{ فلما آتاهم من فضله بخلوا به وتولوا وهم معرضون فأعقبهم } ، فأخلفهم . { نفاقاً } في { قلوبهم } ، أي : صبر عاقبة أمرهم النفاق ، يقال : أعقب فلانا ندامة إذا صبر عاقبة أمره ذلك . وقيل : عاقبهم بنفاق قلوبهم . يقال : عاقبته وأعقبته بمعنى واحد . { إلى يوم يلقونه } ، يريد حرمهم التوبة إلى يوم القيامة ، { بما أخلفوا الله ما وعدوه وبما كانوا يكذبون } . أخبرنا أبو عبد الله محمد بن الفضل الخرقي ، ثنا أبو الحسن علي بن عبد الله الطيسفوني ، ثنا عبد الله بن عمر الجوهري ، ثنا أحمد بن علي الكشمهيني ، ثنا علي بن حجر ، ثنا إسماعيل بن جعفر ثنا أبو سهيل نافع عن مالك عن أبيه عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " آية المنافق ثلاث : إذا حدث كذب ، وإذا وعد أخلف ، وإذا ائتمن خان " .
فلما لم يفوا بما عاهدوا اللّه عليه ، عاقبهم { فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا فِي قُلُوبِهِمْ } مستمرا { إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُوا اللَّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ }
فليحذر المؤمن من هذا الوصف الشنيع ، أن يعاهد ربه ، إن حصل مقصوده الفلاني ليفعلن كذا وكذا ، ثم لا يفي بذلك ، فإنه ربما عاقبه اللّه بالنفاق كما عاقب هؤلاء .
وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الثابت في الصحيحين : { آية المنافق ثلاث : إذا حدث كذب ، وإذا عاهد غدر ، وإذا وعد أخلف }
فهذا المنافق الذي وعد اللّه وعاهده ، لئن أعطاه اللّه من فضله ، ليصدقن وليكونن من الصالحين ، حدث فكذب ، وعاهد فغدر ، ووعد فأخلف .
وقوله : { فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقاً فِي قُلُوبِهِمْ إلى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ } تصوير للآثار الذميمة التي ترتبت على بخلهم وإعراضهم عن الحق والخير .
أى : فجعل الله - تعالى - عاقبة فعلهم نفاقا وسوء اعتقاد في قلوبهم إلى يوم يلقونه للحساب ، فيجازيهم بما يستحقون على بخلهم وإعراضهم عن الحق .
فالضمير المستتر في " أعقب " لله - تعالى - وكذا الضمير المنصوف في قوله : " يلقونه " .
ويصح أن يكون الضمير في " أعقب " يعود على البخل والتولى والإِعراض ، فيكون المعنى : فأعقبهم وأورثهم ذلك البخل والإِعراض عن الحق والخير ، نفاقاً راسخا في قلوبهم ، وممتدا في نفوسهم إلى اليوم الذي يلقون فيه ربهم ، فيعاقبهم عقابا أليما على سوء أعمالهم .
والباء في قوله : { بِمَآ أَخْلَفُواْ الله مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُواْ يَكْذِبُونَ } للسببية .
أى : أن النفاق قد باض وفرخ في قلوبهم إلى يوم يلقون الله - تعالى - ، بسبب إخلافهم لوعودهم مع خالقهم ، وبسبب استمرارهم على الكذب ، ومداومتهم عليه .
والذي يعاهد اللّه ثم يخلف العهد ، والذي يكذب على اللّه فلا يفي بما وعد ، لا يسلم قلبه من النفاق :
" آية المنافق ثلاث : إذا حدث كذب ، وإذا وعد أخلف ، وإذا ائتمن خان " .
فلا جرم يعقب إخلاف العهد والكذب على اللّه نفاقاً دائماً في قلوب تلك الطائفة التي تشير إليها الآية :
( فأعقبهم نفاقاً في قلوبهم إلى يوم يلقونه بما أخلفوا اللّه ما وعدوه وبما كانوا يكذبون )
وقوله تعالى : { بِمَا أَخْلَفُوا اللَّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ } أي : أعقبهم النفاق في قلوبهم بسبب إخلافهم الوعد وكذبهم ، كما جاء في الصحيح ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : " آية المنافق ثلاث : إذا حدث كذب ، وإذا وعد أخلف ، وإذا اؤتمن خان " {[13698]} وله شواهد كثيرة ، والله أعلم .
{ فأعقبهم نفاقا في قلوبهم } أي فجعل الله عاقبة فعلهم ذلك نفاقا وسوء اعتقاد في قلوبهم ، ويجوز أن يكون الضمير للبخل والمعنى فأورثهم البخل نفاقا متمكنا في قلوبهم . { إلى يوم يلقونه } يلقون الله بالموت أو يلقون عملهم أي جزاءه وهو يوم القيامة { بما أخلفوا الله ما وعدوه } بسبب إخلافهم ما وعدوه من التصدق والصلاح . { وبما كانوا يكذبون } وبكونهم كاذبين فيه فإن خلف الوعد متضمن لكذب مستقبح من الوجهين أو المقال مطلقا وقرئ { يكذبون } بالتشديد .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.