123- ذكَّر الله المؤمنين بنعمة النصر في غزوة بدر{[34]} حين صبروا ، فأكد لهم أنه نصرهم فيها وهم قليلو العدد والعدة ، وطلب منهم طاعته لشكر هذه النعمة .
قوله تعالى : { ولقد نصركم الله ببدر } . وبدر موضع بين مكة والمدينة وهو اسم لموضع وعليه الأكثرون . وقيل اسم لبئر هناك ، وقيل كانت بدر بئراً لرجل يقال له بدر ، قاله الشعبي ، وأنكر الآخرون عليه . يذكر الله تعالى في هذه الآية منته عليهم بالنصرة يوم بدر .
قوله تعالى : { وأنتم أذلة } . جمع : ذليل ، وأراد به قلة العدد فإنهم كانوا ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلاً ، فنصرهم الله مع قلة عددهم وعددهم .
وهذا امتنان منه على عباده المؤمنين ، وتذكير لهم بما نصرهم به يوم بدر وهم أذلة في قلة عَددهم وعُددهم مع كثرة عدد عدوهم وعُددهم ، وكانت وقعة بدر في السنة الثانية من الهجرة ، خرج النبي صلى الله عليه وسلم من المدينة بثلاث مئة وبضعة عشر من أصحابه ، ولم يكن معهم إلا سبعون بعيرا وفرسان لطلب عير لقريش قدمت من الشام ، فسمع به المشركون فتجهزوا من مكة لفكاك عيرهم ، وخرجوا في زهاء ألف مقاتل مع العدة الكاملة والسلاح العام والخيل الكثيرة ، فالتقوا همم والمسلمون في ماء يقال له " بدر " بين مكة والمدينة فاقتتلوا ، ونصر الله المسلمين نصرا عظيما ، فقتلوا من المشركين سبعين قتيلا من صناديد المشركين وشجعانهم ، وأسروا سبعين ، واحتووا على معسكرهم ستأتي - إن شاء الله - القصة في سورة الأنفال ، فإن ذلك موضعها ، ولكن الله تعالى هنا أتى بها ليتذكر بها المؤمنون ليتقوا ربهم ويشكروه ، فلهذا قال { فاتقوا الله لعلكم تشكرون } لأن من اتقى ربه فقد شكره ، ومن ترك التقوى فلم يشكره ،
ثم ذكرهم - سبحانه - بفضله عليهم وتأييده لهم يوم غزوة بدر فقال - تعالى - : { وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ الله بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ } .
وبدر : اسم لماء بين مكة والمدينة ، التقى عنده المسلمون والمشركون من قريش فى السابع عشر من رمضان من السنة الثانية للهجرة ، وكان عدد المسلمين ثلاثمائة وبضعة عشر رجلا ، وكان عدد المشركين قريبا من ألف رجل ، ومع ذلك كان النصر حليفا للمسلمين . والأذلة - كما يقول الزمخشرى : جمع قلة ، وجاء بجمع القلة ليدل على أنهم على ذلتهم كانوا قليلين . وذلتهم : ما كان بهم من ضعف الحال ، وقلة السلاح والمال والمركوب ، وذلك أنهم خرجوا على النواضح يعتقب لانفر منهم على البعير الواحد ، وما كان معهم إلا فرس واحد . وقلتهم : أنهم كانوا ثلاثمائة وبضعة عشر ، وكان عدوهم فى حال كثرة زهاء ألف مقاتل ومعهم مائة فرس ، ومعهم الشكة والشوكة - أى السلاح والقوة - .
وإذن فليس المراد بكونهم أذلة أنهم كانوا أضعاف النفوس . أو كانوا راضين بالهوان . وإنما المراد أنهم كانوا قليلى العدد والعدد ، فقراء فى الأموال وفى وسائل القتال .
وفى هذا التذكير لهم بما حدث فى غزوة بدر ، تنبيه لهم إلى وجوب تفويض أمورهم إلى خالقهم ، وإلى أن القلة المؤمنة التقية الصابرة كثيراً ما تنتصر على الكثرة الفاسقة الظالمة ، ولذا فقد ختم - سبحانه - بقوله : { فاتقوا الله لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ } .
أى فاتقوا الله بأن تستشعروا هيبته ، وتجتنبوا ما نهاكم عنه ، وتفعلوا ما أمركم به لعلعكم بذلك تكونون قد قمتم بواجب شكر ما أنعم به عليكم من نعم لا تحصى .
هكذا يبدأ الحديث عن المعركة التي لم ينتصر فيها المسلمون - وقد كادوا - وهي قد بدأت بتغليب الاعتبارات الشخصية على العقيدة عند المنافق عبد الله بن أبي ؛ وتابعه في حركته أتباعه الذين غلبوا اعتباره الشخصي على عقيدتهم . وبالضعف الذي كاد يدرك طائفتين صالحتين من المسلمين . ثم انتهت بالمخالفة عن الخطة العسكرية تحت مطارق الطمع في الغنيمة ! فلم تغن النماذج العالية التي تجلت في المعركة ، عن المصير الذي انتهت إليه ، بسبب ذلك الخلل في الصف ، وبسبب ذلك الغبش في التصور . .
وقبل أن يمضي في الاستعراض والتعقيب على أحداث المعركة التي انتهت بالهزيمة ، يذكرهم بالمعركة التي انتهت بالنصر - معركة بدر - لتكون هذه أمام تلك ، مجالا للموازنة وتأمل الأسباب والنتائج ؛ ومعرفة مواطن الضعف ومواطن القوة ، وأسباب النصر وأسباب الهزيمة . ثم - بعد ذلك - ليكون اليقين من أن النصر والهزيمة كليهما قدر من أقدار الله ؛ لحكمة تتحقق من وراء النصر كما تتحقق من وراء الهزيمة سواء . وأن مرد الأمر في النهاية إلى الله على كلا الحالين ، وفي جميع الأحوال :
( ولقد نصركم الله ببدر - وأنتم أذلة - فاتقوا الله لعلكم تشكرون . إذ تقول للمؤمنين : ألن يكفيكم أن يمدكم ربكم بثلاثة آلاف من الملائكة منزلين ؟ بلى إن تصبروا وتتقوا ويأتوكم من فورهم هذا ، يمددكم ربكم بخمسة آلاف من الملائكة مسومين . وما جعله الله إلا بشرى لكم ، ولتطمئن قلوبكم به . وما النصر إلا من عند الله العزيز الحكيم . ليقطع طرفا من الذين كفروا ، أو يكبتهم فينقلبوا خائبين - ليس لك من الأمر شيء - أو يتوب عليهم أو يعذبهم فإنهم ظالمون . ولله ما في السماوات وما في الأرض ، يغفر لمن يشاء ، ويعذب من يشاء والله غفور رحيم ) . .
والنصر في بدر كان فيه رائحة المعجزة - كما أسلفنا - فقد تم بغير أداة من الأدوات المادية المألوفة للنصر . لم تكن الكفتان فيها - بين المؤمنين والمشركين - متوازنتين ولا قريبتين من التوازن . كان المشركون حوالي ألف ، خرجوا نفيرا لاستغاثة أبي سفيان ، لحماية القافلة التي كانت معه ، مزودين بالعدة والعتاد ، والحرص على الأموال ، والحمية للكرامة . وكان المسلمون حوالي ثلاثمائة ، لم يخرجوا لقتال هذه الطائفة ذات الشوكة ، إنما خرجوا لرحلة هينة . لمقابلة القافلة العزلاء وأخذ الطريق عليها ؛ فلم يكن معهم - على قلة العدد - إلا القليل من العدة . وكان وراءهم في المدينة مشركون لا تزال لهم قوتهم ، ومنافقون لهم مكانتهم ، ويهود يتربصون بهم . . وكانوا هم بعد ذلك كله قلة مسلمة في وسط خضم من الكفر والشرك في الجزيرة . ولم تكن قد زالت عنهم بعد صفة أنهم مهاجرون مطاردون من مكة ، وأنصار آووا هؤلاء المهاجرين ولكنهم ما يزالون نبته غير مستقرة في هذه البيئة !
فبهذا كله يذكرهم الله - سبحانه - ويرد ذلك النصر إلى سببه الأول في وسط هذه الظروف :
( ولقد نصركم الله ببدر . وأنتم أذلة . فاتقوا الله لعلكم تشكرون ) . .
إن الله هو الذي نصرهم ؛ ونصرهم لحكمة نص عليها في مجموعة هذه الآيات . وهم لا ناصر لهم من أنفسهم ولا من سواهم . فإذا اتقوا وخافوا فليتقوا وليخافوا الله ، الذي يملك النصر والهزيمة ؛ والذي يملك القوة وحده والسلطان . فلعل التقوى أن تقودهم إلى الشكر ؛ وأن تجعله شكرا وافيا لائقا بنعمة الله عليهم على كل حال .
وقوله : { وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ } أي : يوم بدر ، وكان في جمعة{[5627]} وافق السابع عشر من رمضان ، من سنة اثنتين{[5628]} من الهجرة ، وهو يوم الفرقان الذي أعز الله فيه الإسلام وأهله ، ودمغَ فيه الشرك وخرَّب محِله ، [ هذا ]{[5629]} مع قلة عدد المسلمين يومئذ ، فإنهم كانوا ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلا فيهم فرسان وسبعُون بعِيرا ، والباقون مُشاة ، ليس معهم من العَدَد جميع ما يحتاجون إليه ، وكان العدو يومئذ ما بين التسعمائة إلى الألف في سوابغ الحديد والبَيض ، والعدة{[5630]} الكاملة والخيول المسومة والحلي{[5631]} الزائد ، فأعز الله رسوله ، وأظهر وحيه وتنزيله ، وبَيَّضَ وَجْه النبي وقبيله ، وأخْزى الشيطان{[5632]} وجيله ولهذا قال تعالى - مُمْتَنا على عباده المؤمنين وحِزبه المتقين : { وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ } أي : قليل عددكم ليعلموا{[5633]} أن النصر إنما هو من عند الله ، لا بكثرة العَدَد والعُدَد ؛ ولهذا قال في الآية الأخرى : { وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئًا [ وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الأرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ . ثُمَّ أَنزلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنزلَ جُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا وَعَذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَذَلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ . ثُمَّ يَتُوبُ اللَّهُ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ عَلَى مَنْ يَشَاءُ ]{[5634]} وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ } [ التوبة : 25 - 27 ] .
وقال الإمام أحمد : حدثنا محمد بن جَعْفَر ، حدثنا شُعْبَة ، عن سِمَاك قال : سمعت عِياضا الأشعري قال : شهدتُ الْيَرْمُوك وعلينا خمسة أمراء : أبو عبيدة ، ويزيد بن أبي سفيان ، وابن حَسَنَة ، وخالد بن الوليد ، وعياض - وليس عياض هذا{[5635]} الذي حدث سماكا - قال : وقال عمر ، رضي الله عنه : إذا كان قتال فعليكم أبو عبيدة . قال : فكتبنا إليه{[5636]} إنه قد جاش إلينا الموت ، واستمددناه ، فكتب إلينا : إنه قد جاءني كتابكم تَسْتَمِدُّونَنِي{[5637]} وإني أدلكم على من هو أعز نصرًا ، وأحصن جندًا : الله عز وجل ، فاستنصروه ، فإن محمدًا صلى الله عليه وسلم قد نُصر يومَ بدر في أقل من عدتكم ، فإذا جاءكم كتابي فقاتلوهم ولا تراجعوني . قال{[5638]} فقاتلناهم فهزمناهم أربعة{[5639]} فراسخ ، قال : وأصبنا أموالا فتشاورنا ، فأشار علينا عياض أنْ نُعْطِيَ عن كل ذي رأس عشرة . قال : وقال أبو عبيدة : من يراهنني ؟ فقال شاب : أنا ، إن لم تَغْضَبْ . قال : فسبقه ، فرأيت عَقِيصَتَيْ أبي عُبَيدة تَنْقزان وهو خَلْفه على فرس عُرْي{[5640]} .
وهذا إسناد صحيح{[5641]} وقد أخرجه ابن حِبّان في صحيحه من حديث بُنْدَار ، عن غُنْدَر ، بنحوه ، واختاره الحافظ الضياء المقدسي في كتابه .
وبَدْر مَحَلَّة بين مكة والمدينة ، تُعرف ببئرها ، منسوبة إلى رجل حفرها يقال له : " بدر بن النارين " . قال الشعبي : بدر بئر لرجل يسمى بدرًا .
وقوله : { فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ } أي : تقومون بطاعته .
إذ قد كانت وقعة أحُد لم تنكشف عن نصر المسلمين ، عَقَّب الله ذكرها بأن ذكَّرهم الله تعالى نَصره إيّاهم النصر الَّذي قدّره لهم يوم بدر ، وهو نصر عظيم إذ كان نصرَ فئة قليلةٍ على جيش كثير ، ذي عُدد وافرة ، وكان قتلى المشركين يومئذ سادةَ قريش ، وأيمّة الشرك ، وحسبك بأبي جهل بن هشام ، ولذلك قال تعالى : { وأنتم أذلة } أي ضعفاء . والذلّ ضد العزّ فهو الوهن والضعف . وهذا تعريض بأنّ انهزام يوم أحُد لا يفلّ حدّة المسلمين لأنّهم صاروا أعزّة . والحرب سجال .
وقوله : { فاتقوا الله لعلكم تشكرون } اعتراض بين جملة { ولقد نصركم الله ببدر } ومتعلّق فعلها أعني { إذ تقول للمؤمنين } . والفاء للتفريع والفاء تقع في الجملة المعترضة على الأصحّ ، خلافاً لمن منع ذلك من النحويين . . فإنَّه لمّا ذكّرهم بتلك المنّة العظيمة ذكّرهم بأنَّها سبب للشكر فأمرهم بالشكر بملازمة التَّقوى تأدّباً بنسبة قوله تعالى : { لئن شكرتم لأزيدنكم } [ إبراهيم : 70 ] .
ومن الشكر على ذلك النَّصر أن يثبتوا في قتال العدو ، وامتثالُ أمر النَّبيء صلى الله عليه وسلم وأن لا تَفُلّ حدّتَهم هزيمة يوم أحُد .
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
{ولقد نصركم الله ببدر وأنتم أذلة}، وأنتم قليل، يذكرهم النعم، {فاتقوا الله} ولا تعصوه، {لعلكم تشكرون}، ربكم في النعم.
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
يعني بذلك جلّ ثناؤه: وإن تصبروا وتتقوا، لا يضرّكم كيدهم شيئا، وينصركم ربكم، {وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللّه بَبدْرٍ} على أعدائكم {وأَنْتُمْ} يومئذٍ {أذِلّةٌ} يعني قليلون، في غير منعة من الناس، حتى أظهركم الله على عدوّكم مع كثرة عددهم، وقلة عددكم، وأنتم اليوم أكثر عددا منكم حينئذٍ، فإن تصبروا لأمر الله ينصركم كما نصركم ذلك اليوم {فاتّقُوا الله} يقول تعالى ذكره: فاتقوا ربكم بطاعته واجتناب محارمه {لَعلّكُمْ تَشْكُرُونَ} يقول: لتشكروه على ما منّ به عليكم من النصر على أعدائكم، وإظهار دينكم، ولما هداكم له من الحقّ الذي ضلّ عنه مخالفوكم...
وأما قوله: {أذِلّةٌ} فإنه جمع ذليل، كما الأعزّة جمع عزيز، والألبّة جمع لبيب. وإنما سماهم الله عزّ وجلّ أذلة لقلة عددهم، لأنهم كانوا ثلاثمائة نفس وبضعة عشر، وعدوّهم ما بين التسعمائة إلى الألف، على ما قد بينا فيما مضى، فجعلهم لقلة عددهم أذلة...
تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :
{ولقد نصركم الله ببدر وأنتم أذلة} يذكرهم جل وعلا ألا يكلوا إلى أنفسهم لكثرتهم ولقوتهم ولعدتهم، ولا يثقوا بأحد سواه، بل على الله يتوكلون، وبه يثقون، لأنه أخبر أنهم كانوا ضعفاء فنصرهم، وأمد لهم بالملائكة حتى قهر عدوهم مع ضعفهم، وقلة عددهم يوم بدر، ويوم أحد كانوا أقوياء كثيري العدد، فوكلوا إلى أنفسهم، فكانت الهزيمة عليهم. وقوله تعالى: {فاتقوا الله} يعني اتقوا معاصيه {لعلكم تشكرون} فيه دليل أن الشكر إنما يكون في طاعته واتقاء معاصيه، وأن المحنة في الشكر لما أنعم عليه والتكفير لما سبق منه من الجفاء والغفلة، والله أعلم...
التبيان في تفسير القرآن للطوسي 460 هـ :
قوله:"فاتقوا الله" معناه: اتقوا معاصيه واعملوا بطاعته. ويجوز أن يكون المراد اتقوا عقاب الله بترك المعاصي، والعمل بطاعته، لأن أصل الاتقاء هو: الحجز بين الشيئين بما يمنع من وصول أحدهما إلى الآخر، كما تقول اتقاه بالترس أو غيره، ووجه إدخال هذه الآية وهي متعلقة بقصة بدر بين قصة أحد أن الله تعالى وعد المؤمنين النصر يوم أحد إن صبروا وثبتوا أن يمدهم بالملائكة كما نصرهم يوم بدر، وأمدهم بالملائكة فلما لم يصبروا وتركوا مراكزهم أصاب العدو منهم ما هو معروف.
لطائف الإشارات للقشيري 465 هـ :
تذكير ما سَلَفَ من الإنْعَام فتحٌ لباب التملق في اقتضاء أمثاله في المُسْتَأنَف...
الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :
أمرهم بألا يتوكلوا إلا عليه ولا يفوّضوا أمورهم إلا إليه ثم ذكرهم ما يوجب عليهم التوكل مما يسر لهم من الفتح يوم بدر وهم في حالة قلة وذلة. والأذلة: جمع قلة والذلان جمع الكثرة. وجاء بجمع القلة ليدل على أنهم على ذلتهم كانوا قليلاً، وذلتهم، ما كان بهم من ضعف الحال وقلة السلاح والمال والمركوب، وذلك أنهم خرجوا على النواضح يعتقب النفر منهم على البعير الواحد وما كان معهم إلا فرس واحد. وقلتهم أنهم كانوا ثلاثمائة وبضعة عشر، وكان عدوّهم في حال كثرة زهاء ألف مقاتل ومعهم مائة فرس والشَّكَّة والشَّوْكة. وبدر: اسم ماء بين مكة والمدينة كان لرجل يسمى بدراً فسمي به {فاتقوا الله} في الثبات مع رسوله {لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} بتقواكم ما أنعم به عليكم من نصرته. أو لعلكم ينعم الله عليكم نعمة أخرى تشكرونها، فوضع الشكر موضع الإنعام لأنه سبب له...
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 542 هـ :
{أذلة} جمع ذليل، واسم الذل في هذا الموضع مستعار، ولم يكونوا في أنفسهم إلا أعزة، ولكن نسبتهم إلى عدوهم وإلى جميع الكفار في أقطار الأرض يقتضي عند التأمل ذلتهم، وأنهم مغلوبون، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك اليوم: اللهم (إن تهلك هذه العصابة لم تعبد)...
الأول: أنه تعالى لما ذكر قصة أحد أتبعها بذكر قصة بدر، وذلك لأن المسلمين يوم بدر كانوا في غاية الفقر والعجز، والكفار كانوا في غاية الشدة والقوة، ثم إنه تعالى سلط المسلمين على المشركين فصار ذلك من أقوى الدلائل على أن العاقل يجب أن لا يتوسل إلى تحصيل غرضه ومطلوبه إلا بالتوكل على الله والاستعانة به والمقصود من ذكر هذه القصة تأكيد قوله {وإن تصبروا وتتقوا لا يضركم كيدهم شيئا} [آل عمران: 120] وتأكيد قوله {وعلى الله فليتوكل المؤمنون} [آل عمران: 122].
الثاني: أنه تعالى حكى عن الطائفتين أنهما همتا بالفشل. ثم قال: {والله وليهما وعلى الله فليتوكل المؤمنون} يعني من كان الله ناصرا له ومعينا له فكيف يليق به هذا الفشل والجبن والضعف؟ ثم أكد ذلك بقصة بدر فإن المسلمين كانوا في غاية الضعف ولكن لما كان الله ناصرا لهم فازوا بمطلوبهم وقهروا خصومهم فكذا ههنا...
قوله {وأنتم أذلة}... لعل المراد أنهم كانوا أذلة في زعم المشركين واعتقادهم لأجل قلة عددهم وسلاحهم، وهو مثل ما حكى الله عن الكفار أنهم قالوا {ليخرجن الأعز منها الأذل} [المنافقون: 8]... [أو المراد] أن الصحابة قد شاهدوا الكفار في مكة في القوة والثروة وإلى ذلك الوقت ما اتفق لهم استيلاء على أولئك الكفار، فكانت هيبتهم باقية في قلوبهم واستعظامهم مقررا في نفوسهم فكانوا لهذا السبب يهابونهم ويخافون منهم...
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
لما كان ظاهر الحال فيما أصاب الكفار من المسلمين في هذه الغزوة ربما كان سبباً في شك من لم يحقق بواطن الأمور ولا له أهلية النفوذ في الدقائق من عجائب المقدور في قوله تعالى: {إن الذين كفروا لن تغني عنهم أموالهم ولا أولادهم من الله شيئاً} [آل عمران: 10] {قل للذين كفروا ستغلبون} [آل عمران: 12] ذكرهم الله تعالى نصره لهم في غزوة بدر، وهم في القلة دون ما هم الآن بكثير، مشيراً لهم إلى ما أثمره توكلهم من النصر، وحالهم إذ ذاك حال الآئس منه، ولذلك كانوا في غاية الكراهة للّقاء بخلاف ما كانوا عليه في هذه الكرة، حثاً على ملازمة التوكل، منبهاً على أنه لا يزال يريهم مثل ذلك النصر ويذيق الكفار أضعاف ذلك الهوان حتى يحق الحق ويبطل الباطل ويظهر دينه الإسلام على الدين كله فقال -عاطفاً على ما تقديره: فمن توكل عليه نصره وكفاه وإن كان قليلاً، فلقد نصركم الله أول النهار في هذه الغزوة حيث صبرتم واتقيتم بطاعتكم للرسول صلى الله عليه وسلم في ملازمة التعب والإقبال على الحرب وغير ذلك بما أمركم به صلى الله عليه وسلم ولم تضركم قلتكم ولا ضعفكم بمن رجع عنكم شيئاً -: {ولقد نصركم الله} بما له من صفات الجلال والجمال {ببدر} المشار إليها أول السورة بقوله تعالى: {قد كان لكم آية في فئتين التقتا} [آل عمران: 13] لما صبرتم واتقيتم. ولما كانوا في عدد يسير أشار إليه بجمع القلة فقال: {وأنتم أذلة} أي فاذكروا ذلك واجعلوه نصب أعينكم لينفعكم، وكان الإتيان بأمر بدر بعد آية الفشل المختتمة بالحث على التوكل في الغاية من حسن النظم، وهو دليل أيضاً على منطوق قوله تعالى: {وإن تصبروا وتتقوا لا يضركم كيدهم شيئاً} [آل عمران: 120] كما كان أمر أحد دليلاً على منطوقها ومفهومها معاً: دل على منطوقها بنصرهم أول النهار عند صبرهم، وعلى مفهومها بإدالة العدو عليهم عند فشلهم آخره- والله الموفق...
إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود 982 هـ :
{وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ الله بِبَدْرٍ} جملةٌ مستأنفةٌ سيقت لإيجاب الصبرِ والتقوى بتذكير ما ترتب عليهما من النصر إثرَ تذكيرِ ما ترتب على عدمهما من الضرر، وقيل: لإيجاب التوكلِ على الله تعالى بتذكير ما يوجبه... {فاتقوا الله} اقتصر على الأمر بالتقوى مع كونه مشفوعاً بالصبر فيما سبق وما لحِق للإشعار بأصالته، وكونِ الصبرِ من مباديه اللازمةِ له ولذلك قُدم عليه في الذكر وفي ترتيب الأمرِ بالتقوى على الإخبار بالنصر إيذانٌ بأن نصرَهم المذكورَ كان بسبب تقواهم أي إذا كان الأمرُ كذلك فاتقوا الله كما اتقيتم يومئذ.
تفسير المنار لرشيد رضا 1354 هـ :
{فاتقوا الله لعلكم تشكرون} فإن التقوى هي التي تعدكم للقيام في مقام الشكر على النعم التي يسديكم إياها، فمن لم يرض نفسه بالتقوى غلب عليه اتباع الهوى فلا يرجى له أن يكون شاكرا بصرف النعمة إلى ما وهبت لأجله من الحكم والمنافع.
في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :
وقبل أن يمضي في الاستعراض والتعقيب على أحداث المعركة التي انتهت بالهزيمة، يذكرهم بالمعركة التي انتهت بالنصر -معركة بدر- لتكون هذه أمام تلك، مجالا للموازنة وتأمل الأسباب والنتائج؛ ومعرفة مواطن الضعف ومواطن القوة، وأسباب النصر وأسباب الهزيمة. ثم -بعد ذلك- ليكون اليقين من أن النصر والهزيمة كليهما قدر من أقدار الله؛ لحكمة تتحقق من وراء النصر كما تتحقق من وراء الهزيمة سواء. وأن مرد الأمر في النهاية إلى الله على كلا الحالين، وفي جميع الأحوال...
والنصر في بدر كان فيه رائحة المعجزة؛ ... فقد تم بغير أداة من الأدوات المادية المألوفة للنصر. لم تكن الكفتان فيها -بين المؤمنين والمشركين- متوازنتين ولا قريبتين من التوازن... فبهذا كله يذكرهم الله -سبحانه- ويرد ذلك النصر إلى سببه الأول في وسط هذه الظروف: (ولقد نصركم الله ببدر. وأنتم أذلة. فاتقوا الله لعلكم تشكرون).. إن الله هو الذي نصرهم؛ ونصرهم لحكمة نص عليها في مجموعة هذه الآيات. وهم لا ناصر لهم من أنفسهم ولا من سواهم. فإذا اتقوا وخافوا فليتقوا وليخافوا الله، الذي يملك النصر والهزيمة؛ والذي يملك القوة وحده والسلطان. فلعل التقوى أن تقودهم إلى الشكر؛ وأن تجعله شكرا وافيا لائقا بنعمة الله عليهم على كل حال.
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
لمّا ذكّرهم بتلك المنّة العظيمة ذكّرهم بأنَّها سبب للشكر فأمرهم بالشكر بملازمة التَّقوى تأدّباً بنسبة قوله تعالى: {لئن شكرتم لأزيدنكم} [إبراهيم: 70]. ومن الشكر على ذلك النَّصر أن يثبتوا في قتال العدو، وامتثالُ أمر النَّبيء صلى الله عليه وسلم وأن لا تَفُلّ حدّتَهم هزيمة يوم أحُد...
زهرة التفاسير - محمد أبو زهرة 1394 هـ :
بعد أن أشار سبحانه على تأثير أهل السوء مع كثرة المؤمنين-في غزوة أحد، وكيف حاولوا أن يوهنوا عزائم المؤمنين، أخذ سبحانه وتعالى يبين غزوة بدر، وقد كانت وليس بين المؤمنين منافقون؛ لأن أولئك المنافقين ما دخلوا إلا بعد أن وجدوا أن كلمة الله هي العليا، فأظهروا الإسلام وأبطنوا غيره، وكان منهم يهود ومنهم مشركون، فكان المسلمون قلة، ولكن لأنه لم يكن بينهم منافقون، ولم يتخذوا بطانة من غيركم، نصرهم الله سبحانه وتعالى. والمعنى أن الله تعالى نصركم والحال أنكم كنتم قليلا وكنتم مستضعفين في الأرض كما قال تعالى: {واذكروا إذ أنتم قليل مستضعفون في الأرض تخافون أن يتخطفكم الناس فآواكم وأيدكم بنصره ورزقكم من الطيبات لعلكم تشكرون26} [الأنفال]. وإن ذكر هذا يدل على أمرين: أحدهما: أنه لا بد من التفويض إلى الله تعالى مع أخذ الأسباب، والثاني: أن القلة مع نقاء القلوب وتلاقي العزائم يكون معها النصر؛ لأن توحيد الغرض قوة في ذاته تكافئ قوة العتاد والعدة...
{فاتقوا الله لعلكم تشكرون} إذا كان النصر من عنده تعالى، وهو ولي المؤمنين، فعليهم أن يتقوه، والتقوى معناها استشعار هيبته وجبروته وعظمته وقوته، وأنه إن أراد بقوم خيرا فلا يستطيع أهل الدنيا أن يمنعوه، وإذا أراد بقوم سوءا فلا يستطيع أن يمنعه من قوة الله تعالى، فلا عزة إلا منه، ولا ذلة إلا في عصيانه، وإن التقوى على هذا المعنى توجب الشكر، ولذلك قال بعد الأمر بالتقوى: {لعلكم تشكرون} أي اتقوا الله تعالى وهابوه، وأقروا بأن الكبرياء له وحده في السموات والأرض، رجاء ان تشكروه بهذه التقوى، والرجاء من العبيد لا من الله تعالى، فهو الغني الحميد، فالتقوى هي في الحقيقة شكر الله تعالى، لأنه سبحانه هو المنعم وهو المتفضل في كل ما يتعلق بالإنسان من نعم هذا الوجود، وشكره أن تعرف حق ما أسدى، وما تدل عليه النعم من جلال الله وعظمته...
تفسير من و حي القرآن لحسين فضل الله 1431 هـ :
... لكن لِمَ هذه الإثارة لمعركة بدر في أجواء معركة أُحد؟ هل المقصود هو ربط الذكريات بمثلها في خلق جوٍّ من التشجيع النفسي حتّى يُقدم النَّاس على المعارك الجديدة بروحية المعارك القديمة، أو أنَّ المقصود هو ما ذكره البعض من بيان قضية حاسمة، وهي أنَّ الانتصار في معركة من المعارك لا يُعدُّ نصراً حاسماً، ولا الانكسار في معركةٍ من المعارك يكون انكساراً نهائياً، وإنَّما النصر النهائي للصابرين الثابتين والمتقين المخلصين، أو أنَّ هناك شيئاً آخر ربَّما يكون أبعد من هذا الوجه أو ذاك، وإن كان غير منافٍ لهما من حيث الجوّ العام؟ لعلّ المقصود من ذلك واللّه العالم هو التأكيد على ربط النصر باللّه في المعارك الإسلامية الفاصلة، حتّى يظلّ المؤمن مشدوداً للّه في حربه في عمليّة تعميق الإحساس بالقوّة، وعدم الخضوع للأوضاع الاستعراضية المضادة التي يُراد منها هزيمة المسلمين روحيّاً ونفسيّاً، وذلك باستحضار قوّة اللّه وعنايته بعباده المؤمنين ورعايته لهم في كلّ أوضاعهم ومشاكلهم، والشعور بأنَّ قوّتهم لا تمثِّل إلاَّ ظلاً خفيفاً من ظلال قوّة اللّه ورحمته؛ فهم يشكّلون في هذا المجال دور الإرادة المنفعلة بخالقها لا دور القوّة المستقلة بذاتها... فإذا كان النصر، ذكروا اللّه بالإحساس بالامتنان على ما هيّأ لهم من أسبابه، وإذا كانت الهزيمة، ذكروا اللّه معها وعرفوا بأنَّها كانت نتيجةً طبيعية لعدم الأخذ بأسباب النصر، ولنسيان اللّه في أكثر حالاتهم...
وهكذا يتأكد الإيمان باللّه كحقيقةٍ تهزّ كيانهم بالحركة والإشراق والانفتاح على الحياة بكلّ عناصرها الفاعلة المتنوّعة، فلا يبقى مجرّد فكرة تعيش في زاوية مغلقةٍ من زوايا الشخصية الإنسانية بشكلٍ عاديٍّ جامدٍ. وهذا ما يريد القرآن أن يثيره في أعماق الشخصية وفي كلّ النشاطات الإنسانية، بأن يظلّ الإنسان خاضعاً لعبوديته للّه واستسلامه له في أموره، حتّى ليشعر أنَّه لا يستطيع أن يحرّك أيّ شيء إلاَّ باللّه ومن اللّه، وهذا ما نواجهه بارزاً في هذه الآيات... [ولقد نصركم اللّه ببدرٍ وأنتم أذلَّةٌ] ضعفاء لا تملكون أيّة فرصةٍ عاديةٍ للقوّة والعزّة [فاتَّقوا اللّه] في مسيرتكم وفي وعيكم للدور الذي يجب أن تقوموا به في الجهاد في سبيل اللّه والعمل من أجله... [لعلَّكم تشكُرون] لأنَّ التدبّر في آفاق نصر اللّه لعباده المستضعفين يفرض الشكر العملي على الإنسان في كلّ ممارساته ومنطلقاته.
الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - لجنة تأليف بإشراف الشيرازي 2009 هـ :
بعد انتهاء معركة «أُحد» عاد المشركون المنتصرون إلى مكّة بسرعة، ولكنّهم بدا لهم في أثناء الطريق أن لا يتركوا هذا الانتصار دون أن يكملوه ويجعلوه ساحقاً، أليس من الأحسن أن يعودوا إلى المدينة، وينهبوها ويلحقوا بالمسلمين مزيداً من الضربات القاضية وأن يقتلوا محمّداً (صلى الله عليه وآله وسلم) إذا كان لا يزال حيّاً ليتخلصوا من الإسلام والمسلمين ويطمئن بالهم من ناحيتهم بالمرّة.
لهذا صدر قرار بالعودة إلى المدينة، ولا ريب أنه كان أخطر مراحل معركة «أُحد» بالنظر إلى ما كان قد لحق بالمسلمين من القتل والجراحة والخسائر، الذي كان قد سلب منهم كلّ طاقة للدخول في معركة جديدة أو لاستئناف القتال، فيما كان العدو في ذروة القوّة والروحية العسكرية التي كانت تمكن العدو من تحقيق انتصارات جديدة، وإحراز النتيجة لصالحه، فنهاية هذه العودة ونتيجتها كانت معروفة سلفاً.
وقد بلغ خبر العودة هذه إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، ولولا شهامته البالغة، وقدرته المكتسبة من الوحي على الأخذ بزمام المبادرة لانتهى تاريخ الإسلام وحياته عند تلك النقطة.
في هذه المرحلة الحساسة بالذات نزلت الآيات الحاضرة لتقوي روحية المسلمين وتصعد من معنوياتهم، وفي أعقاب ذلك صدر أمر من النبي إلى المسلمين بالتهيؤ لمقابلة المشركين، فاستعد جميع المسلمين حتّى المجروحين... لمقابلة المشركين، وخرجوا بأجمعهم من المدينة لذلك.
فبلغ هذا الخبر مسامع زعماء قريش فأرعبتهم هذه المعنوية العالية التي يتمتع بها المسلمون وظنوا أن عناصر جديدة التحقت بالمسلمين وإن هذا يمكن أن يغير نتائج المواجهة الجديدة لصالح المسلمين، ولذلك فكروا في العدول عن قرارهم بمهاجمة المدينة، حفاظاً على قواهم، وهكذا قفلوا راجعين إلى مكة بسرعة، وانتهت القضية عند هذا الحدّ.
وإليك شرحاً للآيات التي نزلت لتقوّي روحية المسلمين، وتجبر ما نزل بهم من هزيمة في هذه المعركة.
فقد بدأت هذه الآيات بتذكير المسلمين بما تحقق لهم من نصر ساحق بتأييد الله لهم في «بدر» إذ قال سبحانه (ولقد نصركم الله ببدر وأنتم أذلة) وقد كان الهدف من هذا التذكير هو شد عزائم المسلمين وزرع الثقة في نفوسهم والاطمئنان إلى قدراتهم، والأمل بالمستقبل، فقد نصرهم الله وهم على درجة كبيرة من الضعف، وقلة العدد وضآلة العدة (حيث كان عددهم 313 مع امكانيات بسيطة قليلة، وكان عدد المشركين يفوق ألف مقاتل مع امكانيات كبيرة).
فإذا كان الأمر كذلك فليتقوا الله، وليجتنبوا مخالفة أوامر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ليكونوا بذلك قد أدوا شكر المواهب الإلهية (فاتقوا الله لعلكم تشكرون).