تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{لَئِنۢ بَسَطتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقۡتُلَنِي مَآ أَنَا۠ بِبَاسِطٖ يَدِيَ إِلَيۡكَ لِأَقۡتُلَكَۖ إِنِّيٓ أَخَافُ ٱللَّهَ رَبَّ ٱلۡعَٰلَمِينَ} (28)

وقوله تعالى : { لئن بسطت إلي يدك لتقتلني ما أنا بباسط يدي إليك لأقتلك } قال بعض الناس : إن الواجب علينا أن نفعل مثل فعل أولئك ، لا ينبغي لمن أراد أحد قتله أن يقتله ، ولكن يمتنع عن ذلك على ما امتنع أحد ابني آدم حين قال له : { ما أنا بباسط يدي إليك لأقتلك } واحتجوا في ذلك بأخبار رويت : روي عن أبي موسى الأشعري [ أنه قال ] : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : «إذا توجه المسلمان بسيفهما ، فقتل أحدهما صاحبه ، فهما في النار ، فقيل : يا رسول الله : [ هذا القاتل ، فما بال ] المقتول ؟ فقال : إنه أراد أن يقتل صاحبه » [ ابن ماجة : 3964 ] .

وعن سعيد بن مالك رضي الله عنه [ أنه ] قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «إن استطعت أن تكون عبد الله ، ولا تقتل أحدا من أهل القتلة فافعل » [ أحمد5/292 ] .

وعن الحسن رضي الله عنه [ أنه ] قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «كيف تصنع يا أبا ذر إذا كان بالمدينة قتل بغير حجارة ؟ قال : قلت : ألبس سلاحي ، قال : شاركت القوم إذن ، قال : قلت : كيف أصنع يا رسول الله ؟ قال : إن خشيت أن يبهرك شعاع السيف فألق ناحية ثوبك على وجهك حتى يبوء بإثمك وإثمه » [ أبو داوود : 4261 ] . يحتجون بمثل هذه الأخبار .

وقال آخرون : له أن يقاتل إذا لم يتعظ صاحبه بالله ، وأراد قتله ، فهو في سعة من قتل من يريد أن يبتديه بالقتل استدلالا بما أمر الله تعالى بقتال أهل البغي كقوله تعالى : { فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله } [ الحجرات : 9 ] فصار الحكم في أمتنا ما أمرهم الله به من قتال البغاة لأن الله تعالى قال : { لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا } [ المائدة : 48 ] . على أن قتال المشركين كان محظورا في أول مبعث النبي صلى الله عليه وسلم وقبل ذلك بأوقات . وقالوا : فغير منكر أن يكون الوقت الذي ذكره الله في هذه الآية كان قتال المشركين ، وتجريد السيف فيه محظورا ، فأذن الله في قتالهم وقتال أهل البغي ، فصار الحكم في أمتنا ما أمر الله به من قتال البغاة والمشركين ، والله أعلم .

وأما ما احتجوا به من الأخبار التي رويت من اقتتال المسلمين وأشباهها فإن ذلك ، والله أعلم ، ما احتجوا به من الأخبار التي رويت في حال الفتن وقتال الفئتين اللتين لا إمام فيهما يستحق الإمامة لحمية أو أمر جاهلية أو عصبية ، فهما على خطأ . فالصواب في مثله ما ذكر من الأخبار .

وأما إذا كان للناس إمام هدى ، فعقدوا له البيعة ، فخرجت عليه خارجة ظالمة ، فقتالهم واجب اتباعا لعلي رضي الله عليه ومن حارب معه من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل البغي والخوارج ، فهو كان لإجماع لأن جميع الطوائف قد حاربوهم . ورويت في ذلك آثار كثيرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى هذا يذهب من رأى قتل من يهم به قبله .