الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي بن ابي طالب - مكي ابن أبي طالب  
{فَأَعۡقَبَهُمۡ نِفَاقٗا فِي قُلُوبِهِمۡ إِلَىٰ يَوۡمِ يَلۡقَوۡنَهُۥ بِمَآ أَخۡلَفُواْ ٱللَّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُواْ يَكۡذِبُونَ} (77)

{ فأعقبهم } الله عز وجل ، بذنوبهم { نفاقا في قلوبهم إلى يوم يلقونه }[ 77 ] ، أي : يموتون .

وفعل ذلك بهم عقوبة لبخلهم ، ونقضهم ما عاهدوا الله عليه{[29327]} .

وهذه الآية نزلت في ثعلبة بن حاطب{[29328]} ، قال للنبي صلى الله عليه وسلم : ادع الله أن يرزقني مالا أتصدق به ، فقال له النبي عليه السلام : " ويحك يا ثعلبة ، قليل تؤدي شكره ، خير من كثير لا تطيقه " ، ثم عاود ثانية ، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : " أما ترضى أن تكون مثل نبي الله ، فوالذي نفسي بيده ، لو شئت أن تسير معي{[29329]} الجبال ذهبا وفضة لسارت " ، فقال : والذي بعثك بالحق لئن دعوت الله يرزقني لأعطين كل ذي حق حقه ، فدعا له النبي صلى الله عليه وسلم ، فاتخذ غنما ، فنمت كما تنمي{[29330]} الدود ، فضاقت عليه المدينة ، فتنحى عنها ، ونزل واديا من أوديتها حتى جعل يصلي الظهر في جماعة ، والعصر في جماعة ، ويترك ما سواهما . ثم نمت وكثرت ، فتنحى حتى ترك الصلوات إلا الجمعة ، وهي تنمي حتى ترك الجمعة . وطفق يلقى الركبان يوم الجمعة ، يسألهم عن الأخبار ، فسأل النبي عليه السلام{[29331]} عنه فأُخبر{[29332]} بخبره ، بكثرة غنمه وبما صار إليه ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم{[29333]} ، " يا ويح ثعلبة " ثلاث مرات ، فنزل { خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها }[ 104 ] .

ونزلت فرائض الصدقة ، فبعث النبي صلى الله عليه وسلم ، رجلين على الصدقة ، رجلا{[29334]} من جنيهة ، والآخر{[29335]} من بني سليم ، وأمرهما أن يمرا{[29336]} بثعلبة ، ( وبرجل آخر من بني سليم ، يأخذان منهما صدقاتهما ، فخرجا حتى أتيا ثعلبة ){[29337]} ، فقال : ما هذه الأجر ، ما هذه إلا أخت الجزية ، ما أدري ما هذا ، انطلقا حتى تفرغا ، وعودا .

فانطلقا ، وسمع بهما السلمي ، فعمد إلى خيار إبله ، فعزلها للصدقة ، ثم استقبلهما بهما ، فلما رأوها قالوا : ما يجب عليك هذا ، وما نريد [ أن ]{[29338]} نأخذ منك هذا . قال : بلى فخذوه فإن نفسي بذلك/طيبة ، فأخذوها منه . فلما فرغا من صدقاتهما{[29339]} رجعا حتى [ مرا ]{[29340]} بثعلبة ، فقال : أروني كتابكما ، وكان النبي صلى الله عليه وسلم ، كتب لهما كتابا في حدود الصدقة ، وما يأخذانه من الناس ، فأعطياه الكتاب ، فنظر إليه ، فقال : ما هذه إلا أخت الجزية ، انطلقا عني حتى أرى رأيي . فأتيا النبي صلى الله عليه وسلم ، فلما رآهما قال : " يا ويح ثعلبة " قبل أن يكلمهما ، ودعا للسلمي بالبركة ، فأخبراه بالذي صنع السلمي ، وبالذي صنع ثعلبة ، فأنزل الله عز وجل ، { ومنهم من عاهد الله } الآية ، وعند رسول الله –صلى الله عليه وسلم- رجل من أقارب ثعلبة ، فخرج حتى أتاه ، فقال : ويحك يا ثعلبة ، قد أنزل الله عز وجل ، فيك كذا وكذا ، فخرج حتى أتى النبي عليه السلام فسأله أن يقبل منه صدقته : فقال : " إن الله منعني أن أقبل منك صدقتك " ، فجعل يحثو{[29341]} التراب على رأسه ، فقال له النبي عليه السلام : " قد أمرتك فلم تطعني " {[29342]} ، فرجع ثعلبة إلى منزله ، وقُبض{[29343]} رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولم يقبض{[29344]} منه شيئا . ثم أتى أبا بكر فلم يقبض منه شيئا [ ثم أتى عمر بعد أبي بكر فلم يقبض منه شيئا . ثم أتى عثمان بعد عمر فلم يقبض منه شيئا ] . وتوفي في خلافة عثمان رضي الله عنه{[29345]} .

وقيل : إنما نوى العهد في نفسه فلم يف به ، ودل{[29346]} على ذلك قوله : { ألم يعلموا أن الله يعلم سرهم ونجواهم }{[29347]} .

وعلامة{[29348]} المنافق : نقض العهد ، وخلف الوعد ، وكذب القول ]{[29349]} .


[29327]:جامع البيان 14/369، 370، بتصرف.
[29328]:انظر: الإصابة 1/516، 517، ففي ترجمته خلط كثير، كما يقول الشيخ محمود شاكر في هامش تحقيقه لجامع البيان 14/369، 370.
[29329]:في المخطوطتين: مع، وهو تحريف وصوابه من جامع البيان.
[29330]:نما المال ينمي، بالكسر، نماء، بالفتح والمد، وربما جاء من باب: سما المختار/نمي.
[29331]:في "ر": صلى الله عليه وسلم.
[29332]:في الأصل: فأخبره بخبره، وأثبت ما يستقيم به السياق.
[29333]:ما بين الهلالين ساقط من "ر".
[29334]:في المخطوطتين: رجل، وهو خطأ الناسخ.
[29335]:في الأصل: والأخرى، وهو تحريف.
[29336]:في الأصل: أن يمروا.
[29337]:ما بين الهلالين ساقط من "ر".
[29338]:زيادة من جامع البيان.
[29339]:في الأصل: صدقاتها، وهو تحريف.
[29340]:زيادة من "ر".
[29341]:من باب عدا، ورمى المختار/حثا، وحثا التراب: هاله بيده، وبعضهم يقول: قبضه بيده، المصباح/حثا.
[29342]:في "ر": تعطني، وهو تحريف.
[29343]:قبض: على ما لم يسم فاعله، أي: مات المختار/قبض.
[29344]:من باب ضرب، المختار/قبض.
[29345]:جامع البيان 14/370-372، وتفسير ابن أبي حاتم 6/1847-1849، وأسباب النزول للواحدي 257-259، وزاد المسير 3/472-474، وتفسير ابن كثير 2/373، 374، والدر المنثور 4/246، 247، مع اختصار وتصرف في بعض ألفاظه. قال الحافظ في "تخريج أحاديث الكشاف": إسناده ضعيف جدا، الكشاف 2/278. وقال الشيخ محمود شاكر في هامش تحقيقه لجامع البيان 14/373: وهو ضعيف كل الضعف، ليس له شاهد من غيره، وفي رواته ضعف شديد. قال القرطبي في تفسيره 8/133: "قلت: وثعلبة بدري أنصاري وممن شهد الله له ورسوله بالإيمان..." فما روي عنه غير صحيح. قال أبو عمر: ولعل قول من قال في ثعلبة إنه مانع الزكاة الذي نزلت فيه الآية غير صحيح، والله أعلم". وقال ابن حزم في جوامع السيرة 100، معقبا على قول من قال: إنه ثعلبة بن حاطب: "وهذا باطل، لأن شهوده بدرا يبطل ذلك بلا شك". والغريب أن الحافظ ابن كثير ساقه في التفسير دون تعقيب، على غير عادته.
[29346]:في الأصل: ودخل، وهو تحريف.
[29347]:وهو قول سعيد بن ثابت في جامع البيان 14/380. قال الشيخ محمود شاكر في هامش تحقيقه: "وسعيد بن ثابت" هكذا هو في المخطوطة، ولم أجد له ذكرا فيما بين يدي من كتب الرجال، وأخشى أن يكون قد دخله تحريف". وفي زاد المسير 3/475، "معبد بن ثابت".
[29348]:انظر: مزيد بيان في المرويات الواردة في جامع البيان 14/376-379.
[29349]:زيادة من "ر".