السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{قَدۡ عَلِمۡنَا مَا تَنقُصُ ٱلۡأَرۡضُ مِنۡهُمۡۖ وَعِندَنَا كِتَٰبٌ حَفِيظُۢ} (4)

وقوله تعالى : { قد علمنا } أي : بما لنا من العظمة { ما تنقص الأرض منهم } أي : تأكل من أجزائهم المتحللة من أبدانهم بعد الموت . وقبله رد لاستبعادهم لأنّ من لطف علمه حتى تغلغل إلى ما تنقص الأرض من أجزاء الموتى وتأكله من لحومهم وعظامهم كان قادراً على رجعهم أحياءً كما كانوا وعنه عليه الصلاة والسلام «كل ابن آدم يبلي إلا عجب الذنب » وعن السدّي ما تنقص الأرض منهم من يموت منهم ومن يبقى . وهذه الآية تدل على جواز البعث وقدرته تعالى عليه لأنّ الله تعالى عالم بأجزاء كل واحد من الموتى لا يشتبه عليه جزء واحد بجزء الآخر قادر على الجمع والتأليف فليس الرجع منه ببعيد وهذا كقوله تعالى : { وهو الخلاق العليم } [ يس : 81 ] حيث جعل للعلم مدخلاً في الإعادة وهذا جواب ما كانوا يقولون أئذا ضللنا في الأرض أي أنه تعالى كما يعلم أجزاءهم يعلم أعمالهم فيرجعهم ويعيدهم بما كانوا يقولون وبما كانوا يعملون { وعندنا } أي : على مالنا من الغنى من كل شيء { كتاب } أي : جامع لكل شيء { حفيظ } أي بالغ في الحفظ لا يشذ عنه شيء من الأشياء جل أو دق وقيل محفوظ من الشياطين ومن أن يندرس أو يغير وعلى الحالين الحفيظ هو اللوح المحفوظ . قال الرازي : والأوّل هو الأصح لأنّ الحفيظ بمعنى الحافظ وارد في القرآن قال الله تعالى : { وما أنا عليكم بحفيظ } [ الأنعام : 104 ] وقال تعالى { حفيظ عليهم } [ الشورى : 6 ] ولأن الكتاب للتمثيل ومعناه العلم عندي كما يكون في الكتاب فهو يحفظ الأشياء وهو مستغن عن أن يحفظ .