الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي بن ابي طالب - مكي ابن أبي طالب  
{فَمِنۡهُم مَّنۡ ءَامَنَ بِهِۦ وَمِنۡهُم مَّن صَدَّ عَنۡهُۚ وَكَفَىٰ بِجَهَنَّمَ سَعِيرًا} (55)

قوله : ( فَمِنْهُمْ مَّنْ امَنَ بِهِ ) الآية [ 55 ] .

المعنى : فمن أهل الكتاب الذين قيل لهم آمنوا بما نزلنا مصدقاً لما معكم : من آمن بالله عز وجل . وقيل( {[12684]} ) : بمحمد صلى الله عليه وسلم . وقيل( {[12685]} ) : بالقرآن وهو أبينها لقوله : ( ءَامِنُوا بِمَا نَزَّلْنَا مُصَدِّقاً ) ثم قال ( فَمِنْهُمْ مَن_امَنَ بِهِ ) أي : بما نزلنا ، وهو القرآن ، ( وَمِنْهُم مَّن صَدَّ عَنْهُ ) أي : لم يؤمن به .

وقيل( {[12686]} ) : ( وَمِنْهُم مَّن صَدَّ عَنْهُ ) أي : عن محمد صلى الله عليه وسلم ( أي ) : أعرض( {[12687]} ) عنه ، وقيل( {[12688]} ) : ( مَّنْ_امَنَ بِهِ ) : القرآن . قاله مجاهد ، وقيل : " به " بهذا الخبر . وذكر السدي في قصة طويلة أن إبراهيم صلوات الله عليه ، كان عنده طعام كثير بورك له فيه كسبه من زرع زرعه من قمح كونه من عند الله تعالى ، فكان الناس يأتونه في مجاعة يطلبون منهم شراء الطعام ، فيقول : هذا الطعام من آمن بالله فليأخذ منه ، ومن لا يؤمن بالله فلا شيء له ، وآمن بعض وأخذوا ، وامتنع قوم من الإيمان فلم يأخذوا ، فهو قوله تعالى : ( فَمِنْهُمْ مَّنَ امَنَ بِهِ وَمِنْهُمْ مَّن صَدَّ عَنْهُ ) .

وفي هذه الآية دليل على أن من لم يؤمن قد أخرت عقوبته التي توعد بها في قوله : ( مِّن قَبْلِ أَن نَّطْمِسَ وُجُوهاً فَنَرُدَّهَا عَلَى أَدْبَارِهَا ) إلى يوم القيامة لإيمان من آمن منهم وهو قوله : ( وَكَفَى بِجَهَنَّمَ سَعِيراً ) وإنما كان الوعيد( {[12689]} ) لهم من الله جلت عظمته بالعقوبة على مقام جميعهم على الكفر ، فلما آمن بعضهم خرجوا عن الوعيد الذي توعدوا به في دار الدنيا ، وهو الطمس وأخرت عقوبة المقيمين على الكفر( {[12690]} ) .

وسعير : فعيل ، مصروف عن مفعوله كما قال : كف خضيب ، ولحية دهين ، والمسعورة : الموقودة بشدة التوقد( {[12691]} ) ، والمعنى وكفى بجهنم سعيراً لمن صد عنه ، أي : أعرض عن محمد صلى الله عليه وسلم ، وما جاء به .


[12684]:- عزاه الطبري لابن عباس، انظر: جامع البيان 1/138.
[12685]:- هو قول مجاهد، انظر: تفسير مجاهد 162.
[12686]:- جامع البيان 5/140.
[12687]:- ساقط من (د).
[12688]:- انظر: معاني الزجاج 2/45.
[12689]:- (د): الوعيد من الله... لهم.
[12690]:- انظر: جامعه البيان 5/141.
[12691]:- اللسان، (سعر) 365.