الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي  
{لَئِنۢ بَسَطتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقۡتُلَنِي مَآ أَنَا۠ بِبَاسِطٖ يَدِيَ إِلَيۡكَ لِأَقۡتُلَكَۖ إِنِّيٓ أَخَافُ ٱللَّهَ رَبَّ ٱلۡعَٰلَمِينَ} (28)

فيه مسألتان :

الأولى : قوله تعالى : " لئن بسطت إلي يدك " أي لئن قصدت قتلي فأنا لا أقصد قتلك ، فهذا استسلام منه . وفي الخبر : ( إذا كانت الفتنة فكن خير ابني آدم ) . وروى أبو داود عن سعد بن أبي وقاص قال قلت يا رسول : إن دخل عل بيتي وبسط يده إلي{[5464]} ليقتلني ؟ قال فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( كن كخير ابني آدم ) وتلا هذه الآية " لئن بسطت إلي يدك لتقتلني " . قال مجاهد : كان الفرض عليهم حينئذ ألا يستل أحد سيفا ، وألا يمتنع ممن يريد قتله . قال علماؤنا : وذلك مما يجوز ورود التعبد به ، إلا أن في شرعنا يجوز دفعه إجماعا . وفي وجوب ذلك عليه خلاف ، والأصح وجوب ذلك ؛ لما فيه من النهي عن المنكر . وفي الحشوية قوم لا يجوزون للحصول عليه الدفع ، واحتجوا بحديث أبي ذر{[5465]} ، وحمله العلماء على ترك القتال في الفتنة ، وكف اليد عند الشبهة ، على ما بيناه في كتاب " التذكرة " . وقال عبدالله بن عمرو وجمهور الناس : كان هابيل أشد قوة من قابيل ولكنه تحرج . قال ابن عطية : وهذا هو الأظهر ، ومن ههنا يقوى أن قابيل إنما هو عاص لا كافر ؛ لأنه لو كان كافرا لم يكن للتحرج هنا وجه ، وإنما وجه التحرج في هذا أن المتحرج يأبى أن يقاتل موحدا ، ويرضى بأن يظلم ليجازي في الآخرة ، ونحو هذا فعل عثمان رضي الله عته . وقيل : المعنى لا أقصد قتلك بل أقصد الدفع عن نفسي ، وعلى هذا قيل : كان نائما فجاء قابيل ورضخ رأسه بحجر على ما يأتي ، ومدافعة الإنسان عمن يريد ظلمه جائزة وإن أتى على نفس العادي . وقيل : لئن بدأت بقتلي فلا أبدأ بالقتل . وقيل : أراد لئن بسطت إلى يدك ظلما فما أنا بظالم ، إني أخاف الله رب العالمين .


[5464]:من ج و ي و ز ك.
[5465]:حديث أبي ذر: راجع أحكام الجصاص ج 1 ص 402 ط الأستانة. ففيه الحديث بتمامه.