غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{فَأَعۡقَبَهُمۡ نِفَاقٗا فِي قُلُوبِهِمۡ إِلَىٰ يَوۡمِ يَلۡقَوۡنَهُۥ بِمَآ أَخۡلَفُواْ ٱللَّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُواْ يَكۡذِبُونَ} (77)

70

وفي الآية دلالة على أن الرجل حين عاهد بهذا العهد كان مسلماً ثم إنه لما بخل بالمال ولم يف بالعهد صار منافقاً ويؤكده قوله سبحانه { فاعقبهم نفاقاً } عن الحسن وقتادة أن أعقب مسند إلى ضمير البخل أي أورثهم البخل نفاقاً متمنكاً في قلوبهم لأنه كان سبباً فيه وباعثاً عليه ، وكذا التأويل إن جعل عائداً إلى التولي أو الإعراض . وضعت بأن حاصل هذه الأمور كونه تاركا لأداء الواجب وذلك لا يمكن جعله مؤثراً في حصول النفاق في القلب لأن ترك الواجب عدم والنفاق جهل وكفر وهو أمر وجودي والعدم لا يؤثر في الوجود ، ولأن هذه الترك قد يوجد في حق كثير من الفساق مع أنه لا يحصل معه النفاق ، ولأنه لو أوجب حصول الكفر في القلب لأوجبه سواء كان الترك جائزاً شرعاً أو محرماً فسبب اختلافات الأحكام الشرعية لا يخرج السبب عن كونه مؤثراً ، ولأن البخل أو التولي أو الإعراض هو بعينه خلاف ما وعدوا الله به فيصير تقدير الآية إن التولي أوجب النفاق بسبب التولي وهذا كلام كما ترى فلم يبق إلا أن يسند الفعل إلى الله تعالى فيكون فيه دليل على أن خالق الكفر في القلوب هو الله ، ومن هنا قال الزجاج : معناه أنهم لما ضلوا في الماضي فالله تعالى يضلهم عن الدين في المستقبل ومما يؤكد القول بأن الضمير في { أعقب } لله أن الضمير في قوله { إلى يوم يلقونه } عائد إلى الله . وللمعتزلة أن يقولوا : النفاق وإن سلم أنه وجودي لكنه أمر شرعي ولا يبعد جعل شيء عدمي أمارة عليه . وأيضاً الترك المقرون بالتولي والإعراض لا نسلم أنه لا يحصل معه النفاق ، ولا يلزم من كون الترك المحرم موجباً للكفر بجعل الشارع كون الترك الجائز كذلك ، ولا نسلم أن البخل هو بعينه إخلاف الوعد والكذب بل قد يقع البخل من غير سبق وعد . سلمنا عود الضمير إلى الله لكن من أين يلزم كونه خالقاً للكفر والنفاق ، ولم لا يجوز أن يراد فأعقبهم الله العقوبة على النفاق بإحداث الغم في قلوبهم وضيق الصدور ما ينالهم من الذل والخوف ، أو يراد فخذلهم حتى نافقوا وتمكن في قلوبهم نفاقهم فلا ينفك عنها إلى أن يموتوا ؟ ولأهل السنة أن يقولوا هذا عدول عن الظاهر مع أن الدلائل الدالة على وجوب انتهاء الكل إلى مشيئة الله وتقديره تعضد ما قلناه . قال العلماء : ظاهر الآية يدل على أن نقض العهد وخلف الوعد يورث النفاق ، فعلى المسلم أن يبالغ في الاحتراز عنه . ومذهب الحسن البصري أن نقض العهد يوجب النفاق لا محالة تمسكاً بهذه الآية وبقوله صلى الله عليه وسلم «ثلاث من كنّ فيه فهو منافق وإن صلى وصام وزعم أنه مؤمن إذا حدث كذب وإذا وعد أخلف وإذا أؤتمن خان » وقال عطاء بن أبي رباح : حدثني جابر بن عبد الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما ذكر قوله «ثلاث من كن فيه فهو منافق » في المنافقين خاصة الذين حدثوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فكذبوه واؤتمنوا على سره فخانوه ووعدوه أن يخرجوا معه إلى الغزو فأخلفوه . ونقل أن عمرو بن عبيد فسر الحديث فقال : إذا حدث عن الله كذب عليه وعلى دينه ورسوله ، وإذا وعد أخلف كما ذكره الله فيمن عاهده ، وإذا أؤتمن على دين الله خان في السر وكان قلبه على خلاف لسانه . ونقل أن واصل بن عطاء أرسل إلى الحسن رجلاً فقال : إن أولاد يعقوب حدثوه في قولهم { فأكله الذئب } [ يوسف : 17 ] فكذبوا ، ووعدوه في قولهم { وإنّا له لحافظون } [ يوسف : 12 ] فأخلفوا وائتمنهم أبوهم على يوسف فخانوه ، فهل تحكم بكونهم منافقين ؟ فتوقف الحسن في مذهبه . قال أهل التفسير : قوله { إلى يوم يلقونه } دل على أن ذلك المعاهد يموت على ذلك وكان كما أخبر فيكون إخباراً بالغيب ومعجزاً . قال الجبائي : هذا اللقاء لا شك أنه ليس بمعنى الرؤية لأن الكفار لا يرونه بالاتفاق فدل على أن اللقاء في القرآن ليس بمعنى الرؤية ، وضعف بأنه لا يلزم من عدم كون هذا اللقاء بمعنى الرؤية كون كل لقاء ورد في القرآن كذلك كقوله { الذين يظنون أنهم ملاقوا ربهم } [ البقرة : 46 ] .

/خ79