البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{فَأَعۡقَبَهُمۡ نِفَاقٗا فِي قُلُوبِهِمۡ إِلَىٰ يَوۡمِ يَلۡقَوۡنَهُۥ بِمَآ أَخۡلَفُواْ ٱللَّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُواْ يَكۡذِبُونَ} (77)

والظاهر أنّ الضمير في فأعقبهم هو عائد على الله ، عاقبهم على الذنب بما هو أشد منه .

قال الزمخشري : خذلهم حين نافقوا ، وتمكن من قلوبهم نفاقهم فلا ينفك عنها إلى أنْ يموتوا بسبب إخلافهم ما وعدوا الله من التصدق والصلاح وكونهم كاذبين ، ومنه خلف الموعد ثلث النفاق انتهى .

وقوله : خذلهم هو لفظ المعتزلة .

وقال الحسن وقتادة : الضمير في فاعقبهم للبخل ، أي فأورثهم البخل نفاقاً متمكناً في قلوبهم .

وقال أبو مسلم : فأعقبهم أي البخل والتولي والإعراض .

قال ابن عطية : يحتمل أن يكون نفاق كفر ، ويكون تقرير ثعلبة بعد هذا النص والإبقاء عليه لمكان إظهاره الإسلام ، وتعلقه بما فيه احتمال .

ويحتمل أن يكون نفاق معصية وقلة استقامة ، فيكون تقريره صحيحاً ، ويكون ترك قبول الزكاة منه عقاباً له ونكالاً .

وهذا نحو ما روي أنّ عاملاً كتب إلى عمر بن عبد العزيز أنّ فلاناً يمنع الزكاة ، فكتب إليه : أن دَعه ، واجعل عقوبته أن لا يؤدي الزكاة مع المسلمين ، يريد لما يلحقه من المقت في ذلك .

والظاهر عود الضمير في : يلقونه ، على الله تعالى .

وقيل : يلقون الجزاء .

فقيل : جزاء بخلهم .

وقيل : جزاء أفعالهم .

وقرأ أبو رجاء : يكذبون بالتشديد .

ولفظه : فأعقبهم نفاقاً ، لا تدل ولا تشعر بأنه كان مسلماً ، ثم لما بخل ولم يف بالعهد صار منافقاً كما قال أبو عبد الله الرازي ، لأن المعقب نفاق متصل إلى وقت الموافاة ، فهو نفاق مقيد بغاية ، ولا يدل المقيد على انتفاء المطلق قبله .

وإذا كان الضمير عائداً على الله فلا يكون اللقاء متضمناً رؤية الله لإجماع العلماء على أنّ الكفار لا يرون الله ، فالاستدلال باللقاء على الرؤية من قوله تعالى : { تحيتهم يوم يلقونه سلام } ليس بظاهر ، ولقوله : «من حلف على يمين كاذبة ليقطع حق امرىء مسلم لقي الله وهو عليه غضبان » وأجمعوا على أنّ المراد هنا لقي ما عند الله من العقاب .