اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{قَدۡ عَلِمۡنَا مَا تَنقُصُ ٱلۡأَرۡضُ مِنۡهُمۡۖ وَعِندَنَا كِتَٰبٌ حَفِيظُۢ} (4)

قوله تعالى : { قَدْ عَلِمْنَا مَا تَنقُصُ الأرض مِنْهُمْ } أي تأكل من لحومِهِم ودمائِهِم وعِظَامهم ، لا يعزب عن علمه شيء . وقال السدي : هو الموت يَقُول : قد علمنا من يموتُ منهم ، ومن يبقى{[52271]} .

وهذه الآية تدل على جواز البعث وقدرته تعالى عليه ، لأن الله سبحانه وتعالى عالم بأجزاء كل واحد من الموتى لا يشتبه عليه جزء واحد بجزء الآخر ، وقادر على الجمع والتأليف فليس الرجعُ منه ببعيدٍ ، وهذا كقوله تعالى : { وَهُوَ الخلاّق العليم }{[52272]} . حيث جعل العلم مدخلاً في الإعادة وهذا جواب لِمَا كانوا يقولون : { أَئذَا ضَلَلْنَا فِي الأرض } [ السجدة : 10 ] أي أنه تعالى كما يعلم أجزاءهم يعلم أعمالهم فيرجعهم ويعذبهم بما كانوا يقولون وبما كانوا يعملون .

قوله تعالى : { وَعِندَنَا كِتَابٌ حَفِيظٌ } أي محفوظ من الشياطين ومن أن يَدْرِس أو يتغيَّر . وهو اللوح المحفوظ . وقيل : معناه حافظ لعدتهم وأسمائهم وأعمالهم . قال ابن الخطيب : وهذا هو الأصحّ ؛ لأن الحفيظ بمعنى الحافظ وارد في القرآن قال تعالى : { وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ } [ هود 86 ] وقال : { الله حَفِيظٌ عَلَيْهِمْ } [ الشورى : 6 ] ولأن الكتاب للتمثيل ومعناه : العلم عندي كما يكون في الكتاب ، فهو يحفظ الأشياء وهو مستغن عن أن يحفظ{[52273]} .


[52271]:81 من سورة يس. وانظر تفسير العلامتين البغوي والخازن 6/233 و234.
[52272]:قاله الرازي في مرجعه السابق.
[52273]:الرازي المرجع السابق وانظر البغوي 6/233 ولباب التأويل للخازن نفس الجزء والصفحة.