المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية  
{قَدۡ عَلِمۡنَا مَا تَنقُصُ ٱلۡأَرۡضُ مِنۡهُمۡۖ وَعِندَنَا كِتَٰبٌ حَفِيظُۢ} (4)

و «الحفيظ » : الجامع الذي لم يفته شيء . وقال الرماني : { حفيظ } متبع أن يذهب ببلى ودروس ، وروي في الخبر الثابت : أن الأرض تأكل ابن آدم إلا عجب الذنب{[10513]} ، وهو عظم كالخرجلة ، فمنه يركب ابن آدم ، وحفظ ما تنقص الأرض إنما هو ليعود بعينه يوم القيامة ، وهذا هو «الحق » . وذهب بعض الأصوليين غلى أن الأجساد المبعثرة يجوز أن تكون غير هذه ، وهذا عندي خلاف لظاهر كتاب الله ولو كانت غيرها فكيف كانت تشهد الأيدي والأرجل على الكفرة إلى غير ذلك مما يقتضي أن أجساد الدنيا هي التي تعود . وقال ابن عباس ومجاهد والجمهور ، المعنى : ما تنقص من لحومهم وأبشارهم وعظامهم . وقال السدي معنى قوله : { قد علمنا ما تنقص الأرض منهم } أي ما يحصل في بطنها من موتاهم ، وهذا قول حسن مضمنه الوعيد .

وقال ابن عباس أيضاً في ما حكى الثعلبي ، ممعناه : قد علمنا ما تنقص أرض الإيمان من الكفرة الذين يدخلون في الإيمان ، وهذا قول أجنبي من المعنى الذي قبل وبعد .


[10513]:روى مسلم في صحيحه، وأبو داود، والنسائي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (كل ابن آدم يأكله التراب إلا عجب الذنب، منه خُلق، ومنه يركب)، وهو عن أبي هريرة رضي الله عنه، وقد أورده الإمام السيوطي في (الجامع الصغير)، ورمز له بأنه صحيح. والعجب-بسكون الجيم-: العظم الذي في أسفل الصلب عند العجُز، وفي اللسان أنه ما انضم عليه الورِكان من أصل الذنب المغروز في مؤخر العَجُز.