البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{لَئِنۢ بَسَطتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقۡتُلَنِي مَآ أَنَا۠ بِبَاسِطٖ يَدِيَ إِلَيۡكَ لِأَقۡتُلَكَۖ إِنِّيٓ أَخَافُ ٱللَّهَ رَبَّ ٱلۡعَٰلَمِينَ} (28)

{ لئن بسطت إليّ يدك لتقتلني ما أنا بباسط يدي إليك لأقتلك } قال ابن عباس : المعنى ما أنا بمنتصر لنفسي .

وقال عكرمة : المعنى ما كنت لأبتدئك بالقتل .

وقال مجاهد والحسن : لم يكن الدفع عن النفس في ذلك الوقت جائزاً .

وقال عبد الله بن عمرو وابن عباس والجمهور : كان هابيل أشد قوّة من قابيل ، ولكنه تحرج من القتل ، وهذا يدل على أن القاتل ليس بكافر وإنما هو عاص ، إذ لو كان كافراً لما تحرّج هابيل من قتله ، وإنما استسلم له كما استسلم عثمان بن عفان .

وقيل : إنما ترك الدفع عن نفسه لأنه ظهرت له مخيلة انقضاء عمره فبنى عليها ، أو بإخبار أبيه ، وكما جرى لعثمان إذ بشره الرسول بالجنة على بلوى تصيبه ، ورآه في اليوم الذي قتل في النوم وهو يقول : »إنك تفطر الليلة عندنا« فترك الدفع عن نفسه حتى قتل ، وقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : " الق على وجهك وكن عبد الله المقتول ولا تكن عبد الله القاتل " .

وقيل : إنّ هابيل لاحت له أمارات غلبة الظن من قابيل على قتله ، ولكن لم يتحقق ذلك ، فذكر له هذا الكلام قبل الإقدام على القتل ليزدجر عنه وتقبيحاً لهذا الفعل ، ولهذا يروى أنّ قابيل صبر حتى نام هابيل فضرب رأسه بحجر كبير فقتله .

وقال ابن جرير : ليس في الآية دليل على أنّ المقتول علم عزم القاتل على قتله ، ثم ترك الدفع عن نفسه .

قال الزمخشري : ( فإن قلت ) : لم جاء الشرط بلفظ الفعل والجزاء بلفظ اسم الفاعل ، وهو قوله : لئن بسطت ما أنا بباسط ، ( قلت ) : ليفيد أنه لا يفعل ما يكتسب به هذا الوصف الشنيع ، ولذلك أكده بالباء المؤكدة للنفي انتهى .

وأورد أبو عبد الله الرازي هذا السؤال والجواب ولم ينسبه للزمخشري ، وهو كلام فيه انتقاد .

وذلك أن قوله : ما أنا بباسط ، ليس جزاء بل هو جواب للقسم المحذوف قبل اللام في لئن المؤذنة بالقسم والموطئة للجواب ، لا للشرط .

وجواب الشرط محذوف لدلالة جواب القسم عليه ، ولو كان جواباً للشرط لكان بالفاء ، فإنه إذا كان جواب الشرط منفياً بما فلا بد من الفاء كقوله : { وإذا تتلى عليهم آياتنا بينات } ما كان حجتهم إلا أن قالوا : ولو كان أيضاً جواباً للشرط للزم من ذلك خرم القاعدة النحوية من أنه إذا تقدم القسم على الشرط فالجواب للقسم لا للشرط .

وقد خالف الزمخشري كلامه هذا بما ذكره في البقرة في قوله : { ولئن أتيت الذين أوتوا الكتاب بكل آية ما تبعوا قبلتك } فقال : ما تبعوا جواب القسم المحذوف سد مسد جواب الشرط ، وتكلمنا معه هناك فينظر .

{ إني أخاف الله رب العالمين } هذا ذكر لعلة الامتناع في بسط يده إليه للقتل ، وفيه تنبيه على أن القاتل لا يخاف الله .