فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{لَئِنۢ بَسَطتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقۡتُلَنِي مَآ أَنَا۠ بِبَاسِطٖ يَدِيَ إِلَيۡكَ لِأَقۡتُلَكَۖ إِنِّيٓ أَخَافُ ٱللَّهَ رَبَّ ٱلۡعَٰلَمِينَ} (28)

قوله : { لَئِن بَسَطتَ إِلَىَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي } أي لأن قصدت قتلي ، واللام هي الموطئة ، و { مَا أَنَاْ بِبَاسِطٍ } جواب القسم سادّ مسدّ جواب الشرط ، وهذا استسلام للقتل من هابيل ، كما ورد في الحديث : «إذا كانت الفتنة فكن كخير ابني آدم » ، وتلا النبي صلى الله عليه وسلم هذه الآية . قال مجاهد : كان الفرض عليهم حينئذ أن لا يسل أحد سيفاً وأن لا يمتنع ممن يريد قتله ، قال القرطبي : قال علماؤنا : وذلك مما يجوز ورود التعبد به ، إلا أن في شرعنا يجوز دفعه إجماعاً ، وفي وجوب ذلك عليه خلاف .

والأصح وجوب ذلك لما فيه من النهي عن المنكر ، وفي الحشوية قوم لا يجوّزون للمصول عليه الدفع ، واحتجوا بحديث أبي ذرّ ، وحمله العلماء على ترك القتال في الفتنة ، وكفّ اليد عند الشبهة ، على ما بيناه في كتاب التذكرة ، انتهى كلام القرطبي . وحديث أبي ذرّ المشار إليه هو عند مسلم ، وأهل السنن إلا النسائي ، وفيه «أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له : " يا أبا ذرّ أرأيت إن قتل الناس بعضهم بعضاً كيف تصنع ؟ " قلت : الله ورسوله أعلم ، قال : " اقعد في بيتك وأغلق عليك بابك " ، قال : فإن لم أترك ، قال : " فأت من أنت منهم فكن فيهم " ، قال : فآخذ سلاحي ؟ قال : " إذن تشاركهم فيما هم فيه ، ولكن إن خشيت أن يردعك شعاع السيف ، فألق طرف ردائك على وجهك كي يبوء بإثمه وإثمك " وفي معناه أحاديث عن جماعة من الصحابة سعد بن أبي وقاص وأبي هريرة وخباب بن الأرثّ وأبي بكر وابن مسعود وأبي واقد وأبي موسى .

/خ31