قوله تعالى : { خذ من أموالهم صدقةً تطهرهم } ، بها من ذنوبهم ، { وتزكيهم بها } ، أي : ترفعهم من منازل المنافقين إلى منازل المخلصين . وقيل : تنمي أموالهم { وصل عليهم } ، أي : ادع لهم واستغفر لهم . وقيل : هو قول الساعي للمصدق إذا أخذ الصدقة منه : آجرك الله فيما أعطيت وبارك لك فيما أبقيت . والصلاة في اللغة : الدعاء .
قوله تعالى : { إن صلاتك } قرأ حمزة والكسائي : " صلاتك " على التوحيد ونصب التاء هاهنا ، وفي سورة هود " أصلاتك " وفي سورة المؤمنين " على صلاتهم " كلهن على التوحيد ، وافقهما حفص هاهنا وفي سورة هود . وقرأ الآخرون بالجمع فيهن ويكسرون التاء هاهنا وفي سورة المؤمنين ، ولا خلاف في التي في الأنعام { وهم على صلاتهم يحافظون } ولا التي في المعارج { وهم على صلاتهم يحافظون } أنها جميعا على التوحيد .
قوله تعالى : { سكن لهم } ، أي : إن دعاءك رحمة لهم . قاله ابن عباس . وقيل : طمأنينة لهم ، وسكون لهم ، أن الله عز وجل قد قبل منهم . وقال أبو عبيدة : تثبيت لقلوبهم . قوله تعالى : { والله سميع عليم } . واختلفوا في وجوب الدعاء على الإمام عند أخذ الصدقة : قال بعضهم : يجب . وقال بعضهم : يستحب . وقال بعضهم : يجب في صدقة الفرض ويستحب في صدقة التطوع . وقيل يجب على الإمام ويستحب للفقير أن يدعو للمعطي .
أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي ، أخبرنا أحمد بن عبد الله النعيمي ، أنا محمد بن يوسف ، ثنا محمد بن إسماعيل ، ثنا آدم بن أبي إياس ، ثنا شعبة عن عمرو بن مرة قال : سمعت عبد الله ابن أبي أوفى -وكان من أصحاب الشجرة- قال : " كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أتاه قومه بصدقة قال :اللهم صل عليهم ، فأتاه أبي بصدقته فقال : اللهم صل على آل أبي أوفى " . وقال ابن كيسان : ليس هذا في صدقة الفرض إنما هو في صدقة كفارة اليمين . وقال عكرمة : هي صدقة الفرض ، فلما نزلت توبة هؤلاء قال الذين لم يتوبوا من المتخلفين : هؤلاء كانوا معنا بالأمس لا يكالمون ولا يجالسون ، فما لهم ؟ وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم لم رجع إلى المدينة نهى المؤمنين عن مكالمة المنافقين ومجالستهم .
قوله تعالى : { ألم يعلموا أن الله هو يقبل التوبة عن عباده ويأخذ الصدقات } . أي يقبلها .
قال تعالى لرسوله ومن قام مقامه ، آمرا له بما يطهر المؤمنين ، ويتمم إيمانهم : { خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً } وهي الزكاة المفروضة ، { تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا } أي : تطهرهم من الذنوب والأخلاق الرذيلة .
{ وَتُزَكِّيهِمْ } أي : تنميهم ، وتزيد في أخلاقهم الحسنة ، وأعمالهم الصالحة ، وتزيد في ثوابهم الدنيوي والأخروي ، وتنمي أموالهم .
{ وَصَلِّ عَلَيْهِمْ } أي : ادع لهم ، أي : للمؤمنين عموما وخصوصا عندما يدفعون إليك زكاة أموالهم .
{ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ } أي : طمأنينة لقلوبهم ، واستبشار لهم ، { وَاللَّهُ سَمِيعٌ } لدعائك ، سمع إجابة وقبول .
{ عَلِيمٌ } بأحوال العباد ونياتهم ، فيجازي كل عامل بعمله ، وعلى قدر نيته ، فكان النبي صلى الله عليه وسلم يمتثل لأمر اللّه ، ويأمرهم بالصدقة ، ويبعث عماله لجبايتها ، فإذا أتاه أحد بصدقته دعا له وبرَّك .
ففي هذه الآية ، دلالة على وجوب الزكاة ، في جميع الأموال ، وهذا إذا كانت للتجارة ظاهرة ، فإنها أموال تنمى ويكتسب بها ، فمن العدل أن يواسى منها الفقراء ، بأداء ما أوجب اللّه فيها من الزكاة .
وما عدا أموال التجارة ، فإن كان المال ينمى ، كالحبوب ، والثمار ، والماشية المتخذة للنماء والدر والنسل ، فإنها تجب فيها الزكاة ، وإلا لم تجب فيها ، لأنها إذا كانت للقنية ، لم تكن بمنزلة الأموال التي يتخذها الإنسان في العادة ، مالا يتمول ، ويطلب منه المقاصد المالية ، وإنما صرف عن المالية بالقنية ونحوها .
وفيها : أن العبد لا يمكنه أن يتطهر ويتزكى حتى يخرج زكاة ماله ، وأنه لا يكفرها شيء سوى أدائها ، لأن الزكاة والتطهير متوقف على إخراجها .
وفيها : استحباب الدعاء من الإمام أو نائبه لمن أدى زكاته بالبركة ، وأن ذلك ينبغي ، أن يكون جهرا ، بحيث يسمعه المتصدق فيسكن إليه .
ويؤخذ من المعنى ، أنه ينبغي إدخال السرور على المؤمن بالكلام اللين ، والدعاء له ، ونحو ذلك مما يكون فيه طمأنينة ، وسكون لقلبه . وأنه ينبغي تنشيط من أنفق نفقة وعمل عملا صالحا بالدعاء له والثناء ، ونحو ذلك .
ثم أمر الله تعالى - نبيه - صلى الله عليه وسلم - أن يأخذ الصدقات من هؤلاء الذين اعترفوا بذنوبهم ومن غيرهم ، فقال : { خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا } .
أخرج ابن جرير عن ابن عباس قال : " لما أطلق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أبا لبابة وأصحابه جاءوا بأموالهم إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقالوا له يا رسول الله هذه أموالنا فتصدق بها عنا ، واستغفر لنا ، فقال " ما أمرت أن آخذ من أموالكم شيئا " " .
فأنزل الله تعالى { خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً . . . } الآية .
وقال الإِمام ابن كثير : أمر الله تعال - رسوله أن يأخذ من أموالهم صدقة يطهرهم ويزكيهم بها . وهذا عام وإن أعاد بعضهم الضمير في أموالهم إلى الذين اعترفوا بذنوبهم .
ولهذا اعتقد بعض مانعى الزكاة من أحياء العرب أن دفع الزكاة إلى الإِمام لا يكون ، وإنما كان هذا خاصا بالرسول - صلى الله عليه وسلم - ولهذا احتجوا بقوله : - تعالى - : { خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً . . . . } الآية .
وقد رد عليهم هذا التأويل والفهم الفاسد أبو بكر الصديق وسائر الصحابة ، وقاتلوهم حتى أدوا الزكاة الى الخليفة كما كانوا يؤدونها إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى قال الصديق : " الله لومنعونى عناقا كانوا يؤدونه لرسول الله صلى الله عليه وسلم لقاتلتهم على منعه " .
والمعنى : خذ - أيها الرسول الكريم - من أموال هؤلاء المعترفين بذنوبهم ، ومن غيرهم من اصحابك " صدقة " معينة ، كالزكاة المفروضة ، أو غير معينة كصدقة التطوع .
وقوله : { تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا } بيان للفوائد المترتبة على هذه الصدقة .
أى : من فوائد هذه الصدقة أنها تطهر النفوس من رذائل الشح والبخل والطمع . . وتزكى القلوب من الأخلاق الذميمة ، وتنمى الأموال والحسنات قال بعضهم : قوله : " تطهرهم " قرئ مجزوما على أنه جواب للأمر . وقرئ . مرفوعا على أنه حال من ضمير المخاطب في قوله : " خذ " أو صفة لقوله " صدقة " والعائد على الأول محذوف ثقة بما بعده أى : تطهرهم بها . .
وقوله : " وتزكيهم " لم يقرأ إلا بإثبات الياء ، على أنه خبر لمبتدأ محذوف ، والجملة حال من الضمير في الأمر أو في جوابه . أى : وأنت تزكيهم بها .
هذا على قراءة الجزم في " تطهرهم " ، وأما على قراءة الرفع فيكون قوله " وتزكيهم بها " معطوف على قوله " تطهرهم " حالا أو صفة .
وقوله : وصل عليهم إن صلاتك سكن لهم أى : وادع لهم بالرحمة والمغفرة ، وقبول التوبة ، فإن دعاءك لهم تسكن معه نفوسهم ، وتطمئن به قلوبهم ، ويجعلهم في ثقة من أن الله - تعالى - قد قبل توبتهم ، فأنت روسله الأمين ، ونبيه الكريم .
فالمراد بالصلاة هنا : الدعاءلهم بالرحمة والمغفرة .
قال بعضهم : " وظاهر " قوله : " وصل عليهم " أنه يجب على الإِمام أو نائبه إذا أخذ الزكاة أن يدعو للمتصدق . وبهذا أخذ داود وأهل الظاهر .
وأما سائر الفقهاء فقد حملوا الأمر هنا على الندب والاستحباب ، " لأن الرسول - صلى الله عليه وسلم - قال لمعاذ : " أعلمهم أن عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقراءهم " ولم يأمره بالدعاء . .
أما صيغة الدعاء فلم يرد فيها تعيين إلا ما رواه الستة - غير الترمذى من قوله - صلى الله عليه وسلم - " اللهم صلى على آل أبى أوفى " - عندما أخذ منهم الزكاة - .
ومن هنا قال الحنابلة وداود وأهل الظاهر لا مانع من أن يقول آخذ الزكاة : اللهم صل على آل فلان .
وقال باقى الأئمة لا يجوز أن يقال : اللهم صل على آل فلان ، وإن ورد في الحديث ، لأن الصلاة صارت مخصوصة في لسان السلف بالانبياء - صلوات الله عليهم - ، كما أن قولنا : - عز وجل - صار مخصوصا بالله - تعالى - .
قالوا : وإنما أحدث الصلاة على غير الأنبياء مبتدعو الرافضة في بعض الأئمة ، والتشبه بأهل البدع منهى عنه .
ولا خلاف في أنه يجوز أن يجعل غير الأنبياء تبعا لهم فيقال : اللهم صل على محمد وعلى آله وأصحابه وأزواجه وذريته . . لأن السلف استعملوا ذلك ، وأمرنا به في التشهد ، ولأن الصلاة على التابع تعظيم للمتبوع . .
وقوله : { والله سَمِيعٌ عَلِيمٌ } أى : سميع لاعترافهم بذنوبهم وسميع لدعائهم سماع قبول وإجابة ، وعليم بندمهم وتوبتهم ، وبكل شئ في هذا الكون ، وسيجازى كل إنسان بما يستحقه من ثواب أو عقاب .
ثم قال اللّه لنبيه - [ ص ] - :
( خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها ، وصل عليهم إن صلاتك سكن لهم ، واللّه سميع عليم ) . .
ولقد كانت تلك الحساسية التي بعثت الندم والتوبة في تلك القلوب ، جديرة بالطمأنينة ، حقيقة بالعطف الذي يسكب فيها الأمل ، ويفتح لها أبواب الرجاء . . وإن كان رسول اللّه - [ ص ] - وهو يقود حركة ، ويربي أمة ، وينشئ نظاماً ، قد رأى الأخذ بالحزم في أمرهم حتى يأتيه أمر من ربه في شأنهم . . قال ابن جرير : حدثني محمد بن سعد قال : حدثني أبي قال ، حدثني عمي قال ، حدثني أبي عن أبيه ، عن ابن عباس قال : لما أطلق رسول اللّه - [ ص ] - أبا لبابة وصاحبيه ، انطلق أبو لبابة وصاحباه بأموالهم ، فأتوا بها رسول اللّه - [ ص ] - فقالوا : خذ من أموالنا فتصدق بها عنا وصل علينا . . يقولون : استغفر لنا . . وطهرنا . فقال رسول اللّه - [ ص ] - لا آخذ منها شيئاً حتى أومر . فأنزل اللّه : ( خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها ، وصل عليهم إن صلاتك سكن لهم ) . يقول : استغفر لهم من ذنوبهم التي كانوا أصابوا . فلما نزلت الآية أخذ رسول اللّه - [ ص ] - جزءا من أموالهم ، فتصدق به عنهم " .
وهكذا من اللّه عليهم لما علمه سبحانه من حسن سريرتهم ، وصدق توبتهم ، فأمر رسوله - [ ص ] - أن يأخذ بعض أموالهم يتصدق بها عنهم ، وأن يصلي عليهم - أي يدعو لهم ، فالأصل في الصلاة الدعاء - ذلك أن أخذ الصدقة منهم يرد إليهم شعورهم بعضويتهم الكاملة في الجماعة المسلمة ، فهم يشاركون في واجباتها ، وينهضون بأعبائها ، وهم لم ينبذوا منها ولم ينبتوا عنها ؛ وفي تطوعهم بهذه الصدقات تطهير لهم وتزكية ، وفي دعاء الرسول - [ ص ] - لهم طمأنينة وسكن .
يسمع الدعاء ، ويعلم ما في القلوب . ويقضي بما يسمعه ويعلمه قضاء السميع العليم . وهو وحده الذي يقضي في شأن العباد ، فيقبل منهم توبتهم ويأخذ منهم صدقاتهم ، ورسول اللّه - [ ص ] - ينفذ ما يأمره به ربه ، ولا ينشئ شيئاً من هذا من عنده .
أمر الله تعالى رسوله صلى الله عليه وسلم بأن يأخُذَ من أموالهم صدقَة يطهرهم ويزكيهم بها ، وهذا عام وإن أعاد بعضهم الضمير في " أموالهم " إلى الذين اعترفوا بذنوبهم وخلطوا عملا صالحًا وآخر سيئا ؛ ولهذا اعتقد بعض مانعي الزكاة من أحياء العرب أن دفع الزكاة إلى الإمام لا يكون ، وإنما كان هذا خاصًا برسول الله{[13814]} صلى الله عليه وسلم ؛ ولهذا احتجوا بقوله تعالى : { خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ } وقد رَدَّ عليهم هذا التأويل والفهم الفاسد الصديق أبو بكر وسائر الصحابة ، وقاتلوهم حتى أدوا الزكاة إلى الخليفة ، كما كانوا يُؤدونها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، حتى قال الصديق : والله لو منعوني عِقالا - وفي رواية : عَناقًا - يُؤدُّونه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لأقاتلنهم على منعه{[13815]} . وقوله : { وَصَلِّ عَلَيْهِمْ } أي : ادع لهم واستغفر لهم ، كما رواه مسلم في صحيحه ، عن عبد الله بن أبي أوفى قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أُتِيَ بصدقة قوم صَلَّى عليهم ، فأتاه أبي بصدقته فقال : " اللهم صَل على آل أبي أوفى " {[13816]} وفي الحديث الآخر : أن امرأة قالت : يا رسول الله ، صلّ عليَّ وعلى زوجي . فقال : " صلى الله عليك ، وعلى زوجك " {[13817]} .
وقوله : { إنّ صَلاتك } : قرأ بعضهم : " صلواتك " على الجمع ، وآخرون قرءوا : { إِنَّ صَلاتَكَ } على الإفراد .
{ سَكَنٌ لَهُمْ } قال ابن عباس : رحمة لهم . وقال قتادة : وقار .
وقوله : { وَاللَّهُ سَمِيعٌ } أي : لدعائك { عَلِيمٌ } أي : بمن يستحق ذلك منك ومن هو أهل له .
قال الإمام أحمد : حدثنا وَكِيع ، حدثنا أبو العُمَيْس ، عن أبي بكر بن عمرو بن عتبة ، عن ابن لحذيفة ، عن أبيه ؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا دعا لرجل أصابته ، وأصابت ولده ، وولد ولده{[13818]} .
ثم رواه عن أبي نُعَيم ، عن مِسْعَر ، عن أبي بكر بن عمرو بن عتبة ، عن ابن لحذيفة - قال مسعر :
وقد ذكره مرة عن حذيفة - : إن صلاة النبي صلى الله عليه وسلم لتُدرك الرجل وولده وولد ولده{[13819]} .
وقوله { خذ من أموالهم صدقة } الآية ، روي أن أبا لبابة والجماعة التائبة التي ربطت أنفسها وهي المقصودة بقوله { خلطوا عملاً صالحاً وآخر سيئاً } جاءت رسول الله صلى الله عليه وسلم لما تيب عليها فقالت يا رسول الله إنَّا نريد أن نتصدق بأموالنا زيادة في توبتنا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إني لا أعرض لأموالكم إلا بأمر من الله فتركهم حتى نزلت هذه الآية فهم المراد بها ، فروي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ ثلث أموالهم مراعاة لقوله تعالى : { من أموالهم } ، فهذا هو الذي تظاهرت به أقوال المتأولين ، ابن عباس رضي الله عنه وغيره ، وقالت جماعة من الفقهاء : المراد بهذه الزكاة المفروضة ، فقوله على هذا { خذ من أموالهم } ضميره لجميع الناس ، وهو عموم يراد به الخصوص إذ يخرج من الأموال الأنواع التي لا زكاة فيها كالثياب والرباع ونحوه ، والضمير الذي في { أموالهم } أيضاً كذلك عموم يراد به خصوص ، إذ يخرج منه العبيد وسواهم ، وقوله { صدقة } مجمل يحتاج إلى تفسير{[5872]} ، وهذا يقتضي أن الإمام يتولى أخذ الصدقات وينظر فيها ، و { من } في هذه الآية للتبعيض ، هذا أقوى وجوهها ، وقوله { تطهرهم وتزكيهم بها } أحسن ما يحتمل أن تكون هذه الأفعال مسندة إلى ضمير النبي صلى الله عليه وسلم ، ويحتمل أن تكون في موضع الحال من الضمير في { خذ } ، ويحتمل أن تكون من صفة «الصدقة » وهذا مترجح بحسب رفع الفعل ويكون قوله { بها } أي بنفسها أي يقع تطهيرهم من ذنوبهم بها ، ويحتمل أن يكون حالاً من «الصدقة » ، وذلك ضعيف لأنها حال من نكرة ، وحكى مكي أن يكون { تطهرهم } من صفة الصدقة ، وقوله { وتزكيهم بها } حالاً من الضمير في { خذ } .
قال القاضي أبو محمد : وهذا مردود لمكان واو العطف لأن ذلك يتقدر :«خذ من أموالهم صدقة مطهرة ومزكياً بها » وهذا فاسد المعنى ، ولو لم يكن في الكلام واو العطف جاز{[5873]} ، وقرأ الحسن بن أبي الحسن «تطْهرهم » بسكون الطاء ، وقوله { وصل عليهم } معناه ادع فهم فإن في دعائك لهم سكوناً لأنفسهم وطمأنينة ووقاراً ، فهذه عبارة عن صلاح المعتقد ، وحكى مكي{[5874]} والنحاس{[5875]} وغيرهما أنه قيل إن هذه الآية منسوخة بقوله { ولا تصلِّ على أحد منهم مات أبداً } [ التوبة : 84 ] .
قال القاضي أبو محمد : وهذا وهم بعيد وذلك أن تلك في المنافقين الذين لهم حكم الكافرين ، وهذه في التائبين من التخلف الذين لهم حكم المؤمنين فلا تناسخ بين الآيتين ، وقرأ ابن كثير وأبو عمرو وعاصم ونافع وابن عامر «إن صلواتك » بالجمع ، وكذلك في هود وفي المؤمنين{[5876]} وقرأ حفص عن عاصم وحمزة والكسائي «ان صلاتك » بالإفراد ، وكذلك قرأ حمزة والكسائي في ( هود ) وفي ( المؤمنين ) ، وقرأ عاصم في المؤمنين وحدها جمعاً ، ولم يختلفوا في سورة الأنعام وسأل سائل{[5877]} ، وهو مصدر أفردته فرقو وجمعته فرقة ، وقوله { سميع } لدعائك { عليم } أي بمن يهدي ويتوب عليه وغير ذلك مما تقتضيه هاتان الصفتان وروي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما نزلت هذه الآية فعل ما أمر به من الدعاء والاستغفار لهم ، قال ابن عباس { سكن لهم } رحمه لهم ، وقال قتادة { سكن لهم } أي وقار لهم . قال القاضي أبو محمد : وإنما معناه أن من يدعو له النبي صلى الله عليه وسلم فإنه تطيب نفسه ويقوى رجاؤه ، ويروى أنه قد صحت وسيلته إلى الله تعالى وهذا بين .
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
{خذ من أموالهم صدقة تطهرهم} من تخلفهم، {وتزكيهم} يعني وتصلحهم {بها وصل عليهم} يعني واستغفر لهم، {إن صلواتك سكن لهم} يعني إن استغفارك لهم سكن لقلوبهم وطمأنينة لهم، {والله سميع} لقولهم: خذ أموالنا فتصدق بها، {عليم} بما قالوا...
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: يا محمد خذ من أموال هؤلاء الذين اعترفوا بذنوبهم فتابوا منها "صدقة تطهرهم "من دنس ذنوبهم "وتُزَكّيهمْ بِها" يقول: وتنميهم وترفعهم عن خسيس منازل أهل النفاق بها، إلى منازل أهل الإخلاص. "وَصَلّ عَلَيْهِمْ" يقول: وادع لهم بالمغفرة لذنوبهم واستغفر لهم منها. "إنّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ" يقول: إن دعاءك واستغفارك طمأنينة لهم بأن الله قد عفا عنهم وقبل توبتهم. "وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ" يقول: والله سميع لدعائك إذا دعوت لهم ولغير ذلك من كلام خلقه، عليم بما تطلب بهم بدعائك ربك لهم وبغير ذلك من أمور عباده.
... عن ابن عباس، قال: جاءوا بأموالهم يعني أبا لبابة وأصحابه حين أطلقوا فقالوا: يا رسول الله هذه أموالنا فتصدّق بها عنا واستغفر لنا قال: «ما أُمِرْتُ أن آخُذَ مِنْ أمْوَالِكُمْ شَيْئا». فأنزل الله: "خُذْ مِنْ أمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهّرُهُمْ وَتُزَكّيهِمْ بِها" يعني بالزكاة: طاعة الله والإخلاص. "وَصَلّ عَلَيْهِمْ" يقول: استغفر لهم...
واختلف أهل التأويل في تأويل قوله: "إنّ صَلاَتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ"؛
وقال آخرون: بل معناه: إن صلاتك وقار لهم...
تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :
وقوله تعالى: (خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا) اختلف في هذه الصدقة التي أمر الله تعالى رسوله بأخذها من أموالهم: قال بعضهم: هي صدقة فريضة. ثم اختلف فيها: أية فريضة هي؟ فقال بعضهم: فريضة زكاة الأموال، وقال بعضهم: هي فريضة كفارة المأثم؛ وذلك أن أولئك الذين تخلفوا عن رسول الله عن غزوة تبوك ندموا على تخلفهم، فلما رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم جاؤوا بأموالهم، فقالوا له: تصدق بأموالنا عنا فإن أموالنا هي التي خلفتنا عنك، فأمر الله رسوله أن يأخذ منهم ذلك، ويتصدق بها كفارة لما ارتكبوا... ومنهم من قال: الصدقة التي أمر الله رسوله أن يأخذها من أموالهم هي صدقة تطوع وتبرع... وقوله تعالى: (تطهرهم وتزكيهم بها) إن كانت صدقة الزكاة فهي تطهر آثامهم التي لحقتهم بذلك (وتزكيهم) قيل وتصلحهم، وهو ظاهر، وإن كانت صدقة تطوع فهي مما يطهر أيضا، ويزكيهم لما ينفي عنهم البخل، ويؤدي إلى الجود والكرم، ألا ترى أنه مدح من أعطى، وذم من بخل، ومنع بقوله: (فأما من أعطى) الآية [الليل: 5] (وأما من بخل) الآية؟ [الليل: 8].
وقوله تعالى: (وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ) قال بعضهم: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أتى أحد بصدقة دعا له، واستغفر، وكان لا يستغفر لأهل النفاق، وكانت قلوبهم تسكن، وتطمئن باستغفار النبي لما علموا بذلك أنهم ليسوا من أهل النفاق، وهذا يحتمل. ويحتمل وجها آخر، وهو أن الله أمر رسوله أن يستغفر لهم، ويصلي عليهم، ثم لا يحتمل أن يأمره بذلك، فلا يفعل، أو يفعل، فلا يجيبه، فكانت قلوبهم تسكن وتطمئن باستغفار النبي لهم لما قبلت توبتهم، وكفرت سيئاتهم، والله أعلم.
ظاهره رجوع الكناية إلى المذكورين قبله وهم الذين اعترفوا بذنوبهم؛ لأن الكناية لا تستغني عن مظهر مذكور قد تقدم ذكره في الخطاب، فهذا هو ظاهر الكلام ومقتضى اللفظ. وجائز أن يريد به جميع المؤمنين وتكون الكناية عنهم جميعاً لدلالة الحال عليه..
وقوله تعالى: {تُطَهِّرُهُمْ} يعني إزالة نجس الذنوب بما يعطي من الصدقة؛ وذلك لأنه لما أطلق اسم النجس على الكفر تشبيهاً له بنجاسة الأعيان، أطلق في مقابلته وإزالته اسم التطهير كتطهير نجاسة الأعيان بإزالتها، وكذلك حكم الذنوب في إطلاق اسم النجس عليها، وأطلق اسم التطهير على إزالتها بفعل ما يوجب تكفيرها...
وقد اختلف في مراد الآية هل هي الزكاة المفروضة أو هي كفارة من الذنوب التي أصابوها...والصحيح أنها الزكوات المفروضات إذْ لم يثبت أن هؤلاء القوم أوجب الله عليهم صدقة دون سائر الناس سوى زكوات الأموال...
ولأن الزكاة المفروضة أيضاً تطهر وتزكي مؤديها، وسائرُ الناس من المكلَّفين محتاجون إلى ما يطهرهم ويزكيهم.
وقوله: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ} عموم في سائر أصناف الأموال ومُقْتَضٍ لأخْذِ البعض منها، إذ كانت من مقتضى التبعيض وقد دخلت على عموم الأموال فاقتضت إيجاب الأخذ من سائر أصناف الأموال بعضها... {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً} فكان الإجمال في لفظ الصدقة دون لفظ الأموال لأن الأموال اسم عموم في مسمياته، إلا أنه قد ثبت أن المراد خاصٌّ في بعض الأموال دون جميعها والوجوب في وقت من الزمان دون سائره...
النكت و العيون للماوردي 450 هـ :
{إِنَّ صَلاَتَكَ سَكَنٌ لهُمْ} فيه خمسة تأويلات:...الخامس: أمن لهم...
جهود ابن عبد البر في التفسير 463 هـ :
- الصدقة: الزكاة المعروفة- وهي الصدقة المفروضة، سماها الله صدقة وسماها زكاة، قال: {خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها}، وقال: {إنما الصدقات للفقراء والمساكين} -الآية، يعني الزكوات، وقال: {وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة}، وقال: {الذين لا يؤتون الزكاة} فهي الصدقة وهي الزكاة، وهذا ما لا تنازع فيه ولا اختلاف. (ت: 20/137. وكذا في س: 9/14)...
الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :
والتزكية: مبالغة في التطهير وزيادة فيه، أو بمعنى الإنماء والبركة في المال. {وَصَلّ عَلَيْهِمْ}: واعطف عليهم بالدعاء لهم وترحم، والسنّة أن يدعو المصدق لصاحب الصدقة إذا أخذها، وعن الشافعي رحمه الله: أحب أن يقول الوالي عند أخذ الصدقة: أجرك الله فيما أعطيت، وجعله طهوراً، وبارك لك فيما أبقيت...
أحكام القرآن لابن العربي 543 هـ :
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: قَوْله تَعَالَى {خُذْ}:
هُوَ خِطَابٌ لِلنَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَيَقْتَضِي بِظَاهِرِهِ اقْتِصَارَهُ عَلَيْهِ، فَلَا يَأْخُذُ الصَّدَقَةَ سِوَاهُ، وَيَلْزَمُ عَلَى هَذَا سُقُوطُهَا بِسُقُوطِهِ، وَزَوَالُ تَكْلِيفِهَا بِمَوْتِهِ، وَبِهَذَا تَعَلَّقَ مَانِعُو الزَّكَاةِ عَلَى أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ، وَقَالُوا عَلَيْهِ: إنَّهُ كَانَ يُعْطِينَا عِوَضًا عَنْهَا التَّطْهِيرَ، وَالتَّزْكِيَةَ لَنَا، وَالصَّلَاةَ عَلَيْنَا، وَقَدْ عَدِمْنَاهَا من غَيْرِهِ...
وَهَذَا صِنْفٌ مِنَ الْقَائِمِينَ عَلَى أَبِي بَكْرٍ أَمْثَلُهُمْ طَرِيقَةً، وَغَيْرُهُمْ كَفَرَ بِاَللَّهِ من غَيْرِ تَأْوِيلٍ، وَأَنْكَرَ النُّبُوَّةَ، وَسَاعَدَ مُسَيْلِمَةَ، وَأَنْكَرَ وُجُوبَ الصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ...
فَأَمَّا قَوْلُهُمْ: إنَّ هَذَا خِطَابٌ لِلنَّبِيِّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -فَلَا يَلْتَحِقُ غَيْرُهُ فِيهِ بِهِ، فَهَذَا كَلَامُ جَاهِلٍ بِالْقُرْآنِ غَافِلٍ عَنْ مَأْخَذِ الشَّرِيعَةِ، مُتَلَاعِبٍ بِالدِّينِ، مُتَهَافَتٍ فِي النَّظَرِ؛ فَإِنَّ الْخِطَابَ فِي الْقُرْآنِ لَمْ يُرِدْ بَابًا وَاحِدًا، وَلَكِنْ اخْتَلَفَتْ مَوَارِدُهُ عَلَى وُجُوهٍ مِنْهَا فِي غَرَضِنَا هَذِهِ ثَلَاثَةٌ:
الْأَوَّلُ: خِطَابٌ تَوَجَّهَ إلَى جَمِيعِ الْأُمَّةِ، كَقَوْلِ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إذَا قُمْتُمْ إلَى الصَّلَاةِ} وَكَقَوْلِهِ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمْ الصِّيَامُ} وَنَحْوِهِ.
الثَّانِي: خِطَابٌ خُصَّ بِهِ النَّبِيُّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -كَقَوْلِهِ: {وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَك}. وَكَقَوْلِهِ فِي آيَةِ الْأَحْزَابِ: {خَالِصَةً لَك من دُونِ الْمُؤْمِنِينَ}؛ فَهَذَانِ مِمَّا أُفْرِدَ النَّبِيُّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -بِهِمَا، وَلَا يُشْرِكُهُ فِيهِمَا أَحَدٌ لَفْظًا وَمَعْنًى، لِمَا وَقَعَ الْقَوْلُ بِهِ كَذَلِكَ.
الثَّالِثُ: خِطَابٌ خُصَّ بِهِ النَّبِيُّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -قَوْلًا وَيُشْرِكُهُ فِيهِ جَمِيعُ الْأُمَّةِ مَعْنَى وَفِعْلَا، كَقَوْلِهِ: {أَقِمْ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ}. وَكَقَوْلِهِ: {فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاَللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ} وَكَقَوْلِهِ: {وَإِذَا كُنْت فِيهِمْ فَأَقَمْت لَهُمْ الصَّلَاةَ...}.
فَكُلُّ مَنْ دَلَكَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ مُخَاطَبٌ بِالصَّلَاةِ، وَكَذَلِكَ كُلُّ مَنْ قَرَأَ الْقُرْآنَ مُخَاطَبٌ بِالِاسْتِعَاذَةِ، وَكَذَلِكَ كُلُّ مَنْ خَافَ يُقِيمُ الصَّلَاةَ بِتِلْكَ الصِّفَةِ.
وَمِنْ هَذَا الْقَبِيلِ قَوْلُهُ: {خُذْ من أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا}؛ فَإِنَّهُ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -الْآمِرُ بِهَا، وَالدَّاعِي إلَيْهَا، وَهُمْ الْمُعْطُونَ لَهَا، وَعَلَى هَذَا الْمَعْنَى جَاءَ قَوْلُهُ: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ} وَ {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إذَا طَلَّقْتُمْ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ}.
وَقَدْ قِيلَ لَهُ: {فَإِنْ كُنْت فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنَا إلَيْك فَاسْأَلْ الَّذِينَ يَقْرَؤونَ الْكِتَابَ من قَبْلِك}. وَمَا كَانَ لِيَشُكَّ، وَلَكِنَّ الْمُرَادَ مَنْ شَكَّ مِنَ النَّاسِ مِمَّنْ كَانَ مَعَهُ فِي وَقْتِهِ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: قَوْلُهُ: {تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ}:
الْأَصْلُ فِي فِعْلِ كُلِّ إمَامٍ يَأْخُذُ الصَّدَقَةَ أَنْ يَدْعُوَ لِلْمُتَصَدِّقِ بِالْبَرَكَةِ؛ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ عَنْ ابْنِ أَبِي أَوْفَى (أَنَّ النَّبِيَّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -كَانَ إذَا أَتَاهُ رَجُلًا بِصَدَقَتِهِ قَالَ: اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى آلِ فُلَانٍ فَجَاءَهُ ابْنُ أَبِي أَوْفَى بِصَدَقَتِهِ، فَأَخَذَهَا مِنْهُ، ثُمَّ قَالَ: اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى آلِ أَبِي أَوْفَى).
وَأَمَّا قَوْلُهُ: {تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا} فَإِنَّهُ من صِفَةِ الصَّدَقَةِ، وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ: تُزَكِّيهِمْ، يَعْنِي أَنَّ الصَّدَقَةَ تَكُونُ سَبَبًا فِي طَهَارَتِهِمْ وَتَنْمِيَتِهِمْ.
وَأَهْلُ الصِّنَاعَةِ يَرَوْنَ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ خِطَابًا لِلنَّبِيِّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -حَتَّى بَالَغُوا فَقَالُوا: إنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يُقْرَأَ تُطَهِّرْهُمْ بِجَزْمِ الرَّاءِ، لِيَكُونَ جَوَابَ الْأَمْرِ، وَاَلَّذِي نَرَاهُ أَنَّ كَوْنَهُ صِفَةً أَبْلُغُ فِي نَعْتِ الصَّدَقَةِ، وَأَقْطَعُ لِشَغَبِ الْمُخَالِفِ، وَأَبْعَدُ مِنَ الْمَجَازِ بِمَنْزِلَةٍ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: قَوْلُهُ: {إنَّ صَلَاتَك سَكَنٌ لَهُمْ}:
يَعْنِي: دُعَاءَك. وَقَدْ تَكُونُ الصَّلَاةُ بِمَعْنَى الدُّعَاءِ فِي الْأَظْهَرِ من مَعَانِيهَا؛ ...
الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ: اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي هَذِهِ الصَّدَقَةِ الْمَأْمُورِ بِهَا؛ فَقِيلَ: هِيَ الْفَرْضُ، أَمَرَ اللَّهُ بِهَا هَاهُنَا أَمْرًا مُجْمَلًا لَمْ يُبَيِّنْ فِيهَا الْمِقْدَارَ، وَلَا الْمَحَلَّ، وَلَا النِّصَابَ، وَلَا الْحَوْلَ؛ وَبَيَّنَ فِي سُورَةِ الْأَنْعَامِ الْمَحَلَّ وَحْدَهُ، وَوَكَّلَ بَيَانَ سَائِرِ ذَلِكَ إلَى النَّبِيِّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -وَرَتَّبَ الشَّرِيعَةَ بِالْحِكْمَةِ فِي الْعِبَادَاتِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَنْحَاءٍ؛ مِنْهَا مَا يَجِبُ مَرَّةً فِي الْعُمْرِ كَالْحَجِّ، وَمِنْهَا مَا يَجِبُ مَرَّةً فِي الْحَوْلِ كَالزَّكَاةِ، وَمِنْهَا مَا يَجِبُ كُلَّ يَوْمٍ كَالصَّلَاةِ.
وَقِيلَ: الْمُرَادُ بِهَا التَّطَوُّعُ.
قِيلَ: نَزَلَتْ فِي قَوْمٍ تِيبَ عَلَيْهِمْ فَرَأَوْا أَنَّ من تَوْبَتِهِمْ أَنْ يَتَصَدَّقُوا؛ فَأَمَرَ النَّبِيُّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -فِي هَذِهِ الْآيَةِ بِهَذِهِ الْأَوَامِرِ.
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: (أَتَى أَبُو لُبَابَةَ وَأَصْحَابُهُ حِينَ أُطْلِقُوا، وَتِيبَ عَلَيْهِمْ بِأَمْوَالِهِمْ إلَى النَّبِيِّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَذِهِ أَمْوَالُنَا فَتَصَدَّقْ بِهَا عَنَّا، وَاسْتَغْفِرْ لَنَا. فَقَالَ: مَا أُمِرْت أَنْ آخُذَ من أَمْوَالِكُمْ شَيْئًا، فَأَنْزَلَ اللَّهُ: {خُذْ من أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً}، وَكَانَ ذَلِكَ مَرْجِعَهُ من غَزْوَةِ تَبُوكَ. وَأَبُو لُبَابَةَ مِمَّنْ فَرَّطَ فِي قُرَيْظَةَ، وَفِي تَخَلُّفِهِ عَنْ غَزْوَةِ تَبُوكَ، وَحِينَ تِيبَ عَلَيْهِ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إنَّ من تَوْبَتِي أَنْ أَتَصَدَّقَ بِمَالِي، وَأَهْجُرَ دَارَ قَوْمِي الَّتِي أَصَبْت فِيهَا الذَّنْبَ.
(فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: يَجْزِيك الثُّلُثُ).
وَكَذَلِكَ (قَالَ كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ: يَا رَسُولَ اللَّهِ؛ إنَّ من تَوْبَتِي أَنْ أَنْخَلِعَ من مَالِي صَدَقَةً إلَى اللَّهِ وَإِلَى رَسُولِهِ. قَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أَمْسِكْ بَعْضَ مَالِك، فَهُوَ خَيْرٌ لَك). قَالَ: فَإِنِّي أَمْسِكُ سَهْمِي الَّذِي بِخَيْبَرَ، وَلَا نَعْلَمُ هَلْ هُوَ بِقَدْرِ ثُلُثِ مَالِهِ أَوْ أَكْثَرَ من ذَلِكَ أَوْ أَقَلَّ.
قَالَ الْفَقِيهُ الْإِمَامُ: وَهَذِهِ الْأَقْوَالُ الثَّلَاثَةُ فِي مَعْنَى الصَّدَقَةِ مُحْتَمَلَةٌ. وَالْأَظْهَرُ أَنَّهَا صَدَقَةُ الْفَرْضِ؛ لِأَنَّ التَّعَلُّقَ لَا يَكُونُ إلَّا بِدَلِيلٍ يُبَيِّنُ أَنَّ هَذَا مُرْتَبِطٌ بِمَا قَبْلَهُ مُتَعَلِّقٌ بِهِ مَا بَعْدَهُ...
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
لما كان من شأن الرضوان قبول القربان، أمره صلى الله عليه وسلم تطهيراً لهم وتطييباً لقلوبهم بقوله: {خذ} ورحمهم بالتبعيض فقال: {من أموالهم صدقة} أي تطيب أنفسهم بإخراجها {تطهرهم} أي هي من ذنوبهم وتجري بهم مجرى الكفارة {وتزكيهم} أي أنت تزيدهم وتنميهم {بها} بتكثير حسناتهم...
تفسير المنار لرشيد رضا 1354 هـ :
{خذ من أموالهم صدقة} أي خذ أيها الرسول من أموال من ذكر، ومن سائر أموال المؤمنين على اختلاف أنواعها، ومنها مال التجارة صدقة معينة -كالزكاة المفروضة- أو غير معينة -وهي التطوع فالصدقة ما ينفقه المؤمن قربة لله كما تقدم في نفقة مؤمني الأعراب.
{تُطَهِّرُهُمْ وتُزَكِّيهِم بِهَا} أي تطهرهم بها من دنس البخل والطمع والدناءة والقسوة على الفقراء البائسين وما يتصل بذلك من الرذائل، وتزكي أنفسهم بها أي تنميها وترفعها بالخيرات والبركات الخلقية والعملية، حتى تكون بها أهلا للسعادة الدنيوية والأخروية. فالمطهر هنا الرسول والمطهر به الصدقة. والتزكية صيغة مبالغة من الزكاة وهو نماء الزرع ونحوه، قال في مجاز الأساس: رجل زكي: زائد الخير والفضل بيّن الزكاء والزكاة (وحنانا من لدنا وزكاة) اه.
والتزكية للأنفس بالفعل تسند إلى الله تعالى، لأنه هو الخالق المقدر الموفق للعبد لفعل ما تزكو به نفسه وتصلح، قال تعالى: {ولَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ ورَحْمَته ما زكا منكم من أحد أبدا ولكن الله يزكي من يشاء} [النور: 20]، وتسند إلى الرسول صلى الله عليه وسلم لأنه هو المربي للمؤمنين على ما تزكو به أنفسهم ويعلو قدرها بسنته العلمية والقولية في بيان كتاب الله، وما لهم فيه من الأسوة الحسنة، ومنه هذه الآية، وقال تعالى: {هُو الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ ويُزَكِّيهِمْ ويُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ والْحِكْمَةَ} [الجمعة: 2]، فتزكيته صلى الله عليه وسلم للأمة من مقاصد البعثة وتسند إلى العبد لكونه هو الفاعل لما جعله الله سببا لطهارة نفسه وزكائها كالصدقات وغيرها من أعمل البر، ومنه قوله تعالى: {قد أفلح من زكاها * وقد خاب من دساها} [الشمس: 9، 10]، وقوله: {قد أفلح من تزكى* وذكر اسم ربه فصلى} [الأعلى: 14، 15]، وأما قوله تعالى: {ألم تر إلى الذين يزكون أنفسهم بل الله يزكي من يشاء} [النساء: 48]، وقوله: {فلا تزكوا أنفسكم هو أعلم بمن اتقى} [الطور: 32]، فهو في زكاة النفس بدعوى اللسان، فالتزكية تطلق على الفعل المزكي وهو الأصل،وعلى القول الدال عليه ومنه تزكية الشهود.
{وصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاَتَكَ سَكَنٌ لَّهُمْ}... والصلاة: اسم من صلى يصلي تصلية... ومعناها الأصلي: الدعاء، وهو المراد من الآية. وسميت العبادة الإسلامية المخصوصة صلاة من تسمية الشيء بأهم أجزائه، فإن الدعاء مخ العبادة وروحها، وقيل في التعليل غير ذلك. والصلاة من الله على عباده الرحمة والحنان، ومن ملائكته الدعاء والاستغفار، قال تعالى: {هُو الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ ومَلَائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا} [الأحزاب: 43]، ثم قال: {إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما} [الأحزاب: 55]، وصلاتنا على نبينا صلى الله عليه وسلم دعاؤنا له بما أمرنا به في الصلاة بعد التشهد الأخير وما في معناه، كقولنا في دعاء الأذان المأثور "اللهم رب هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة آت محمدا الوسيلة والفضيلة وابعثه مقاما محمودا الذي وعدته"، رواه الجماعة إلا مسلما. والسكن ما تسكن إليه النفس وترتاح من أهل ومال ومتاع ودعاء وثناء.
والمعنى ادع أيها الرسول للمتصدقين واستغفر لهم عاطفا عليهم إن دعاءك واستغفارك سكن لهم يذهب به اضطراب أنفسهم إذا أذنبوا، وتطمئن قلوبهم بأن تقبل توبتهم إذا تابوا، ويرتاحون إلى قبول الله صدقاتهم بأخذك لها، ووضعك إياها في مواضعها.
{واللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} أي سميع لدعائك سماع قبول وإجابة، عليم بما فيه من الخير والمصلحة، فالمراد من السماع والعلم لازمهما. وسميع لاعترافهم بذنوبهم، عليم بندمهم وتوبتهم منها، وبإخلاصهم في صدقتهم وطيب أنفسهم بها، فهو الذي يثيبهم عليها.
فجملة (إن صلاتك) تعليل للأمر بالدعاء، وتذييلها بالتذكير بسمع الله وعلمه إشعار بقبول الدعاء وقبول الطاعات والجزاء عليها، وتصرح به الآية التالية.
روى الشيخان من حديث عبد الله بن أبي أوفى قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أتاه قوم بصدقتهم قال: "اللهم صل على فلان"، فأتاه أبي بصدقته فقال: "اللهم صل على آل أبي أوفى"، فقوله: بصدقته، صريح في أن المراد بها زكاة الفريضة. وهو يدل على أن المراد بالآية صدقة الفريضة أو ما يعم الفريضة وغيره، وعلى أنه صلى الله عليه وسلم كان مواظبا على هذا الدعاء، ولذلك قيل: إن الأمر في الآية للوجوب وهو خاص به صلى الله عليه وسلم، وقال بعض الظاهرية بوجوب الدعاء على آخذي الزكاة من الأئمة أيضا، والجمهور على أنه مستحب لهم. وقد بوب البخاري للحديث بقوله: (باب صلاة الإمام ودعائه لصاحب الصدقة)، وقوله تعالى: {خذ من أموالهم صدقة} إلى قوله {سكن لهم}. والجمهور على أن الدعاء بلفظ الصلاة خاص بدعائه صلى الله عليه وسلم لغيره وبدعاء المسلمين له، وقيد الأول بعض العلماء بما عدا هذا اللفظ الذي كان يدعو به للمتصدقين" اللهم صل على فلان "عند إعطاء الصدقة. وقد ثبت أنه صلى الله عليه وسلم كان يدعو بغيره أيضا، فقد روى النسائي من حديث وائل بن حجر أنه صلى الله عليه وسلم قال في رجل بعث بناقة حسنة في الزكاة:"اللهم بارك فيه وفي إبله"، وقال الشافعي: السنة للإمام إذا أخذ الصدقة أن يدعو للمتصدق، ويقول: آجرك الله فيما أعطيت، وبارك لك فيما أبقيت...
فصل في فوائد الزكاة المفروضة والصدقات
والإصلاح المالي للبشر، وامتياز الإسلام بذلك على جميع الأديان
ما ذكر الله تعالى من تطهير الصدقة للمؤمنين وتزكيتهم بها يشمل أفرادهم وجماعتهم فيه تطهر أنفس الأفراد من أرجاس البخل والدناءة والقسوة والأثرة والطمع والجشع، ومن أكل أموال الناس بالباطل من خيانة وسرقة وغصب وربا وغير ذلك، فإن الذي يتربى بالإيمان على بذل بعض ما في يده أو ما أودعه في خزانته وصندوقه في سبيل الله ابتغاء مرضاته ومغفرة ذنوبه ورفع درجاته جدير بأن ينزه نفسه عن أخذ مال غيره بغير حق. وهذا التطهير لأنفس الأفراد وتزكيتها بالعلم والعرفان، والتقوى التي هي مجموع ثمرات الإيمان، يستلزم تطهير جماعة المؤمنين (وما يعبر عنه في عرف هذا العصر بالهيئة الاجتماعية) من أرجاس الرذائل الاجتماعية التي هي مثار التحاسد والتعادي والبغي والعدوان والفتن والحروب.
ذلك بأن الأموال قوام حياة الناس وقطب الرحى لمعايشهم ومرافقهم العامة والخاصة، وهم متفاوتون في الاستعداد للكسب والتثمير، والإسراف والتقتير، والقصد والتدبير، والجحود والبخل، والتعاون على البر، فلا ينفك بعضهم محتاجا إلى بعض في كسب الرزق وفي إنفاقه، وأشدهم استعدادا لجمع الثروة الذين يغلب على طباعهم الحرص والبخل حتى على أنفسهم وأولي قرباهم، وبهذا يكون بعضهم فتنة أي امتحانا لبعض ومثارا للتنازع والتخاصم كما قال تعالى: {وجعلنا بعضكم لبعض فتنة أتصبرون}؟ [الفرقان: 20]، أي ذلك مقتضى سنته في تفاوت البشر في الاستعداد والأخلاق والأعمال. وقد بينا حكمة ذلك من قبل.
ولما كان الدين مرشدا للبشر إلى تزكية أنفسهم وتقويم أخلاقهم بما تصلح به فطرتهم، ويرتقي به أفرادهم وجماعتهم شرع الله فيه من الأحكام التعبدية والعملية ما يقيهم شر هذه الفتنة، وينقذهم مما يترتب على إهمالها من المحنة، فأوجب على أصحاب الأموال من النفقات والصدقات ما يبدل سيئات الثروة في الإسلام حسنات، وإننا لم نجد في كتب التفسير ولا كتب الفقه ولا دواوين التاريخ الإسلامي بيانا علميا لحكمة الشريعة في السياسة المالية وما انفردت به من الإصلاح المعقول فيها، وكنت عازما على شرح ذلك في تفسير هذه الآية فلما وصلت إليه وفكرت في أصول هذه المسألة وفروعها تبين لي أنه لا يمكن تفصيل القول فيها إلا بتأليف سفر مستقل، ورأيت أن أكتفي هنا بإيراد أهم الحقائق التي تشير إلى عظم شأن هذه المسألة وإصلاح الإسلام فيها فأقول:
إن اتساع دوائر العلوم والفنون والمصالح العامة في هذا العصر قد اضطر الباحثين إلى انفراد بعض الأفراد والجماعات للأخصاء في كل فرع من فروعها لتمحيص مسائلها والإحاطة بها بقدر الإمكان، حتى إن الرجال الماليين لا يستحقون هذا اللقب فيه (أي لقب المالي) إلا بعد إتقان عدة علوم منها، والتمرن بالعمل في بعض فروعها، وإننا نرى بعض الاجتماعيين منهم يجزمون بأن جميع الثورات والحروب السياسية والدينية ذات الشأن في تاريخ البشر قد كان المال سببها الصحيح، أو أحد الأسباب المؤثرة فيها أشد التأثير، ولم يستثنوا من ذلك حروب أوروبا الدينية ولا حروبها الصليبية للإسلام...
والحق أن الإسلام هو الدين الوسط، الجامع بين مصالح الروح والجسد، للسيادة في الدنيا والسعادة في الآخرة، فهو وسط بين اليهودية المالية الدنيوية والنصرانية الروحانية الزهدية، وإن من مقاصده الإصلاحية في الاجتماع البشري هداية الناس إلى العدل والفضل في أمر المال، ليكتفي الناس شر طغيان الأغنياء، وذلة الفقراء، ونصوص القرآن والسنة في هذا هي الغاية القصوى في الإصلاح...
وإنني أذكر هنا أهم أصول الإصلاح الإسلامي في المسألة المالية التي تبتدر فكري وتبدهه فأقول:
-إقرار الملكية الشخصية، وتحريم أكل أموال الناس بالباطل.
-منع جعل المال دولة بين الأغنياء، أي يتداولونه بينهم من دون الفقراء، ولم يكن هذا التداول في عصر من أعصار البشر كما في عصر النظام المالي المتبع في الحضارة الغربية، نظام البيوت المالية (المصارف) والشركات والاحتكارات التي يحاربها العمال، ويعادون لأجلها أرباب الأموال.
- الحجر على السفهاء في أموالهم حتى لا يضيعوها فيما يضرهم ويضر أمتهم.
-فرض الزكاة المطلقة في أول الإسلام... أعني أنه إذا وجد في مكان جماعة محصورون منهم الموسر والمعسر، وصاحب الثروة وذو الفقر المدقع، وجب أن يقوم أغنياؤهم بكفاية فقرائهم وجوبا دينيا إذا كانت الزكاة المعينة لا تكفيهم.
- جعل الزكاة المعينة ربع العشر في النقدين والتجارة، والعشر أو نصف العشر في الغلات الزراعية التي عليها مدار الأقوات. وزكاة الأنعام معروفة في كتب الحديث والفقه.
- إيجاب كفاية المضطر من كل جنس ودين، وضيافة الغريب حيث لا مأوى ولا فنادق للمسافرين، إلا إذا كان مهدور الدم أو محاربا للمسلمين.
-جعل بذل المال كفارة لبعض الذنوب (ومنها الظهار وإفساد صيام يوم من رمضان بشروطها المعروفة).
- ندب صدقات التطوع والترغيب فيها.
-ذم الإسراف والتبذير، والبخل والشح والتقتير، وعده من أسباب الهلكة وسوء المصير، أي للأفراد وللأمة والدولة.
- إباحة الزينة والطيبات من الرزق بشرط اجتناب الإسراف والخيلاء الموقعين في الأمراض والأدواء البدنية، المضيعين للثروة المالية، المثيرين للحسد والعداوة والمفاسد الاجتماعية، وهي من أعظم أسباب ترقي الثروة.
-مدح القصد والاعتدال، في النفقة على النفس والعيال.
- تفضيل الغني الشاكر على الفقير الصابر، بجعل اليد العليا خيرا من اليد السفلى، وأعمال البر المتعدي نفعها إلى الناس أفضل من الأعمال القاصر نفعها على فاعلها، وجعل الصدقة الجارية من المثوبات الدائمة الباقية.
أرأيت أمة من الأمم تقيم هذه الأركان ويوجد فيها فقر مدقع، أو غرم موجع، أو شقاء مفظع؟
ألم تر أن زكاة النقدين الواجبة وهي ربع العشر هي أوسط ربح تدفعه المصارف المالية لمودعي نقودهم فيها للاستغلال، وقد يقل عن ذلك؟
قدِّر الثروة القومية في النقد والتجارة للشعب المصري، وانظر مقدار ربع عشرها الواجب دفعه في كل عام لفقرائها ومصالحها، وارجع البصر إلى سائر أنواع الزكاة ومقاديرها، تعرف قدر سعادته إذا وضعها في مواضعها، وتعلم صدق ما قلناه في تفسير آية مصارف الصدقات، من أن أداء الزكاة وحده كاف لإعادة مجد الإسلام الذي أضاعه المسلمون.
اقرأ {وأَنفِقُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ولاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} [البقرة: 195] واقرأ {ومَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [الحشر: 9] وتدبر جد التدبر {هَا أَنتُمْ هَؤُلَاء تُدْعَوْنَ لِتُنفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَمِنكُم مَّن يَبْخَلُ ومَن يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَن نَّفْسِهِ واللَّهُ الْغَنِيُّ وأَنتُمُ الْفُقَرَاء وإِن تَتَولَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ} [محمد: 38].
وقد جاء في الكتاب والسنة من الترغيب في بذل المال في سبل البر، وجعله من أكبر آيات الإيمان، وموجبات الثواب والرضوان، وتبويء غرف الجنان، وتسميته إقراضا للرحمن، ما لم يجيء مثله في أي عمل من أعمال البر والإحسان، وتجد أكثر الشواهد على ذلك في سورة البقرة، ثم في هذه السورة (براءة) ما تقدم تفسيره منها وما تأخر.
في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :
ولقد كانت تلك الحساسية التي بعثت الندم والتوبة في تلك القلوب، جديرة بالطمأنينة، حقيقة بالعطف الذي يسكب فيها الأمل، ويفتح لها أبواب الرجاء.. وإن كان رسول اللّه -[صلى الله عليه وسلم]- وهو يقود حركة، ويربي أمة، وينشئ نظاماً، قد رأى الأخذ بالحزم في أمرهم حتى يأتيه أمر من ربه في شأنهم.
...وهكذا من اللّه عليهم لما علمه سبحانه من حسن سريرتهم، وصدق توبتهم، فأمر رسوله -[صلى الله عليه وسلم]- أن يأخذ بعض أموالهم يتصدق بها عنهم، وأن يصلي عليهم -أي يدعو لهم، فالأصل في الصلاة الدعاء- ذلك أن أخذ الصدقة منهم يرد إليهم شعورهم بعضويتهم الكاملة في الجماعة المسلمة، فهم يشاركون في واجباتها، وينهضون بأعبائها، وهم لم ينبذوا منها ولم ينبتوا عنها؛ وفي تطوعهم بهذه الصدقات تطهير لهم وتزكية، وفي دعاء الرسول -[صلى الله عليه وسلم]- لهم طمأنينة وسكن.
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
لما كان من شرط التوبة تدارك ما يمكن تداركه مما فات وكان التخلف عن الغزو مشتملاً على أمرين هما عدم المشاركة في الجهاد، وعدم إنفاق المال في الجهاد، جاء في هذه الآية إرشاد لطريق تداركهم ما يُمكن تَدَارُكه مما فات وهو نفع المسلمين بالمال، فالإنفاق العظيم على غزوة تُبوك استنفد المال المعد لنوائب المسلمين، فإذا أخذ من المخلفين شيء من المال انجبر به بعض الثلم الذي حلّ بمال المسلمين.
فهذا وجه مناسبة ذكر هذه الآية عقب التي قبلها. وقد روي أن الذين اعترفوا بذنوبهم قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم هذه أموالنا التي بسببها تخلفنا عنك خذها فتصدق بها وطهرنا واستغفر لنا، فقال لهم: لم أومر بأن آخذ من أموالكم. حتى نزلت هذه الآية فأخذ منهم النبي صلى الله عليه وسلم صدقاتهم، فالضمير عائد على آخرين اعترفوا بذنوبهم.
والتاء في {تطهّرهم} تحتمل أن تكون تاء الخطاب نظراً لقوله: {خذ}، وأن تكون تاء الغائبة عائدة إلى الصدقة. وأيّاماً كان فالآية دالة على أن الصدقة تطهر وتزكي.
والتزكية: جعل الشيء زكياً، أي كثير الخيرات. فقوله: {تطهرهم} إشارة إلى مقام التخلية عن السيئات. وقوله: {تزكيهم} إشارة إلى مقام التحلية بالفضائل والحسنات. ولا جرم أن التخلية مقدمة على التحلية. فالمعنى أن هذه الصدقة كفارة لذنوبهم ومجلبة للثواب العظيم.
والصلاة عليهم: الدعاء لهم. وتقدم آنفاً عند قوله تعالى: {وصلوات الرسول} [التوبة: 99]. وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم بعد نزول هذه الآية إذا جاءه أحد بصدقته يقول: اللهم صل على آل فلان. كما ورد في حديث عبد الله بن أبي أوفى يجمع النبي صلى الله عليه وسلم في دعائه في هذا الشأن بين معنى الصلاة وبين لفظها فكان يُسْأل من الله تعالى أن يصلي على المتصدِق. والصلاة من الله الرحمة، ومن النبي الدعاء.
وجملة: {إن صلواتك سكن لهم} تعليل للأمر بالصلاة عليهم بأن دعاءه سكن لهم، أي سبب سَكَن لهم، أي خير. فإطلاق السكن على هذا الدعاء مجاز مرسل.
والسكن: بفتحتين ما يُسكَن إليه، أي يُطمأن إليه ويُرتاح به. وهو مشتق من السكون بالمعنى المجازي، وهو سكون النفس، أي سلامتها من الخوف ونحوه، لأن الخوف يوجب كثرة الحذر واضطراب الرأي فتكون النفس كأنها غير مستقرة، ولذلك سمي ذلك قلقاً لأن القلق كثرة التحرك. وقال تعالى: {وجاعل الليل سكناً} [الأنعام: 96] وقال: {والله جعل لكم من بيوتكم سكَناً} [النحل: 80]، ومن أسماء الزوجة السكن، أو لأن دعاءه لهم يزيد نفوسهم صلاحاً وسكوناً إلى الصالحات لأن المعصية تردد واضطراب، كما قال تعالى: {فهم في ريبهم يترددون} [التوبة: 45]، والطاعة اطمئنان ويقين، كما قال تعالى: {ألا بذكر الله تطمئن القلوب} [الرعد: 28].
وجملة: {والله سميع عليم} تذييل مناسب للأمر بالدعاء لهم. والمراد بالسميع هنا المجيب للدعاء. وذكره للإشارة إلى قبول دعاء النبي صلى الله عليه وسلم ففيه إيماء إلى التنويه بدعائه. وذكر العليم إيماء إلى أنه ما أمره بالدعاء لهم إلا لأن في دعائه لهم خيراً عظيماً وصلاحاً في الأمور...
الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - لجنة تأليف بإشراف الشيرازي 2009 هـ :
في الآية الأُولى من هذه الآيات إِشارة إِلى أحد الأحكام الإِسلامية المهمّة، وهي مسألة الزكاة، حيث تأمر النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بشكل عام أن (خذ من أموالهم صدقة).
إنّ كلمة (من) التبعيضية توضح أنّ الزكاة تشكل دائماً جزءاً من الأموال، لا أنّها تستوعب جميع الأموال، أو الجزء الأكبر منها.
ثمّ تشير إلى قسمين من الفلسفة الأخلاقية والاجتماعية للزكاة، حيث تقول: (تطهّرهم وتزكيهم بها) فهي تطهرهم من الرّذائل الأخلاقية، ومن حبّ الدنيا وعبادتها، ومن البخل وغيره من مساوئ الأخلاق، وتزرع مكانها خلال الحب والسخاء ورعاية حقوق الآخرين في نفوسهم. وفوق كل ذلك فإنّ المفاسد الاجتماعية والانحطاط الخلقي والاجتماعي المتولّد من الفقر والتفاوت الطبقي والذي يؤدي إِلى وجود طبقة محرومة، كل هذه الأُمور ستقتلع بتطبيق هذه الفريضة الإِلهية وأدائها، وهي التي تطهر المجتمع من التلوث الذي يعيشه ويحيط به، وكذلك سيفعّل التكافل الاجتماعي، وينمو ويتطور الاقتصاد في ظل مثل هذه البرامج.
وعلى هذا فإنّ حكم الزكاة مطهر للفرد والمجتمع من جهة ويكرّس الفضيلة في النفوس من جهة أُخرى، وهو سبب في تقدم المجتمع أيضاً، ويمكن القول بأنّ هذا التعبير أبلغ ما يمكن قوله في الزكاة، فهي تزيل الشوائب من جهة، ووسيلة للتكامل من جانب آخر.
ويحتمل أيضاً في معنى هذه الآية أن يكون فاعل (تطهّرهم) هو الزكاة، وفاعل (تزكيهم) (النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم))، وعلى هذا سيكون معنى هذه الآية هو: إنّ الزكاة تطهرهم، وإن النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم) هو الذي يربيهم ويزكيهم.
إِلاّ أنّ الأظهر أنّ الفاعل في كلا الفعلين هو النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، كما شرحنا وبيّنا ذلك في البداية، رغم أنّه ليس هناك فرق كبير في النتيجة.
ثمّ تضيف الآية في خطابها للنّبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بأنّك حينما تأخذ الزكاة منهم فادع لهم (وصلّ عليهم). إِنّ هذا يدل على وجوب شكر الناس وتقديرهم، حتى إِذا كان ما يؤدونه واجباً عليهم وحكماً شرعياً يقومون به، وترغيبهم بكل الطرق، وخاصّة المعنوية والنفسية، ولهذا ورد في الرّوايات أنّ الناس عندما كانوا يأتون بالزكاة إِلى النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم) كان يدعو لهم يقول: «اللهم صل عليهم».
ثمّ تقول الآية: (إنّ صلاتك سكن لهم) لأنّ من بركات هذا الدعاء أن تنزل الرحمة الإِلهية عليهم، وتغمر قلوبهم ونفوسهم الى درجة أنّهم كانوا يحسون بها.
مضافاً إِلى ثناء النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، أو من يقوم مقامه في جمع زكاة أموال الناس بحدّ ذاته يبعث على خلق نوع من الراحة النفسية والفكرية لهم، بحيث يشعرون بأنّهم إِن فقدوا شيئاً بحسب الظاهر، فإنّهم قد حصلوا قطعاً على ما هو أفضل منه.
اللطيف في الأمر، أنّنا لم نسمع لحد الآن أن المأمورين بجمع الضرائب مأمورين بشكر الناس وتقديرهم، إلاّ أنّ هذا الحكم الذي شُرع كحكم مستحب في الأوامر والأحكام الإِسلامية يعكس عمق الجانب الإِنساني في هذه الأحكام.
وفي نهاية الآية نقرأ: (والله سميع عليم) وهذا الختام هو المناسب لما سبق من بحث في الآية، إذ أن الله سبحانه يسمع دعاء النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، ومطلع على نيّات المؤدين للزّكاة.
يتّضح من سبب النزول المذكور لهذه الآية، أنّ هذه الآية ترتبط بالآية التي سبقتها في موضوع توبة أبي لبابة ورفاقه، لأنّهم وكشكر منهم لقبول توبتهم أتوا بأموالهم ووضعوها بين يدي النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ليصرفها في سبيل الله، إلاّ أنّه (صلى الله عليه وآله وسلم) اكتفى بأخذ قسم منها فقط.
إِلاّ أنّ سبب النزول هذا لا ينافي مطلقاً أن هذه الآية بيّنت حكماً كلياً عاماً في الزكاة، ولا يصحّ ما طرحه بعض المفسّرين من التضاد بين سبب نزولها وما بينته من حكم كلي، كما قلنا ذلك مكرراً في سائر آيات القرآن وأسباب نزولها.
السؤال الوحيد الذي يبقى هنا، هو أنّ النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم) حسب رواية قد قبل ثلث أموال أبي لبابة وأصحابه، في الوقت الذي لا يبلغ مقدار الزكاة الثلث في أي مورد، ففي الحنطة والشعير والتمر والزبيب العشر أحياناً، وأحياناً جزء من عشرين جزءاً، وفي الذهب والفضة (5، 2%)، وفي الأنعام (البقر والغنم والإِبل) لا يصل إِلى الثلث مطلقاً.
لكن يمكن الإِجابة على هذا السؤال بأنَّ النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قد أخذ قسماً من أموالهم بعنوان الزكاة، والمقدار الإِضافي الذي يكمل الثلث بعنوان الكفّارة عن ذنوبهم، وعلى هذا فإنَّ النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قد أخذ الزكاة الواجبة عليهم، ومقداراً آخر لتطهيرهم من ذنوبهم وتكفيرها، فكان المجموع هو الثلث.
إنّ حكم (خذ) دليل واضح على أنّ رئيس الحكومة الإِسلامية يستطيع أن يأخذ الزكاة من الناس، لا أنّه ينتظر الناس فإن شاءوا أدّوا الزكاة، وإلاّ فلا.
إِنَّ جملة (صلّ عليهم) وإن كانت خطاباً للنّبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، إلاّ أنّه من المسلّم أنّها في معرض بيان حكم كلّي لأنّ القانون الكلّي يعني أن الأحكام الإِسلامية تجري على النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وباقي المسلمين على السواء، ومختصات النّبي من جانب الأحكام يجب أن تثبت بدليل خاصّ وعلى هذا فإنّ المسؤولين عن بيت المال في كلّ عصر وزمان يستطيعون أن يدعوا لمؤدي الزكاة بجملة: «اللّهم صلّ عليهم»...