فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{لَئِنۢ بَسَطتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقۡتُلَنِي مَآ أَنَا۠ بِبَاسِطٖ يَدِيَ إِلَيۡكَ لِأَقۡتُلَكَۖ إِنِّيٓ أَخَافُ ٱللَّهَ رَبَّ ٱلۡعَٰلَمِينَ} (28)

{ لئن بسطت إلي يدك لتقتلني } أي لئن قصدت قتلي واللام هي الموطئة للقسم { ما أنا بباسط يدي إليك لأقتلك } هذا استسلام للقتل من هابيل كما ورد في الحديث ( إذا كانت الفتنة فكن كخير ابني آدم ) وتلا النبي صلى الله عليه وسلم هذه الآية قال مجاهد : كان الفرض عليهم حينئذ أن لا يسل أحد سيفا ، وأن لا يمنع ممن يريد قتله ، وعن ابن جريج نحوه .

قال القرطبي : قال علماؤنا وذلك مما يجوز ورود التعبد به إلا أن في شرعنا يجوز دفعه إجماعا ، وفي وجوب ذلك عليه خلاف والأصح وجوب ذلك لما فيه من النهي عن المنكر ، وفي الحشوية قوم لا يجوزون للمصول عليه الدفع ، واحتجوا بحديث أبي ذر ، وحمله العلماء على ترك القتال في الفتنة وكف اليد عند الشبهة على ما بيناه في كتاب التذكر إ ه كلامه .

وحديث أبي ذر المشار إليه هو عند مسلم وأهل السنن إلا النسائي وفيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له : ( يا أبا ذر أرأيت إن قتل الناس بعضهم بعضا كيف تصنع ، قلت : الله ورسوله أعلم قال : اقعد في بيتك وأغلق عليك بابك قال : فإن لم أترك ؟ قال : فأت من أنت منهم فكن فيهم ، قال : فآخذ سلاحي ؟ قال إذن تشاركهم فيما فيه ولكن إن خشيت أن يروعك شعاع السيف فألق طرف ردائك على وجهك كي يبوء بإثمه وإثمك ) {[620]} ، وفي معناه أحاديث عن جماعة الصحابة ، وقيل معناه ما كنت بمبتديك بالقتل{[621]} .

{ إني أخاف الله } في بسط يدي إليك إن بسطتها لقتلك أن يعاقبني على ذلك { رب العالمين } قيل : كان المقتول أقوى من القاتل وأبطش منه ولكنه تحرج عن قتل أخيه فاستسلم له خوفا من الله ، لأن الدفع لم يكن مباحا في ذلك الوقت .


[620]:أحمد بن حنبل5/149.
[621]:جاء في"المسند"5/226، والبخاري6/262، 12/169، 13/256، ومسلم1303، والترمذي2/92، والنسائي7/82، وابن ماجه2/873 من حديث ابن مسعود مرفوعا، ولفظه"لا تقتل نفس ظلما إلا كان ابن آدم الأول كفل من دمها، لأنه أول من سن القتل" وقوله: "كفل منها" الكفل، بكسر أوله وسكون الفاء: النصيب، وأكثر ما يطلق على الأجر، والضعف على الإثم. ومنه قوله تعالى:{كفلين من رحمته} (الحديث: 28) ووقع الإثم في قوله تعالى: {ومن يشفع شفاعة سيئة يكن له كفل منها} (النساء: 85).