِلَّ سَحابةٍ مرَّتْ علينا

وباتت كلُّها تدْعو بحقٍّ *** كأنَّ لها على الحُبْشانِ دَيْنا


[3346]:الرواية المشهورة سجينا بالنون وقد رواه المؤلف عند تفسير الآية السابعة من المطففين سجينا بالنون. والعرب قد تقلب النون لاما مثل أصيلان وأصيلال.
[3347]:هو نفيل بن حبيب، كما في تاريخ الطبري، وابن الأثير وسيرة ابن هشام.