قوله تعالى : { فمنهم من آمن به } . يعني : بمحمد صلى الله عليه وسلم وهم : عبد الله بن سلام وأصحابه .
قوله تعالى : { ومنهم من صد عنه } ، أعرض عنه ولم يؤمن به .
قوله تعالى : { وكفى بجهنم سعيراً } ، وقوداً ، وقيل : الملك العظيم ملك سليمان . وقال السدي : الهاء في قوله { من آمن به ومنهم من صد عنه } راجعة إلى إبراهيم ، وذلك أن إبراهيم زرع ذات سنة ، وزرع الناس ، فهلك زرع الناس وزكا زرع إبراهيم عليه السلام ، فاحتاج إليه الناس فكان يقول : من آمن بي أعطيته . فمن آمن به أعطاه ، ومن لم يؤمن به منعه .
{ فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ بِهِ } أي : بمحمد صلى الله عليه وسلم فنال بذلك السعادة الدنيوية والفلاح الأخروي . { وَمِنْهُمْ مَنْ صَدَّ عَنْهُ } عنادًا وبغيًا وحسدًا فحصل لهم من شقاء الدنيا ومصائبها ما هو بعض آثار معاصيهم { وَكَفَى بِجَهَنَّمَ سَعِيرًا } تسعر على من كفر بالله ، وجحد نبوة أنبيائه من اليهود والنصارى وغيرهم من أصناف الكفرة . ولهذا قال : { إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِنَا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَارًا }
ثم بين - سبحانه - عاقبة كل من المحسن والمسئ فقال : { فَمِنْهُمْ مَّنْ آمَنَ بِهِ وَمِنْهُمْ مَّن صَدَّ عَنْهُ وكفى بِجَهَنَّمَ سَعِيراً } .
أى : فمن جنس هؤلاء الحاسدين وآبائهم من آمن وصدق بما أعطاه الله لآل إبراهيم من كتاب وحكمه ، ومنهم من كفر به وأعرض عنه وسعى فى صد الناس عنه . فالضمير فى { بِهِ } و { عَنْهُ } يعود إلى ما أوتى آل إبراهيم .
ويرى بعضهم أن الضمير يعود إلى إبراهيم - عليه السلام . فيكون المعنى :
فمن آل إبراهيم من آمن بإبراهيم ومن أعرض عنه ولم يتبع تعاليمه .
وفى هذه الآية الكريمة تسلية للنبى صلى الله عليه وسلم عما لقيه من اليهود من أذى .
فكأنه - سبحانه - يقول له : إن هؤلاء الحاسدين لك قد اختلفوا على من هم منهم ، وأنت يا محمد لست منهم ، فكيف تنتظر منهم أن يسالموك أو يتبعوك ؟
وقوله { وكفى بِجَهَنَّمَ سَعِيراً } بيان لما أعده - سبحانه - للكافرين من عذاب .
أى : وكفى بجهنم نارا مسعرة أى : موقدة إيقادا شديداً يعذبون بها على كفرهم وعنادهم وصدودهم عن الحق . يقال : سعر النار - كمنع - وسعرها وأسعرها أى : أوقدها .
وقوله { بِجَهَنَّمَ } فاعله على زيادة الباء فيه . وقوله { سَعِيراً } تمييز أو حال .
وبهذا نرى أن هذه الآيات الكريمة من قوله - تعالى - { أَلَمْ تَرَ إِلَى الذين أُوتُواْ نَصِيباً مِّنَ الكتاب } إلى قوله : { وكفى بِجَهَنَّمَ سَعِيراً } قد وبخت اليهود على بيعهم دينهم بدنياهم ، وتحريفهم الكلم عن مواضعه واستهزائهم بدعوة الحق ، وتزكيتهم لأنفسهم بالباطل ، وافترائهم على الله الكذب ، وتفضيلهم عبادة الأوثان على عبادة الله ، وعلى بخلهم وحسدهم للنبى صلى الله عليه وسلم على ما آتاه الله من فضله .
وقد توعدتهم على هذه الصفات الذميمة ، والمسالك الخبيثة بأشد أنواع العذاب ، وحذرت المؤمنين من شرورهم ومفاسدهم .
ومع هذا { فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ بِهِ } أي : بهذا الإيتاء وهذا الإنعام { وَمِنْهُمْ مَنْ صَدَّ عَنْهُ } أي : كفر به وأعرض عنه ، وسعى في صد الناس عنه ، وهو منهم ومن جنسهم ، أي من بني إسرائيل ، فقد اختلفوا عليهم ، فكيف بك يا محمد ولست من بني إسرائيل ؟ .
وقال مجاهد : { فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ بِهِ } أي : بمحمد صلى الله عليه وسلم { وَمِنْهُمْ مَنْ صَدَّ عَنْهُ } فالكفرة منهم أشد تكذيبا لك ، وأبعد عما جئتهم به من الهدى ، والحق المبين .
ولهذا قال متوعدا لهم : { وَكَفَى بِجَهَنَّمَ سَعِيرًا } أي : وكفى بالنار عقوبة لهم على كفرهم وعنادهم ومخالفتهم كتب الله ورسله .
{ فمنهم } من اليهود . { من آمن به } بمحمد صلى الله عليه وسلم أو بما ذكر من حديث آل إبراهيم . { ومنهم من صد عنه } أعرض عنه ولم يؤمن به وقيل معناه فمن آل إبراهيم من آمن به ومنهم من كفر ولم يكن في ذلك توهين أمره فكذلك لا يوهن كفر هؤلاء أمرك . { وكفى بجهنم سعيرا } نارا مسعورة يعذبون بها أي إن لم يعجلوا بالعقوبة فقد كفاهم ما أعد لهم من سعير جهنم .
وقوله تعالى : { فمنهم من آمن به } الآية ، اختلف المتأولون في عود الضمير من { به } فقال الجمهور : هو عائد على القرآن الذي في قوله تعالى : { آمنوا بما نزلنا مصدقاً لما معكم من قبل أن نطمس وجوهاً } [ النساء : 47 ] فأعلم الله أن منهم من آمن كما أمر ، فلذلك ارتفع الوعيد بالطمس ولم يقع ، وصد قوم ثبت الوعيد عليهم في الآخرة بقوله : { وكفى بجهنم سعيراً } وقالت فرقة : الضمير عائد على إبراهيم عليه السلام ، وحكى مكي في ذلك قصصاً ليست بالثابتة ، وقالت فرقة : هو عائد على الفضل الذي آتاه الله النبي عليه السلام ، أو العرب على ما تقدم .
قال القاضي أبو محمد : قرأت فرقة : «صُد » عنه بضم الصاد على بناء الفعل للمفعول ، و { سعيراً } معناه : احتراقاً وتلهباً ، والسعير : شدة توقد النار ، فهذا كناية عن شدة العذاب والعقوبة .