اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{فَمِنۡهُم مَّنۡ ءَامَنَ بِهِۦ وَمِنۡهُم مَّن صَدَّ عَنۡهُۚ وَكَفَىٰ بِجَهَنَّمَ سَعِيرًا} (55)

وقوله : { فمنهم من آمن به } ، الضميرُ في به عَائِدٌ على " إبراهيم " أوْ على " القرآن " أوْ على الرَّسُولِ - عليه الصلاة والسلام - ، أوْ عَلَى ما أُوتيه إبراهيم - عليه السلام - فإنْ عَادَ إلى مُحَمدٍ ، فالمرادُ بالذين آمنُوا به ، الذين أُوتُوا الكتابَ ؛ آمن بعضُهم كعبدِ اللَّهِ بنِ سلام ، وأصْحَابه ، وبَقِيَ بعضهم على الكُفْرِ والإنْكارِ ، وكذلك إنْ عادَ إلَى مَا أُوتِيه إبراهيم - علّيه السلام - قال السديُّ{[8310]} : الهاءُ في " بِهِ " و " عنه " رَاجِعَةٌ إلى إبْرَاهِيم ، وذلك أنَّهُ زَرَعَ ذَاتَ سَنَة ، وزرع الناسُ [ فِي تِلْكَ السَّنَةِ ]{[8311]} فَهَلَكَ زَرْعُ الناسِ ، وَزَكَا زَرْعُ إبْراهيمَ - عليه السلامِ - فاحتاج الناسُ إلَيْه ، فكان يقولُ : " من آمن بي أعطيته " فمن آمَنَ ، أعْطَاهُ مِنْه ، [ وَمَنْ لَمْ يُؤمِنْ ، منعه مِنْه ]{[8312]} ، وإنْ عاد إلى القُرْآنِ ، فالمعنى : أنَّ الأنبياءَ - عليهم الصلاة والسلام - وأتْباعَهمُ معهم ، صَدَّقُوا بمحمدٍ صلى الله عليه وسلم وبما جاء به ، وقال آخُرون{[8313]} : المرادُ [ أنَّ ]{[8314]} أولئِكَ الأنبياءَ مع ما خُصُّوا به مِنَ النُّبوةِ ، والمُلْكِ ، جَرَتْ عادَةُ أممِهمْ : أنْ آمَنَ بعضُهم ، وكَفَرَ بعضُهم ، فَلاَ تَتَعَجَّب يا محمدُ ، مِنْ أمتِكَ ، فإنَّ أحْواَلَ جَميعِ الأمَمِ هكذا ، وذلك تَسْلِيةٌ له - عليه السلام - .

قوله : { ومنهم من صد عنه } قَرَأ الجُمْهُورُ " صَدَّ " بفتح الصَّادِ ، وقرأ ابنُ مسعودٍ ، وابنُ عباسٍ ، وعكرمةُ{[8315]} : " صُدًّ " بضمها ، وقرأ أبُو رَجَاء{[8316]} ، وأبو الجَوْزَاءِ : بِكَسْرِهَا ، وكلتا القِرَاءتين على البِنَاء للمفعولِ ، إلا أنَّ المضاعَفَ الثُّلاثِيَّ ، كالمعْتَلِّ العَيْنِ منه ، فيجوزُ في أوله ثلاثُ لغاتٍ ، إخْلاَصُ الضَّمِّ ، وإخلاصُ الكَسْرِ ، والإشمامُ .

قوله : { وَكَفَى بِجَهَنَّمَ سَعِيراً } ، أيْ : كَفَى بجهنَّمَ [ في ]{[8317]} عذابِ الكُفَّارِ سعيراً والسَّعيرُ : الوقودُ ، وهو تَمْيِِيزٌ ، فإنْ كان بِمَعْنَى التهابٍ واحْتِرَاقٍ ، فَلاَ بُدَّ مِنْ حَذْفِ مُضَافٍ ، أي : كَفَى بسعيرِ جَهَنَّمَ سَعِيراً ؛ لأنَّ تَوَقُّدَهَا ، والتِهَابَهَا لَيْسَ إيَّاهَا ، وإنْ كان بمعنى : مُسَعَّرِ{[8318]} ، فلا يَحْتَاجُ إلى حَذْفٍ .


[8310]:ينظر: تفسير البغوي 1/44.
[8311]:سقط في أ.
[8312]:سقط في ب.
[8313]:ينظر: تفسير الرازي 10/107.
[8314]:سقط في ب.
[8315]:ينظر: المحرر الوجيز 2/68، والبحر المحيط 3/285، ونسبها أيضا إلى ابن جبير وابن يعمر والجحدري، وينظر: الدر المصون 2/377.
[8316]:وقرأ بها أبي. ينظر: البحر المحيط 3/385، والدر المصون 2/377.
[8317]:سقط في ب.
[8318]:في ب: سعر.