اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{لَئِنۢ بَسَطتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقۡتُلَنِي مَآ أَنَا۠ بِبَاسِطٖ يَدِيَ إِلَيۡكَ لِأَقۡتُلَكَۖ إِنِّيٓ أَخَافُ ٱللَّهَ رَبَّ ٱلۡعَٰلَمِينَ} (28)

و " اللاَّم " في قوله : " لَئِنْ بَسَطْتَ " هي المُوَطِّئة .

وقوله : { مَا أنَا بِبَاسِط } جوابُ القسم المَحْذُوف ، وهذا على القاعِدَة المُقَرَّرةِ من أنَّه إذا اجْتَمَع شَرْطٌ وقسمٌ أجِيبَ سابقُهما إلا في صُورة تَقدّم التَّنْبِيه عليها{[11498]} .

وقال الزَّمَخْشَرِي{[11499]} : " فإن قلت : لِم جاء الشَّرْط بلفظ الفِعْل ، والجزاء بلفظ اسم الفاعل ، وهو قوله " لَئِنْ بَسَطْتَ " ، { ما أنَا بِبَاسِطٍ } ؛ قلت : ليفيد أنه لا يفعلُ هذا الوَصْفَ الشَّنِيع ، ولذلك أكَّدَهُ ب " الباء " المفيدة لِتَأكِيد النَّفْي " .

وناقَشَهُ أبُو حيَّان{[11500]} في قوله : [ إنَّ ]{[11501]} { ما أنا بِبَاسِطٍ } جزاء للشَّرْط .

قال : لأنَّ هذا الجواب لِلقَسَم لا للشَّرط قال : " لأنه لو كان جواباً للشَّرط للزمته الفاء لِكَوْنه منفيًّا ب " ما " والأداة جَازِمة ، وللزِمَهُ أيضاً تلك القَاعِدة ، وهو كَوْنه لم يجب الأسْبَق منهما " وهذا ليس بشيء ؛ لأن الزَّمَخْشَرِيَّ سماه جزاء للشَّرط لما كان دالاًّ على جزاء الشَّرْط ، ولا نَكِيرَ في ذلك [ ولكنه مُغْرى بأن يقال : قد اعترض على الزَّمَخْشَرِي ]{[11502]} .

وقال أيضاً : وقد خالف الزمخشريّ كلامه هنا بما ذكره في " البَقَرة " في قوله تعالى { وَلَئِنْ أَتَيْتَ الَّذِينَ } [ البقرة : 145 ] ، من كونه جعله جواباً للقسم سادًّا مسدّ جوابِ الشَّرْط ، وقد تقدَّم بحثه مَعَهُ هناك .

فصل في معنى الآية

ومعنى قوله " بَسَطْتَ " أي : مَددْتَ إليَّ يدكَ لِتَقْتُلَنِي ما أنَا بباسطٍ يدي إليْكَ لأقْتُلَكَ إنِّي أخافُ الله ربَّ العالمِين " {[11503]} قال عبدُ الله بن عمرو - رضي الله عنهما - : وايمُ الله إن كان المَقْتُول أشدَّ الرَّجُلَين ، ولكن مَنَعَهُ التَّحَرُّج أن يَبْسُطَ إلى أخيه يده{[11504]} ، وهذا في الشَّرْعِ جَائِز لمن أُريد قَتْلُهُ أن يَنْقَاد ويَسْتَسْلِم طلباً للأجْر ، كما فعل عُثْمان - رضي الله تعالى عنه - وقال النبي صلى الله عليه وسلم لمحمَّد بن مسلمة - رضي الله عنه - " ألق كمك على وجهك وكن عبد الله المَقْتُول ولا تكن عبد الله القاتِل " {[11505]} .

وقال مجاهد : " كتب عليهم في ذلك الوَقْتِ إذا أراد رَجُلٌ قَتْلَ رجل أنَّه لا يَمْتَنِع ويصْبر " {[11506]} .


[11498]:وهي أن يتقدم ذو خبر فإذا تقدم غلب الشرط.
[11499]:ينظر: الكشاف (1/625).
[11500]:ينظر: البحر المحيط 3/477.
[11501]:سقط في أ.
[11502]:سقط في أ.
[11503]:قال أحد العلماء: الدافع عن نفسه يجب عليه أن يدفع بالأيسر فالأيسر، وليس له أن يقصد القتل بل يجب عليه أن يقصد الدفع، ثم إن لم يندفع إلا بالقتل جاز له ذلك. ينظر: تفسير الرازي 11/163، القرطبي 6/90.
[11504]:أخرجه الطبري في تفسيره" (4/532) عن عبد الله بن عمرو.
[11505]:له شواهد من حديث خباب بن الأرت وابن مسعود وغيرهما وقد ذكرها جميعا السيوطي في "الدر المنثور" (2/275) والعجلوني في كشف الخفا (2/134).
[11506]:أخرجه الطبري في "تفسيره"(4/532) عن مجاهد، وينظر: تفسير الرازي 11/163.