ثم أنكر عليهم عبادتهم لغيره - سبحانه - فقال : { أَتَدْعُونَ بَعْلاً وَتَذَرُونَ أَحْسَنَ الخالقين } .
والبعل : اسم للصنم الذى كان يعبده قومه ، وهو صنم قيل : سميت باسمه مدينة بعلبك بالشام ، وكان قومه يسكنون فيها ، وقيل : البعل : الرب بلغة اليمن .
أى : قال لهم على سبيل التوبيخ والزجر : أتعبدون صنما لا يضر ولا ينفع وتتركون عبادة أحسن ما يقال له خالق ، وهو الله - عز وجل - الذى خلقكم ورزقكم .
وقوله { أتدعون } معناه أتعبدون ، والبعل الرب بلغة اليمن قاله عكرمة وقتادة ، وسمع ابن عباس رجلاً ينشد ضالة فقال له رجل آخر : أنا بعلها ، فقال ابن عباس الله أكبر أتدعون بعلاً ، وقال الضحاك وابن زيد والحسن { بعلاً } اسم صنم كان لهم وله يقال بعلبك وإليه نسب الناس ، وذكر ابن إسحاق عن فرقة أن { بعلاً } اسم امرأة كانت أتتهم بضلالة ، وقوله { أحسن الخالقين } من حيث قيل للإنسان على التجوز إنه يخلق وجب أن يكون تعالى { أحسن الخالقين } إذ خلقه اختراع وإيجاد من عدم وخلق الإنسان مجاز كما قال الشاعر : [ الكامل أقذ ] .
ولأنت تفري ما خلقت . . . وبعض القوم يخلق ثم لا يفري{[9888]}
وجيء في قوله : { وتَذرونَ أحسن الخالقِينَ } بذكر صفة الله دون اسمه العَلَم تعريضاً بتسفيه عقول الذين عبدوا بَعلاً بأنهم تركوا عبادة الرب المتصف بأحسن الصفات وأكملها وعبدوا صنماً ذاته وخش فكأنه قال : أتَدْعون صنماً بشعاً جمع عنصري الضعف وهما المخلوقية وقبح الصورة وتتركون من له صفة الخالقية والصفات الحسنى .
وقرأ الجمهور { إليَاسَ } بهمزة قطع في أوله على اعتبار الألف واللام من جملة الاسم العلم فلم يحذفوا الهمزة إذا وصلوا { إنَّ } بها . وقرأه ابن عامر بهمزة وصل فحذفها في الوصل مع { إنَّ } على اعتبار الألف واللام حرفا لِلَمح الأصل . وأن أصل الاسم ياس مراعاة لقوله : { سَلامٌ على آلْ يَاسِينَ } .
وللعرب في النطق بالأسماء الأعجمية تصرفات كثيرة لأنه ليس من لغتهم فهم يتصرفون في النطق به على ما يناسب أبنيَة كلامهم .
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
[نص مكرر لاشتراكه مع الآية 124]
"إذْ قالَ لَقَوْمِهِ ألا تَتّقُونَ"؟ يقول حين قال لقومه في بني إسرائيل: ألا تتقون الله أيها القوم، فتخافونه، وتحذرون عقوبته على عبادتكم ربا غير الله، وإلها سواه "وَتَذَرُونَ أحْسَنَ الخالِقِينَ "يقول: وتَدَعون عبادةَ أحسنِ مَن قيل له خالق.
وقد اختلف في معنى بَعْل؛ فقال بعضهم: معناه: أتدعون ربا، وقالوا: هي لغة لأهل اليمن معروفة فيهم... تقول: مَنْ بَعْل هذا الثور: أي من رَبّه؟...
وقال آخرون: هو صنم كان لهم يقال له بَعْل، وبه سميت بعلبك...
وقال آخرون: كان بَعْل: امرأة كانوا يعبدونها...
وللبَعْل في كلام العرب أوجه: يقولون لربّ الشيء هو بَعْلَهُ، يقال: هذا بَعْل هذه الدار، يعني ربّها، ويقولون لزوج المرأة بعلُها، ويقولون لما كان من الغروس والزروع مستغنيا بماء السماء، ولم يكن سَقِيا بل هو بعل، وهو العَذْي... وتأويل الكلام: ذلك معبودكم أيها الناس الذي يستحقّ عليكم العبادة: ربكم الذي خلقكم، وربّ آبائكم الماضين قبلكم، لا الصنم الذي لا يخلق شيئا، ولا يضرّ ولا ينفع.
تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :
{أتدعون بعلا} ربا تعلمون أنه لا يضر ولا ينفع.
{وتذرون} عبادة من تعلمون أنه يملك ذلك؟...
{أحسن الخالقين} أي أحكم وأتقن أو {أحسن الخالقين} لما ذكر أنه خلقهم، وخلق آباءهم الأولين.
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
لما كان هذا الإنكار سبباً للإصغاء، كرره مفصحاً بسببه فقال: {أتدعون بعلاً} أي إلهاً ورباً وتتركون ترك المهمل الذي من شأنه أن يزهد فيه {أحسن الخالقين} وهو من لا يحتاج في الإيجاد والإعدام إلى أسباب فلا تعبدونه.
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
جيء في قوله: {وتَذرونَ أحسن الخالقِينَ} بذكر صفة الله دون اسمه العَلَم؛ تعريضاً بتسفيه عقول الذين عبدوا بَعلاً بأنهم تركوا عبادة الرب المتصف بأحسن الصفات وأكملها، وعبدوا صنماً ذاته وخش، فكأنه قال: أتَدْعون صنماً بشعاً جمع عنصري الضعف وهما المخلوقية وقبح الصورة وتتركون من له صفة الخالقية والصفات الحسنى.
... وتأمل هنا: الحق سبحانه ينكر عليهم أنْ يعبدوا صنماً، ويتركوا عبادة الله لكن لم يقُلْ: وتذرون الله، إنما {وَتَذَرُونَ أَحْسَنَ الْخَالِقِينَ} فذكر الوصف المشوِّق الدال على أحقيته تعالى في العبادة.