وبعد هذا التصوير الأمين لحججهم وأقوالهم ، ساق - سبحانه - الرد الذى يدفع تلك الحجج والأقوال فقال : { قَدْ عَلِمْنَا مَا تَنقُصُ الأرض مِنْهُمْ } .
أى : قد علمنا علما تاما دقيقا ما تأكله الأرض من أجسادهم بعد موتهم ، ومن علم ذلك لا يعجزه أن يعيدهم إلى الحياة مرة أخرى .
وقوله - سبحانه - : { وَعِندَنَا كِتَابٌ حَفِيظٌ } تأكيد وتقرير لما قبله .
أى : وعندنا بجانب علمنا الشامل الدقيق . كتاب حافظ لجميع أحوال العباد ، ومسجلة فيه أقوالهم ، والمراد بهذا الكتاب : اللوح المحفوظ .
والتعقيب يعمق هذه اللمسة ويقوي وقعها ؛ وهو يصور الأرض تأكل منهم شيئا فشيئا :
( قد علمنا ما تنقص الأرض منهم ، وعندنا كتاب حفيظ ) . .
لكأنما التعبير يجسم حركة الأرض ويحييها وهي تذيب أجسادهم المغيبة فيها ، وتأكلها رويدا رويدا . ويصور أجسادهم وهي تتآكل باطراد وتبلى . ليقول : إن الله يعلم ما تأكله الأرض من أجسادهم ، وهو مسجل في كتاب حفيظ ؛ فهم لا يذهبون ضياعا إذا ماتوا وكانوا ترابا . أما إعادة الحياة إلى هذا التراب ، فقد حدثت من قبل ، وهي تحدث من حولهم في عمليات الإحياء المتجددة التي لا تنتهي .
وهكذا تتوالى اللمسات التي تذيب القلوب وترققها ، وتدعها حساسة متوفزة جيدة الاستقبال . وذلك قبل البدء في الهجوم على القضية ذاتها !
قال الله تعالى رادًّا عليهم : { قَدْ عَلِمْنَا مَا تَنْقُصُ الأرْضُ مِنْهُمْ } أي : ما تأكل من أجسادهم في البلى ، نعلم ذلك ولا يخفى علينا أين تفرقت الأبدان ؟ وأين ذهبت ؟ وإلى أين صارت ؟ { وَعِنْدَنَا كِتَابٌ حَفِيظٌ } أي : حافظ لذلك ، فالعلم شامل ، والكتاب أيضًا فيه كل الأشياء مضبوطة .
قال العوْفِي ، عن ابن عباس في قوله : { قَدْ عَلِمْنَا مَا تَنْقُصُ الأرْضُ مِنْهُمْ } أي : ما تأكل من لحومهم وأبشارهم ، وعظامهم وأشعارهم . وكذا قال مجاهد ، وقتادة ، والضحاك ، وغيرهم .
{ قد علمنا ما تنقص الأرض منهم } ما تأكل من أجساد موتاهم ، وهو رد لاستبعادهم بإزاحة ما هو الأصل فيه ، وقيل إنه جواب القسم واللام محذوف لطول الكلام . { وعندنا كتاب حفيظ } حافظ لتفاصيل الأشياء كلها ، أو محفوظ عن التغيير ، والمراد إما تمثيل علمه بتفاصيل الأشياء بعلم من عنده كتاب محفوظ يطالعه ، أو تأكيد لعلمه بها بثبوتها في اللوح المحفوظ عنده .
و «الحفيظ » : الجامع الذي لم يفته شيء . وقال الرماني : { حفيظ } متبع أن يذهب ببلى ودروس ، وروي في الخبر الثابت : أن الأرض تأكل ابن آدم إلا عجب الذنب{[10513]} ، وهو عظم كالخرجلة ، فمنه يركب ابن آدم ، وحفظ ما تنقص الأرض إنما هو ليعود بعينه يوم القيامة ، وهذا هو «الحق » . وذهب بعض الأصوليين غلى أن الأجساد المبعثرة يجوز أن تكون غير هذه ، وهذا عندي خلاف لظاهر كتاب الله ولو كانت غيرها فكيف كانت تشهد الأيدي والأرجل على الكفرة إلى غير ذلك مما يقتضي أن أجساد الدنيا هي التي تعود . وقال ابن عباس ومجاهد والجمهور ، المعنى : ما تنقص من لحومهم وأبشارهم وعظامهم . وقال السدي معنى قوله : { قد علمنا ما تنقص الأرض منهم } أي ما يحصل في بطنها من موتاهم ، وهذا قول حسن مضمنه الوعيد .
وقال ابن عباس أيضاً في ما حكى الثعلبي ، ممعناه : قد علمنا ما تنقص أرض الإيمان من الكفرة الذين يدخلون في الإيمان ، وهذا قول أجنبي من المعنى الذي قبل وبعد .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.