المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{لَئِنۢ بَسَطتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقۡتُلَنِي مَآ أَنَا۠ بِبَاسِطٖ يَدِيَ إِلَيۡكَ لِأَقۡتُلَكَۖ إِنِّيٓ أَخَافُ ٱللَّهَ رَبَّ ٱلۡعَٰلَمِينَ} (28)

28- وقال له : لئن أغواك الشيطان فمددت يدك نحوي لتقتلني ، فلن أعاملك بالمثل ، ولن أمد يدي إليك لأقتلك ، لأني أخاف عذاب ربي ، وهو الله رب العالمين .

 
معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{لَئِنۢ بَسَطتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقۡتُلَنِي مَآ أَنَا۠ بِبَاسِطٖ يَدِيَ إِلَيۡكَ لِأَقۡتُلَكَۖ إِنِّيٓ أَخَافُ ٱللَّهَ رَبَّ ٱلۡعَٰلَمِينَ} (28)

قوله تعالى : { إنما يتقبل الله من المتقين لئن بسطت } . أي : مددت

قوله تعالى : { إلي يدك لتقتلني ما أنا بباسط يدي إليك لأقتلك إني أخاف الله رب العالمين } ، قال عبد الله بن عمر : وايم الله ، إن كان المقتول لأشد الرجلين ، ولكن منعه الحرج أن يبسط إلى أخيه يده ، وهذا في الشرع جائز لمن أريد قتله أن ينقاد ويستسلم طلباً للأجر ، كما فعل عثمان رضي الله عنه ، قال مجاهد : كتب الله في ذلك الوقت ، إذا أراد رجل قتل رجل أن لا يمتنع ويصبر .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{لَئِنۢ بَسَطتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقۡتُلَنِي مَآ أَنَا۠ بِبَاسِطٖ يَدِيَ إِلَيۡكَ لِأَقۡتُلَكَۖ إِنِّيٓ أَخَافُ ٱللَّهَ رَبَّ ٱلۡعَٰلَمِينَ} (28)

ثم قال له مخبرا أنه لا يريد أن يتعرض لقتله ، لا ابتداء ولا مدافعة فقال :

{ لَئِن بَسَطْتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ } وليس ذلك جبنا مني ولا عجزا . وإنما ذلك لأني { أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ } والخائف لله لا يقدم{[262]}  على الذنوب ، خصوصا الذنوب الكبار . وفي هذا تخويف لمن يريد القتل ، وأنه ينبغي لك أن تتقي الله وتخافه .


[262]:- في ب: لا يقوم.
 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{لَئِنۢ بَسَطتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقۡتُلَنِي مَآ أَنَا۠ بِبَاسِطٖ يَدِيَ إِلَيۡكَ لِأَقۡتُلَكَۖ إِنِّيٓ أَخَافُ ٱللَّهَ رَبَّ ٱلۡعَٰلَمِينَ} (28)

ثم انتقل الأخ التقي من وعظ أخيه بتطهير قلبه ، إلى تذكيره بحقوق الأخوة وما تقتضيه من بر وتسامح فقال - كما حكى القرآن عنه - { لَئِن بَسَطتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَآ أَنَاْ بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لأَقْتُلَكَ إني أَخَافُ الله رَبَّ العالمين } وبسط اليد : مدها والمراد هنا : مدها بالاعتداء .

والمعنى : لئن مددت إلى - يا أخي - يدك لتقتلني ظلما وحسداً { مَآ أَنَاْ بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لأَقْتُلَكَ } فإن القتل - وخصوصا بين الأخوة جريمة منكرة ، تأباها شرائع الله - تعالى - وتنفر منها العقول السليمة .

وإذا كان الأخ الظالم قابيل قد أكد تصميمه على قتل أخيه هابيل بجملة قسمية وهي { لأَقْتُلَكَ } فإن هابيل قد أكد عدم قتله له بجملة قسمية - أيضاً وهي { لَئِن بَسَطتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَآ أَنَاْ بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لأَقْتُلَكَ } .

فأنت ترى أن الجملة الكريمة تصور أكمل تصوير ما بين الأخيار والأشرار من تضاد .

قال الآلوسي : قيل كان هابيل أقوى من قابيل ولكنه تخرج عن قتله واستسلم له خوفاً من الله - تعالى - لأن المدافعة لم تكن جائزة في ذلك الوقت ، وفي تلك الشريعة . أو تحريماً لما هو الأفضل والأكثر ثوابا وهو كونه مقتولا ، لا قاتلا .

وقوله : { إني أَخَافُ الله رَبَّ العالمين } جملة تعليلية مسوقة لبيان سبب امتناع هابيل عن بسط يده إلى أخيه قابيل .

أي : إني أخاف الله رب العالمين أن يراني باسطاً يدي إليك بالقتل . وقد أكد خوفه من الله - تعالى - بأن المؤكدة للقول ، وبذكره له - سبحانه - بلفظ الجلالة ، المشعر بأنه هو وحده صاحب السلطان ، وبوصفه له عز وجل بأنه رب العالمين ، أي : منشئ الكون ومن وما فيه ، وصاحب النعم التي لا تحصى على خلقه .

وفي هذه الجملة الكريمة إرشاد لقابيل لخشية الله على أتم وجه ، وتعريض بأن القاتل لا يخاف الله .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{لَئِنۢ بَسَطتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقۡتُلَنِي مَآ أَنَا۠ بِبَاسِطٖ يَدِيَ إِلَيۡكَ لِأَقۡتُلَكَۖ إِنِّيٓ أَخَافُ ٱللَّهَ رَبَّ ٱلۡعَٰلَمِينَ} (28)

27

ثم يمضى الأخ المؤمن التقي الوديع المسالم يكسر من شرة الشر الهائج في نفس أخيه الشرير :

( لئن بسطت إلي يدك لتقتلني ما أنا بباسط يدي إليك لأقتلك ، إني أخاف الله رب العالمين )

وهكذا يرتسم نموذج من الوداعة والسلام والتقوى ؛ في أشد المواقف استجاشة للضمير الإنساني ؛ وحماسة للمعتدى عليه ضد المعتدي ؛ وإعجابا بهدوئه واطمئنانه أمام نذر الاعتداء ؛ وتقوى قلبه وخوفه من رب العالمين .

ولقد كان في هذا القول اللين ما يفثأ الحقد ؛ ويهدى ء الحسد ، ويسكن الشر ، ويمسح على الأعصاب المهتاجة ؛ ويرد صاحبها إلى حنان الأخوة ، وبشاشة الإيمان ، وحساسية التقوى .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{لَئِنۢ بَسَطتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقۡتُلَنِي مَآ أَنَا۠ بِبَاسِطٖ يَدِيَ إِلَيۡكَ لِأَقۡتُلَكَۖ إِنِّيٓ أَخَافُ ٱللَّهَ رَبَّ ٱلۡعَٰلَمِينَ} (28)

وقوله : { لَئِنْ بَسَطْتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لأقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ } يقول له أخوه الرجل الصالح ، الذي تقبل الله قربانه لتقواه حين تواعده أخوه بالقتل على غير ما ذنب منه إليه : { لَئِنْ بَسَطْتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لأقْتُلَكَ } أي :{[9624]} لا أقابلك على صنيعك الفاسد بمثله ، فأكون أنا وأنت سواء في الخطيئة ، { إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ } أي : من أن أصنع كما تريد أن تصنع ، بل أصبر وأحتسب .

قال عبد الله بن عمرو : وايم الله ، إن كان لأشد الرجلين ولكن منعه التحرج ، يعني الورع .

ولهذا ثبت في الصحيحين ، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " إذا تواجه المسلمان بسيفيهما ، فالقاتل والمقتول في النار " . قالوا : يا رسول الله ، هذا القاتل فما بال المقتول ؟ قال : " إنه كان حريصا على قتل صاحبه " . {[9625]}

وقال الإمام أحمد : حدثنا قُتَيْبَةُ بن سعيد ، حدثنا لَيْثُ بن سعد ، عن عَيَّاش{[9626]} بن عباس ، عن بكير بن عبد الله ، عن بُسْر بن سعيد{[9627]} ؛ أن سعد بن أبي وقاص قال عند فتنة عثمان : أشهد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إنها ستكون فتنة ، القاعد فيها خير من القائم ، والقائم خير من الماشي ، والماشي خير من الساعي " . قال : أفرأيت إن دخل عليّ بيتي فبسط يده إليَّ ليقتلني قال : " كن كابن آدم " .

وكذا رواه الترمذي عن قُتَيْبَة بن سعيد{[9628]} وقال : هذا الحديث حسن ، وفي الباب عن أبي هريرة ، وخَباب بن الأرت ، وأبي بَكْرَة{[9629]} وابن مسعود ، وأبي واقد ، وأبي موسى ، وخَرَشَة . ورواه بعضهم عن الليث بن سعد ، وزاد في الإسناد رجلا .

قال الحافظ ابن عساكر : الرجل هو حسين الأشجعي .

قلت : وقد رواه أبو داود من طريقه فقال : حدثنا يزيد بن خالد الرملي ، حدثنا المفضل ، عن عياش بن عباس{[9630]} عن بُكَيْر ، عن بُسْر بن سعيد{[9631]} عن حسين{[9632]} بن عبد الرحمن الأشجعي ؛ أنه سمع سعد بن أبي وقاص ، عن النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث قال : فقلت : يا رسول الله ، أرأيت إن دخل عليّ بيتي وبسط يده ليقتلني ؟ قال : فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " كن كابن آدم " وتلا يزيد : { لَئِنْ بَسَطْتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لأقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ }{[9633]}

قال أيوب السَّخْتَياني : إن أول من أخذ بهذه الآية من هذه الأمة : { لَئِنْ بَسَطْتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لأقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ } لَعُثْمان بن عفان رضي الله عنه . رواه ابن أبي حاتم .

وقال الإمام أحمد : حدثنا مَرْحوم ، حدثني أبو عمران الجَوْني ، عن عبد الله بن الصامت ، عن أبي ذر قال : ركب النبي صلى الله عليه وسلم حمارا وأردفني خلفه ، وقال : " يا أبا ذر ، أرأيت إن أصاب الناس جوعٌ شديد لا تستطيع أن تقوم من فراشك إلى مسجدك ، كيف تصنع ؟ " . قال : قال الله ورسوله أعلم . قال : " تعفف " قال : " يا أبا ذر ، أرأيت إن أصاب الناس موتٌ شديد ، ويكون البيت فيه بالعبد ، يعني القبر ، كيف تصنع ؟ " قلت : الله ورسوله أعلم . قال : " اصبر " . قال : " يا أبا ذر ، أرأيت إن قتل الناس بعضهم بعضا ، يعني حتى تغرق حجارة الزيت من الدماء ، كيف تصنع ؟ " . قال : الله ورسوله أعلم . قال : " اقعد في بيتك وأغلق عليك بابك " . قال : فإن لم أتْرَك ؟ قال : " فأت من أنت منهم ، فكن فيهم{[9634]} قال : فآخذ سلاحي ؟ قال : " إذًا تشاركهم فيما هم فيه ، ولكن إن خشيت أن يروعك{[9635]} شعاع السيف ، فألق طرف ردائك على وجهك حتى{[9636]} يبوء بإثمه وإثمك " . {[9637]}

رواه مسلم وأهل السنن سوى النسائي ، من طرق عن أبي عمران الجوني ، عن عبد الله بن الصامت به{[9638]} ورواه أبو داود وابن ماجه ، من طريق حماد بن زيد ، عن أبي عمران ، عن المُشَعَّث{[9639]} بن طريف ، عن عبد الله بن الصامت عن أبي ذر{[9640]} بنحوه . {[9641]}

قال أبو داود : ولم يذكر المشعث{[9642]} في هذا الحديث غير حماد بن زيد .

وقال ابن مَرْدُويَه : حدثنا محمد بن علي بن دُحَيْم ، حدثنا أحمد بن حازم ، حدثنا قَبِيصَة بن عُقْبَة ، حدثنا سفيان ، عن منصور ، عن رِبْعِيّ قال : كنا في جنازة حُذَيفة ، فسمعت رجلا يقول : سمعت هذا يقول في ناس : مما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لئن اقتتلتم لأنظرن إلى أقصى بيت في داري ، فلألجنَّه ، فلئن دخل{[9643]} عَليّ فلان لأقولن : ها{[9644]} بؤ بإثمي وإثمك ، فأكون كخير ابني آدم .


[9624]:في أ: "إني".
[9625]:صحيح البخاري برقم (31) وصحيح مسلم برقم (2888) من حديث أبي بكرة، رضي الله عنه.
[9626]:في أ: "عباس".
[9627]:في ر: "بشر بن سعد"، وفي أ: "بشر بن سعيد".
[9628]:المسند (1/185) وسنن الترمذي برقم (3194).
[9629]:في أ: "وأبي بكر".
[9630]:في أ: "المفضل بن عباس عن ابن عباس".
[9631]:في ر: "بشر بن سعيد".
[9632]:في ر: "سعيد".
[9633]:سنن أبي داود برقم (4257).
[9634]:في ر: "منهم".
[9635]:في ر، أ: "يردعك".
[9636]:في ر، أ: "كي".
[9637]:المسند (5/149).
[9638]:صحيح مسلم برقم (648) وسنن أبي داود برقم (431) وسنن الترمذي برقم (176) وسنن ابن ماجة برقم (1256).
[9639]:في ر: "الشعث"، وفي أ: "المشعب".
[9640]:في أ: "عن أبي إسحاق".
[9641]:سنن أبي داود برقم (4261) وسنن ابن ماجة برقم (3958).
[9642]:في ر: "الشعث"، وفي أ: "المشعب".
[9643]:في ر: "فإن على".
[9644]:في أ: "لأقرأها".
 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{لَئِنۢ بَسَطتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقۡتُلَنِي مَآ أَنَا۠ بِبَاسِطٖ يَدِيَ إِلَيۡكَ لِأَقۡتُلَكَۖ إِنِّيٓ أَخَافُ ٱللَّهَ رَبَّ ٱلۡعَٰلَمِينَ} (28)

{ لئن بسطت إلي يدك لتقتلني ما أنا بباسط يدي إليك لأقتلك إني أخاف الله رب العالمين } قيل : كان هابيل أقوى منه ولكن تحرج عن قتله واستسلم له خوفا من الله سبحانه وتعالى لأن الدفع لم يبح بعد ، أو تحريا لما هو الأفضل قال عليه الصلاة والسلام : " كن عبد الله المقتول ولا تكن عبد الله القاتل " . وإنما قال : { ما أنا بباسط } في جواب { لئن بسطت } للتبري عن هذا الفعل الشنيع رأسا ، والتحرز من أن يوصف به ويطلق عليه ولذلك أكد النفي بالباء .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{لَئِنۢ بَسَطتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقۡتُلَنِي مَآ أَنَا۠ بِبَاسِطٖ يَدِيَ إِلَيۡكَ لِأَقۡتُلَكَۖ إِنِّيٓ أَخَافُ ٱللَّهَ رَبَّ ٱلۡعَٰلَمِينَ} (28)

واختلف الناس لم قال هابيل : { ما أنا بباسط يدي إليك لأقتلك } ؟ فقال مجاهد : كان الفرض عليهم حينئذ أن لا يسل أحد سيفاً وأن لا يمتنع من أريد قتله . . وقال عبد الله بن عمرو وجمهور الناس : كان هابيل أشد قوة من قابيل ، ولكنه تحرج .

قال القاضي أبو محمد رضي الله عنه : وهذا هو الأظهر ، ومن هنا يقوى أن قابيل إنما هو عاص لا كافر ، لأنه لو كان كافراً لم يكن للتحرج وجه ، وإنما وجه التحرج في هذا أن المتحرج يأبى أن يقاتل موحداً ويرضى بأن يظلم ليجازى في الآخرة ، ونحو هذا فعل عثمان بن عفان رضي الله عنه .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{لَئِنۢ بَسَطتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقۡتُلَنِي مَآ أَنَا۠ بِبَاسِطٖ يَدِيَ إِلَيۡكَ لِأَقۡتُلَكَۖ إِنِّيٓ أَخَافُ ٱللَّهَ رَبَّ ٱلۡعَٰلَمِينَ} (28)

قوله : { لئن بسطتّ إليّ يدك لتقتلني } الخ موعظة لأخيه ليذكّره خطر هذا الجرم الّذي أقدم عليه . وفيه إشعار بأنّه يستطيع دفاعه ولكنّه منعه منه خوفُ الله تعالى . والظاهر أنّ هذا اجتهاد من هابيل في استعظام جُرم قتل النّفس ، ولو كان القتل دفاعاً . وقد عَلم الأخوان ما هو القتل بما يعرفانه من ذبح الحيوان والصّيد ، فكان القتل معروفاً لهما ، ولهذا عزم عليه قابيل ، فرأى هابيل للنّفوس حرمة ولو كانت ظالمة ، ورأى في الاستسلام لطالب قتله إبقاء على حفظ النّفوس لإكمال مراد الله من تعمير الأرض . ويمكن أن يكونا تلقّيا من أبيهما الوصاية بحفظ النّفوس صغيرها وكبيرها ولو كان في وقت الدّفاع ، ولذلك قال : { إنّي أخاف الله ربّ العالمين } . فقوله : { إنّي أخاف الله } يدلّ على أنّ الدّفاع بما يفضي إلى القتل كان محرّماً وأنّ هذا شريعة منسوخة لأنّ الشّرائع تبيح للمُعتدَى عليه أن يدافع عن نفسه ولو بقتل المعْتدي ، ولكنّه لا يتجاوز الحدّ الّذي يحصل به الدّفاع .

وأمّا حديث « إذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النّار » فذلك في القتال على المُلْك وقصد التغالب الّذي ينكفّ فيه المعتدي بتسليم الآخر له ؛ فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أصْلَح الفريقين بالتّسليم للآخر وحمل التَبِعَة عليه تجنّباً للفتنة ، وهو الموقف الّذي وقفه عثمان رضي الله عنه رجاء الصلاح .