المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{ٱلۡمَالُ وَٱلۡبَنُونَ زِينَةُ ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَاۖ وَٱلۡبَٰقِيَٰتُ ٱلصَّـٰلِحَٰتُ خَيۡرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَابٗا وَخَيۡرٌ أَمَلٗا} (46)

46- المال والبنون جمال ومتعة لكم في الحياة الدنيا وهما قوتها ، ولكن لا دوام لها ، بل هي فانية غير باقية ، والأعمال الصالحة الباقية خير لكم عند الله ، يجزل ثوابها ، وخير أمل يتعلق به الإنسان .

 
معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{ٱلۡمَالُ وَٱلۡبَنُونَ زِينَةُ ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَاۖ وَٱلۡبَٰقِيَٰتُ ٱلصَّـٰلِحَٰتُ خَيۡرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَابٗا وَخَيۡرٌ أَمَلٗا} (46)

قوله تعالى : { المال والبنون } ، التي يفتخر بها عتبة وأصحابه الأغنياء { زينة الحياة الدنيا } ، ليست من زاد الآخرة . قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه : المال والبنون حرث الدنيا ، والأعمال الصالحات حرث الآخرة ، وقد يجمعها الله لأقوام . { والباقيات الصالحات } اختلفوا فيها ، فقال ابن عباس ، وعكرمة ، ومجاهد : هي قول سبحان الله ، والحمد لله ، ولا إله إلا الله والله أكبر ، وقد روينا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " أفضل الكلام أربع كلمات : سبحان الله ، والحمد لله ، ولا إله إلا الله ، والله أكبر " .

أخبرنا أبو القاسم عبد الله بن محمد الحنفي ، أنبأنا أبو بكر محمد بن الحسن الحيري ، أخبرنا أبو جعفر عبد الله بن إسماعيل الهاشمي ، أنبأنا أحمد بن عبد الجبار العطاردي ، حدثنا أبو معاوية ، عن الأعمش ، عن أبي صالح عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لأن أقول سبحان الله ، والحمد لله ، ولا إله إلا الله ، والله أكبر ، أحب إلي مما طلعت عليه الشمس " . أخبرنا عبد الواحد المليحي ، أنبأنا أبو منصور محمد بن محمد بن سمعان ، أنبأنا أبو جعفر محمد بن أحمد بن عبد الجبار ، أنبأنا حميد بن زنجويه ، حدثنا عثمان عن أبي صالح ، حدثنا ابن لهيعة ، حدثنا دراج عن أبي الهيثم ، عن أبي سعيد الخدري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : " استكثروا من الباقيات الصالحات ، قيل : وما هن يا رسول الله ؟ قال : الملة قيل : وما هي يا رسول الله ؟ قال : التكبير ، والتهليل ، والتسبيح ، والحمد لله ، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم " . وقال سعيد بن جبير ، ومسروق وإبراهيم : ( الباقيات الصالحات ) هي : الصلوات الخمس . ويروى هذا عن ابن عباس . وعنه رواية أخرى : أنها الأعمال الصالحة وهو قول قتادة . قوله تعالى : { خير عند ربك ثوابا } أي : جزاء ، المراد { وخير أملاً } ، أي ما يأمله الإنسان .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{ٱلۡمَالُ وَٱلۡبَنُونَ زِينَةُ ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَاۖ وَٱلۡبَٰقِيَٰتُ ٱلصَّـٰلِحَٰتُ خَيۡرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَابٗا وَخَيۡرٌ أَمَلٗا} (46)

ولهذا أخبر تعالى أن المال والبنين ، زينة الحياة الدنيا ، أي : ليس وراء ذلك شيء ، وأن الذي يبقى للإنسان وينفعه ويسره ، الباقيات الصالحات ، وهذا يشمل جميع الطاعات الواجبة والمستحبة من حقوق الله ، وحقوق عباده ، من صلاة ، وزكاة ، وصدقة ، وحج ، وعمرة ، وتسبيح ، وتحميد ، وتهليل ، وتكبير ، وقراءة ، وطلب علم نافع ، وأمر بمعروف ، ونهي عن منكر ، وصلة رحم ، وبر والدين ، وقيام بحق الزوجات ، والمماليك ، والبهائم ، وجميع وجوه الإحسان إلى الخلق ، كل هذا من الباقيات الصالحات ، فهذه خير عند الله ثوابا وخير أملا ، فثوابها يبقى ، ويتضاعف على الآباد ، ويؤمل أجرها وبرها ونفعها عند الحاجة ، فهذه التي ينبغي أن يتنافس بها المتنافسون ، ويستبق إليها العاملون ، ويجد في تحصيلها المجتهدون ، وتأمل كيف لما ضرب الله مثل الدنيا وحالها واضمحلالها ذكر أن الذي فيها نوعان : نوع من زينتها ، يتمتع به قليلا ، ثم يزول بلا فائدة تعود لصاحبه ، بل ربما لحقته مضرته وهو المال والبنون ونوع يبقى وينفع صاحبه على الدوام ، وهي الباقيات الصالحات .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{ٱلۡمَالُ وَٱلۡبَنُونَ زِينَةُ ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَاۖ وَٱلۡبَٰقِيَٰتُ ٱلصَّـٰلِحَٰتُ خَيۡرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَابٗا وَخَيۡرٌ أَمَلٗا} (46)

ثم بين - سبحانه - القيمة الحقيقية للمال وللبنين فقال : { المال والبنون زِينَةُ الحياة الدنيا } .

والمال : اسم لكل ما يتموله الإِنسان ويتملكه من النقود والعقار والحرث والأنعام . . إلخ والبنون : جمع ابن .

والزينة : مصدر . والمراد بها هنا ، ما فى الشئ من محاسن ترغب الإنسان فى حبه .

أى : المال والبنون زينة يتزين بها الإنسان فى هذه الحياة الدنيا ، ويتباهى بها على غيره .

وإنما كانا كذلك ، لأن فى المال - كما يقول القرطبى - جمالا ونفعا ، وفى البنين قوة ودفعا .

قال الآلوسى : " وتقديم المال على البنين - مع كونهم أعز منه عند أكثر الناس لعراقته فيما نيط به من الزينة والإمداد وغير ذلك . . ولأنه زينة بدونهم من غير عكس فإن من له بنون بغير مال فهو فى أضيق حال . . " .

وفى التعبير بقوله - سبحانه - زينة ، بيان بديع . وتعبير دقيق لحقيقتهما ، فهما زينة وليسا قيمة ، فلا يصح أن توزن بهما أقدار الناس ، وإنما توزن أقدار الناس بالإِيمان والعمل الصالح ، كما قال - تعالى - { إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عَندَ الله أَتْقَاكُمْ } ولذا جاء التعقيب منه - سبحانه - بقوله : { والباقيات الصالحات خَيْرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَاباً وَخَيْرٌ أَمَلاً } .

أى : المال والبنون زينة يتزين ويتفاخر بها كثير من الناس فى هذه الحياة الدنيا ، وإذا كان الأمر كذلك فى عرف كثير منهم . فإن الأقوال الطيبة ، والأعمال الحسنة ، هى الباقيات الصالحات ، التى تبقى ثمارها للإِنسان ، وتكون عند الله - تعالى - { خير } من الأموال والأولاد ، ثوابا وجزاء وأجرا { وخير أملا } حيث ينال بها صاحبها فى الآخرة ما كان يؤمله ويرجوه فى الدنيا من فوز بنعيم الجنة ، أما المال والبنون فكثيرا ما يكونان فتنة .

وقد ساق الإمام ابن كثير جملة من الآثار فى تعيين المراد بالباقيات الصالحات فقال : قال ابن عباس وسعيد بن جبير وغير واحد من السلف : والباقيات الصالحات : الصلوات الخمس .

وقال عطاء بن أبى رياح وسعيد بن جبير عن ابن عباس : { والباقيات الصالحات } : سبحان الله والحمد لله ، ولا إله إلا الله ، والله أكبر . . .

ويبدو لنا أن قوله - تعالى - : { والباقيات الصالحات } لفظ عام ، يشمل كل قول ، أو عمل يرضى الله - عز وجل - ويدخل فى ذلك دخولا أوليا : الصلوات الخمس وغيرها مما ذكره المفسرون من أقوال .

وسمى - سبحانه - ما يرضيه .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{ٱلۡمَالُ وَٱلۡبَنُونَ زِينَةُ ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَاۖ وَٱلۡبَٰقِيَٰتُ ٱلصَّـٰلِحَٰتُ خَيۡرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَابٗا وَخَيۡرٌ أَمَلٗا} (46)

28

وبعد أن يلقي مشهد الحياة الذاهبة ظله في النفس يقرر السياق بميزان العقيدة قيم الحياة التي يتعبدها الناس في الأرض ، والقيم الباقية التي تستحق الاهتمام :

( المال والبنون زينة الحياة الدنيا ، والباقيات الصالحات خير عند ربك ثوابا ، وخير أملا ) . .

المال والبنون زينة الحياة ؛ والإسلام لا ينهى عن المتاع بالزينة في حدود الطيبات . ولكنه يعطيها القيمة التي تستحقها الزينة في ميزان الخلود ولا يزيد .

إنهما زينة ولكنهما ليسا قيمة . فما يجوز أن يوزن بهما الناس ولا أن يقدروا على أساسهما في الحياة . إنما القيمة الحقة للباقيات الصالحات من الأعمال والأقوال والعبادات .

وإذا كان أمل الناس عادة يتعلق بالأموال والبنين فإن الباقيات الصالحات خير ثوابا وخير أملا . عندما تتعلق بها القلوب ، ويناط بها الرجاء ، ويرتقب المؤمنون نتاجها وثمارها يوم الجزاء .

وهكذا يتناسق التوجيه الإلهي للرسول [ ص ] في أن يصبر نفسه مع الذين يدعون ربهم في الغداة والعشي يريدون وجهه . مع إيحاء قصة الجنتين . مع ظل المثل المضروب للحياة الدنيا . مع هذا التقرير الأخير للقيم في الحياة وما بعد الحياة . . وتشترك كلها في تصحيح القيم بميزان العقيدة . وتتساوى كلها في السورة وفق قاعدة التناسق الفني والتناسق الوجداني في القرآن .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{ٱلۡمَالُ وَٱلۡبَنُونَ زِينَةُ ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَاۖ وَٱلۡبَٰقِيَٰتُ ٱلصَّـٰلِحَٰتُ خَيۡرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَابٗا وَخَيۡرٌ أَمَلٗا} (46)

وقوله : { الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا } كقوله { زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالأنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ } [ آل عمران : 14 ] ، وقال تعالى : { إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ وَاللَّهُ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ } [ التغابن : 15 ] أي : الإقبال عليه والتفرغ لعبادته ، خير لكم من اشتغالكم بهم والجمع لهم ، والشفقة المفرطة عليهم ؛ ولهذا قال : { وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلا } قال ابن عباس ، وسعيد بن جبير ، وغير واحد من السلف : " الْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ " الصلوات الخمس .

وقال عطاء بن أبي رباح ، وسعيد بن جُبَير ، عن ابن عباس : " الْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ " سبحان الله والحمد لله ، ولا إله إلا الله ، والله أكبر .

وهكذا سُئل أمير المؤمنين عثمان بن عفان ، رضي الله عنه ، عن : " الْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ " ما هي ؟ فقال : هي{[18202]} لا إله إلا الله ، وسبحان الله ، والحمد لله ، والله أكبر ، ولا حول ولا قوة إلا بالله .

رواه الإمام أحمد :

حدثنا أبو عبد الرحمن المقرئ ، حدثنا حَيْوَة ، أنبأنا أبو عقيل ، أنه سمع الحارث مولى عثمان ، رضي الله عنه ، يقول : جلس عثمان يومًا وجلسنا معه ، فجاءه المؤذن ، فدعا بماء في إناء ، أظنه أنه سيكون فيه مُد ، فتوضأ ثم قال : رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ وضوئي هذا ، ثم قال : " من توضأ وضوئي هذا ، ثم قام فصلى{[18203]} صلاة الظهر ، غُفر له ما كان بينها وبين الصبح ، ثم صلى العصر غفر له ما بينها وبين الظهر ، ثم صلى المغرب غُفر له ما بينها وبين العصر ، ثم صلى العشاء غُفر له ما بينها وبين المغرب ، ثم لعله يبيت يتمرغ{[18204]} ليلته ، ثم إن قام فتوضأ وصلى صلاة الصبح ، غُفر له ما بينها{[18205]} وبين صلاة العشاء وهي الحسنات يذهبن السيئات " قالوا : هذه الحسنات فما الباقيات الصالحات يا عثمان ؟ قال : هي لا إله إلا الله ، وسبحان الله ، والحمد لله ، والله أكبر ، ولا حول ولا قوة إلا بالله{[18206]} تفرد به{[18207]} .

وروى مالك ، عن عمارة بن عبد الله بن صياد{[18208]} عن سعيد بن المسيب قال : " الْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ " سبحان الله ، والحمد لله ، ولا إله إلا الله ، والله أكبر ، ولا حول ولا قوة إلا بالله .

وقال محمد بن عَجْلان ، عن عمارة قال : سألني سعيد بن المسيب عن " الْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ " فقلت : الصلاة والصيام . قال{[18209]} لم تصب . فقلت : الزكاة والحج . فقال : لم تصب ، ولكنهن الكلمات الخمس : لا إله إلا الله ، والله أكبر ، وسبحان الله ، والحمد لله ، ولا حول ولا قوة إلا بالله .

وقال ابن جريج : أخبرني عبد الله بن عثمان بن خُثَيْم ، عن نافع عن سَرْجس ، أنه أخبره أنه سأل ابن عمر عن : { الْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ } قال : لا إله إلا الله ، والله أكبر ، [ وسبحان الله ، ولا حول ولا قوة إلا بالله . قال ابن جريج : وقال عطاء بن أبي رباح مثل ذلك .

وقال مجاهد : { الْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ } سبحان الله ، والحمد لله ، ولا إله إلا الله ، والله أكبر ]{[18210]} .

وقال عبد الرزاق : أخبرنا مَعْمر ، عن الحسن وقتادة في قوله : " الْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ " قال : لا إله إلا الله ، والله أكبر ، والحمد لله ، وسبحان الله ، هُنّ الباقيات الصالحات .

قال ابن جرير : وجدت في كتابي عن الحسن بن الصباح البزار ، عن أبي نصر التمار ، عن عبد العزيز بن مسلم ، عن محمد بن عجلان ، عن سعيد المَقْبُرِي ، عن أبيه ، عن أبي هريرة ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " سبحان الله ، والحمد لله ، ولا إله إلا الله ، والله أكبر ، منَ الباقيات الصالحات " {[18211]} .

قال : وحدثني يونس ، أخبرنا ابن وهب ، أخبرنا عمرو بن الحارث أن درّاجًا أبا السمح حَدّثه ، عن ابن الهيثم ، عن أبي سعيد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " استكثروا من الباقيات الصالحات " . قيل : وما هي{[18212]} يا رسول الله ؟ قال : " الملة " . قيل : وما هي يا رسول الله ؟ قال : " التكبير ، والتهليل ، والتسبيح ، والحمد لله ، ولا حول ولا قوة إلا بالله " .

وهكذا رواه أحمد ، من حديث دراج ، به{[18213]} .

وبه قال ابن وهب : أخبرني أبو صَخْر أن عبد الله بن عبد الرحمن ، مولى سالم بن عبد الله حَدّثه قال : أرسلني سالم إلى محمد بن كعب القرظي ، فقال : قل له : القني عند زاوية القبر فإن لي إليك حاجة . قال : فالتقيا ، فسلم أحدهما على الآخر ، ثم قال سالم : ما تعد الباقيات الصالحات ؟ فقال : لا إله إلا الله ، وسبحان الله ، والله أكبر ، ولا حول ولا قوة إلا بالله ، فقال له سالم : متى جعلت فيها " لا حول ولا قوة إلا بالله ؟ " فقال : ما زلت أجعلها . قال : فراجعه{[18214]} مرتين أو ثلاثًا ، فلم ينزع ، قال فأثبت{[18215]} قال سالم : أجل فأثبت{[18216]} فإن أبا أيوب الأنصاري حدثني أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم هو يقول : " عرج بي إلى السماء فأريت إبراهيم عليه السلام ، فقال : يا جبريل من هذا معك ؟ فقال : محمد فرحب بي وسَهَّل ، ثم قال : مر أمتك فلتكثر من غراس الجنة ، فإن تربتها طيّبة وأرضها واسعة . فقلت : وما غراس الجنة ؟ قال : لا حول ولا قوة إلا بالله " {[18217]}

وقال الإمام أحمد : حدثنا محمد بن يزيد ، عن العوام ، حدثني رجل من الأنصار ، من آل النعمان بن بشير ، قال : خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ونحن في المسجد بعد صلاة العشاء ، فرفع بصره إلى السماء ثم خفض ، حتى ظننا أنه قد حدث في السماء شيء ، ثم قال : " أما إنه سيكون بعدي أمراء ، يكذبون ويظلمون ، فمن صدقهم بكذبهم ومالأهم على ظلمهم ، فليس مني ولا أنا منه ، ومن لم يصدقهم بكذبهم ولم يمالئهم{[18218]} فهو مني وأنا منه . ألا وإن " سبحان الله ، والحمد لله ، ولا إله إلا الله ، والله أكبر هُنّ الباقيات الصالحات " {[18219]}

وقال الإمام أحمد : حدثنا عفان ، حدثنا أبان ، حدثنا يحيى بن كثير ، عن زيد ، عن أبي سلام [ عن ]{[18220]} مولى لرسول الله صلى الله عليه وسلم [ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ]{[18221]} قال : " بخ بخ لخمس ما أثقلهن في الميزان : لا إله إلا الله ، والله أكبر ، وسبحان الله ، والحمد لله ، والولد الصالح يتوفى فيحتسبه{[18222]} والده " . وقال : " بخ بخ لخمس من لقي الله مستيقنًا بهن ، دخل الجنة : يؤمن بالله ، واليوم الآخر ، وبالجنة وبالنار ، وبالبعث بعد الموت ، وبالحساب{[18223]} {[18224]}

وقال الإمام أحمد : حدثنا رَوْح ، حدثنا الأوزاعي ، عن حسان بن عطية قال : كان شداد بن أوس رضي الله عنه ، [ في سفر ]{[18225]} فنزل منزلا فقال لغلامه : " ائتنا بالشَّفرة نعبث بها " . فأنكرت عليه ، فقال : ما تكلمت بكلمة منذ أسلمت إلا وأنا أخطمها وأزمها غير كلمتي هذه . فلا تحفظوها علي{[18226]} واحفظوا ما أقول لكم : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " إذا كنز الناس الذهب والفضة فاكنزوا{[18227]} هؤلاء الكلمات : اللهم إني أسألك الثبات في الأمر ، والعزيمة على الرشد ، وأسألك{[18228]} شكر نعمتك ، وأسألك حسن عبادتك ، وأسألك قلبًا سليمًا ، وأسألك لسانًا صادقًا ، وأسألك من خير ما تعلم وأعوذ بك من شر ما تعلم ، وأستغفرك لما تعلم ، إنك أنت علام الغيوب " {[18229]}

ثم رواه أيضا النسائي{[18230]} من وجه آخر عن شداد ، بنحوه{[18231]}

وقال الطبراني : حدثنا عبد الله بن ناجية ، حدثنا محمد بن سعد العوفي ، حدثني أبي ، حدثنا عمر بن الحسين ، عن يونس بن نفيع الجدلي ، عن سعد بن جنادة ، رضي الله عنه ، قال : كنت في أول من أتى النبي صلى الله عليه وسلم من أهل الطائف ، فخرجت من أهلي{[18232]} من السراة غدوة ، فأتيت منى عند العصر ، فتصاعدت في الجبل ثم هبطت ، فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فأسلمت ، وعلمني : { قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ } و { إِذَا زُلْزِلَتِ } وعلمني هؤلاء الكلمات : سبحان الله ، والحمد لله ، ولا إله إلا الله ، والله أكبر ، وقال : " هن الباقيات الصالحات " . وبهذا الإسناد : " من قام من الليل فتوضأ ومضمض فاه ، ثم قال : سبحان الله مائة مرة ، والحمد لله مائة مرة ، والله أكبر مائة مرة ، ولا إله إلا الله مائة مرة ، غفرت ذنوبه إلا الدماء فإنها لا تبطل " {[18233]}

وقال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس قوله : { وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ } قال : هي ذكر الله ، قول : لا إله إلا الله ، والله أكبر ، وسبحان الله ، والحمد لله ، وتبارك الله ، ولا حول ولا قوة إلا بالله ، وأستغفر الله ، وصلى الله على رسول الله ، والصيام ، والصلاة ، والحج ، والصدقة ، والعتق ، والجهاد ، والصلة ، وجميع أعمال الحسنات . وهن الباقيات الصالحات ، التي تبقى لأهلها في الجنة ، ما دامت السموات والأرض .

وقال العوفي ، عن ابن عباس : هُنّ الكلام الطيب .

وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم : هي الأعمال الصالحة كلها . واختاره ابن جرير ، رحمه الله .


[18202]:في ت: "هن".
[18203]:في ت، ف: "يصلى".
[18204]:في ف، أ: "لعله يتمرغ".
[18205]:في ت: "بينهما".
[18206]:في أ: "بالله العلى العظيم".
[18207]:المسند (1/71).
[18208]:في ف: "جياد".
[18209]:في ف: "فقال".
[18210]:زيادة من ف.
[18211]:تفسير الطبري (15/167).
[18212]:في أ: "وما هن".
[18213]:تفسير الطبري (15/167) والمسند (3/75).
[18214]:في ف، أ: "فراجعته".
[18215]:في ف، أ: "فأبيت".
[18216]:في أ: "فأبيت".
[18217]:تفسير الطبري (15/166).
[18218]:في أ: "ولم يمالئهم على ظلمهم".
[18219]:المسند (4/267).
[18220]:زيادة من ف، والمسند.
[18221]:زيادة من ف، والمسند.
[18222]:في ت: "فيحتسبنه".
[18223]:في ت، ف: "والحساب".
[18224]:المسند (4/237)، وقال الهيثمي في المجمع (10/88): "رجاله رجال الصحيح".
[18225]:زيادة من ف، والمسند
[18226]:في ت: "على ذلك".
[18227]:في أ: "فأكثروا".
[18228]:في ت: "وأشكرك".
[18229]:المسند (4/123).
[18230]:في ت: "فالنسائي".
[18231]:سنن النسائي الكبري برقم (1227).
[18232]:في ت، ف، أ: "من أهلي الطائفة".
[18233]:المعجم الكبير (6/51) وفيه الحسين العوفي ضعيف.
 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{ٱلۡمَالُ وَٱلۡبَنُونَ زِينَةُ ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَاۖ وَٱلۡبَٰقِيَٰتُ ٱلصَّـٰلِحَٰتُ خَيۡرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَابٗا وَخَيۡرٌ أَمَلٗا} (46)

القول في تأويل قوله تعالى : { الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصّالِحَاتُ خَيْرٌ عِندَ رَبّكَ ثَوَاباً وَخَيْرٌ أَمَلاً } .

يقول تعالى ذكره : المال والبنون أيها الناس التي يفخر بها عيينة والأقرع ، ويتكبران بها على سلمان وخباب وصهيب ، مما يتزين به في الحياة الدنيا ، وليسا من عداد الاَخرة والباقياتُ الصّالِحاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبّكَ ثَوَابا يقول : وما يعمل سلمان وخباب وصهيب من طاعة الله ، ودعائهم ربهم بالغداة والعشيّ يريدون وجهه ، الباقي لهم من الأعمال الصالحة بعد فناء الحياة الدنيا ، خير يا محمد عند ربك ثوابا من المال والبنين التي يفتخر هؤلاء المشركون بها ، التي تفنى ، فلا تبقى لأهلها وخَيْرٌ أمَلاً يقول : وما يؤمل من ذلك سلمان وصهيب وخباب ، خير مما يؤمل عيينة والأقرع من أموالهما وأولادهما . وهذه الاَيات من لدن قوله : وَاتْلُ ما أُوحيَ إلَيْكَ مِنْ كِتابِ رَبّكَ إلى هذا الموضع ، ذُكر أنها نزلت في عيينة والأقرع . ذكر من قال ذلك :

حدثنا الحسين بن عمرو العنقزي ، قال : حدثنا أبي ، قال : حدثنا أسباط بن نصر ، عن السديّ ، عن أبي سعيد الأزدي ، وكان قارىء الأزد ، عن أبي الكنود ، عن خباب في قوله : وَلا تَطْرُدِ الّذِينَ يَدْعُونَ رَبّهُمْ بالغَدَاةِ والعَشيّ ثم ذكر القصة التي ذكرناها في سورة الأنعام في قصة عيينة والأقرع ، إلى قوله : وَلا تُطِعْ مَنْ أغْفَلْنا قَلْبَه عَنْ ذِكْرِنا قال : عيينة والأقرع وَاتّبعَ هَوَاهُ قال : قال : ثم قال ضرب لهم مثلاً رجلين ، ومثل الحياة الدنيا .

واختلف أهل التأويل في المعنيّ بالباقيات الصالحات ، اختلافهم في المعنىّ بالدعاء الذي وصف جلّ ثناؤه به الذين نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، عن طردهم ، وأمره بالصبر معهم ، فقال بعضهم : هي الصلوات الخمس . وقال بعضهم : هي ذكر الله بالتسبيح والتقديس والتهليل ، ونحو ذلك . وقال بعضهم : هي العمل بطاعة الله . وقال بعضهم : الكلام الطيب . ذكر من قال : هي الصلوات الخمس :

حدثني محمد بن إبراهيم الأنماطي ، قال : حدثنا يعقوب بن كاسب ، قال : حدثنا عبد الله بن عبد الله الأموي قال : سمعت عبد الله بن يزيد بن هرمز ، يحدّث عن عبيد الله بن عتبة ، عن ابن عباس أنه قال : الباقيات الصالحات : الصلوات الخمس .

حدثني زريق بن إسحاق ، قال : حدثنا قبيصة ، عن سفيان ، عن عبد الله بن مسلم ، عن سعيد بن جبير ، في قوله : وَالباقِياتُ الصّالِحاتُ قال : الصلوات الخمس .

حدثني يحيى بن إبراهيم المسعودي ، قال : حدثنا أبي ، عن أبيه ، عن جدّه ، عن الأعمش ، عن أبي إسحاق عن عمرو بن شُرَحبيل في هذه الاَية والباقياتُ الصّالِحاتُ قال : هي الصلوات المكتوبات .

حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا الثوري ، عن عبد الله بن مسلم ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، قال : الباقيات الصالحات : الصلوات الخمس .

حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا عبد الرحمن ، قال : حدثنا سفيان عن الحسن بن عبد الله ، عن إبراهيم ، قال الباقِياتُ الصّالِحاتُ الصلوات الخمس .

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا جرير ، عن منصور ، عن أبي إسحاق ، عن أبي ميسرة والباقِياتُ الصّالِحاتُ قال : الصلوات الخمس . ذكر من قال : هنّ ذكر الله بالتسبيح والتحميد ونحو ذلك :

حدثنا ابن حميد وعبد الله بن أبي زياد ومحمد بن عمارة الأسدي ، قالوا : حدثنا عبد الله بن يزيد ، قال : أخبرنا حيوة ، قال : أخبرنا أبو عقيل زهرة بن معبد القرشي من بني تيم من رهط أبي بكر الصدّيق ، أنه سمع الحرث مولى عثمان بن عفان ، يقول : قيل لعثمان : ما الباقيات الصالحات ؟ قال : هنّ لا إله إلا الله ، وسبحان الله ، والحمد لله ، والله أكبر ، ولا حول ولا قوّة إلا بالله .

حدثني سعيد بن عبد الله بن عبد الحكم ، قال : حدثنا أبو زرعة ، قال : حدثنا حيوة ، قال : حدثنا أبو عقيل زهرة بن معبد ، أنه سمع الحرث مولى عثمان بن عفان يقول : قيل لعثمان بن عفان : ما الباقيات الصالحات ؟ قال : هي لا إله إلا الله ، وسبحان الله وبحمده ، والله أكبر ، والحمد لله ، ولا حول ولا قوّة إلا بالله .

حدثني ابن عبد الرحيم البرّقي ، قال : حدثنا ابن أبي مريم ، قال : حدثنا نافع بن يزيد ورشدين بن سعد ، قالا : حدثنا زهرة بن معبد ، قال : سمعت الحارث مولى عثمان بن عفان يقول : قالوا لعثمان : ما الباقيات الصالحات ؟ فذكر مثله .

حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا عبد الرحمن ، قال : حدثنا سفيان ، عن عبد الله بن مسلم بن هرمز ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، في قوله : وَالباقِياتُ الصّالِحاتُ قال : سبحان الله ، والحمد لله ، ولا إله إلا الله ، والله أكبر .

حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا ابن إدريس ، قال : سمعت عبد الملك ، عن عطاء ، عن ابن عباس ، في قوله وَالباقِياتُ الصّالِحاتُ قال : سبحان الله ، والحمد لله ، ولا إله إلا الله ، والله أكبر .

حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا طلق بن غنام ، عن زائدة ، عن عبد الملك ، عن عطاء ، عن ابن عباس ، مثله .

حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا عبد الرحمن ، قال : حدثنا مالك ، عن عمارة بن عبد الله بن صياد ، عن سعيد بن المسيب ، قال : الباقِياتُ الصّالِحاتُ : سبحان الله ، والحمد لله ، ولا إله إلا الله ، والله أكبر ، ولا حول ولا قوّة إلا بالله .

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد ، قال : أخبرني عبد الله بن عثمان بن خُثَيم ، عن نافع بن سرجس ، أنه أخبره أنه سأل ابن عمر عن الباقيات الصالحات ، قال : لا إله إلا الله ، والله أكبر ، وسبحان الله ، ولا حول ولا قوّة إلا بالله . قال ابن جريج ، وقال عطاء بن أبي رَباح مثل ذلك .

حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا عبد الرحمن ، قال : حدثنا سفيان ، عن منصور ، عن مجاهد ، قال : الباقيات الصالحات : سبحان الله ، والحمد لله ، ولا إله إلا الله ، والله أكبر .

حدثنا ابن المثنى ، قال : حدثنا محمد بن جعفر ، قال : حدثنا شعبة ، عن منصور ، عن مجاهد ، بنحوه .

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا جرير ، عن منصور ، عن مجاهد ، في قوله والباقياتُ الصّالِحاتُ قال : سبحان الله ، والحمد لله ، ولا إله إلا الله ، والله أكبر .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : ثني أبو صخر : أن عبد الله بن عبد الرحمن ، مولى سالم بن عبد الله ، حدثه قال : أرسلني سالم بن محمد بن كعب القُرَظي ، فقال : قل له الْقَنِي عند زاوية القبر ، فإن لي إليك حاجة ، قال : فالتقيا ، فسلم أحدهما على الاَخر ، ثم قال سالم : ما تعدّ الباقيات الصالحات ؟ فقال : لا إله إلا الله ، والحمد لله ، وسبحان الله ، والله أكبر ، ولا حول ولا قوّة إلا بالله ، فقال له سالم : متى جعلت فيها لا حول ولا قوّة إلا بالله ؟ فقال : ما زلت أجعلها ، قال : فراجعه مرّتين أو ثلاثا فلم ينزع . قال : فأثبت ، قال سالم : أجل ، فأثبت فإن أبا أيوبَ الأنصاري حدثني أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقول : «عُرِجَ بِي إلى السّماءِ فَأُرِيتُ إبْرَاهِيمَ ، فقال : يا جِبْرِيلُ مَنْ هَذَا مَعَك ؟ فقالَ : مُحَمّد ، فَرَحّبَ بِي وَسَهّلَ ، ثُمّ قالَ : مُرْ أمّتَكَ فَلْتُكْثِرْ مِنْ غِرَاسِ الجَنّةِ ، فإنّ تُرْبَتَها طَيّبَةٌ ، وأرْضُها وَاسِعَةٌ ، فَقُلْتُ : وَما غِرَاسُ الجَنّةِ ؟ قالَ : لا حَوْلَ وَلا قُوّةَ إلاّ باللّهِ » .

وجدت في كتابي عن الحسن بن الصّباح البَرّار ، عن أبي نصر التمار ، عن عبد العزيز بن مسلم ، عن محمد بن عجلان ، عن سعيد المَقْبُري ، عن أبيه ، عن أبي هريرة ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «سُبْحَانَ اللّهِ ، والحَمْدُ لِلّهِ ، وَلا إلهَ إلاّ اللّهُ ، وَاللّهُ أكْبَرُ مِنَ الباقِياتِ الصّالِحاتِ » .

حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن الحسن وقتادة ، في قوله : والباقِياتُ الصّالِحاتُ خَيْرٌ قال : لا إله إلا الله ، والله أكبر ، والحمد لله ، وسبحان الله ، هنّ الباقيات الصالحات .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : أخبرنا عمرو بن الحارث ، أن دراجا أبا السمح حدثه عن أبي الهيثم ، عن أبي سعيد الخُدريّ ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : «اسْتَكْثَرُوا مِنَ الباقِياتِ الصّالِحاتِ » ، قيلَ : وما هي يا رسول الله ؟ قال : «المِلّة » ، قيل : وما هي يا رسول الله ؟ قال : «التّكْبِيرُ والتّهْلِيلُ والتسبِيحُ ، والحَمْدُ ، ولا حَوْلَ وَلا قُوّةَ إلاّ باللّهِ » .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : أخبرني مالك ، عن عمارة بن صياد ، أنه سمع سعيد بن المسيب يقول في الباقيات الصالحات : إنها قول العبد : الله أكبر ، وسبحان الله ، والحمد لله ، ولا حول ولا قوّة إلا بالله .

حدثني ابن البَرْقي ، قال : حدثنا ابن أبي مريم ، قال : أخبرنا يحيى بن أيوب ، قال : ثني ابن عَجْلان ، عن عمارة بن صياد ، قال : سألني سعيد بن المسيب ، عن الباقيات الصالحات ، فقلت : الصلاة والصيام ، قال : لم تصب فقلت : الزكاة والحجّ ، فقال : لم تصب ، ولكنهنّ الكلمات الخمس : لا إله إلا الله ، والله أكبر ، وسبحان الله ، والحمد لله ، ولا حول ولا قوّة إلا بالله . ذكر من قال : هي العمل بطاعة الله عزّ وجلّ :

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن عطاء الخراسانيّ ، عن ابن عباس والباقِياتُ الصّالحاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبّكَ ثَوَابا وخَيْرٌ أمَلاً قال : الأعمال الصالحة : سبحان الله ، والحمد لله ، ولا إله إلا الله ، والله أكبر .

حدثني عليّ ، قال : حدثنا عبد الله ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس ، قوله : والباقِياتُ الصّالحاتُ قال : هي ذكر الله قول لا إله إلا الله ، والله أكبر ، وسبحان الله ، والحمد لله ، وتبارك الله ، ولا حول ولا قوّة إلا بالله ، وأستغفر الله ، وصلى الله على رسول الله والصيام والصلاة والحجّ والصدقة والعتق والجهاد والصلة ، وجميع أعمال الحسنات ، وهنّ الباقيات الصالحات ، التي تبقى لأهلها في الجنة ما دامت السموات والأرض .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله والباقِياتُ الصّالِحاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبّكَ ثَوَابا وخَيْرٌ أمَلاً قال : الأعمال الصالحة . ذكر من قال : هي الكلم الطيب :

حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله : والباقياتُ الصّالِحاتُ قال : الكلام الطيب .

وأولى الأقوال في ذلك بالصواب ، قول من قال : هنّ جميع أعمال الخير ، كالذي رُوي عن عليّ بن أبي طلحة ، عن ابن عباس ، لأن ذلك كله من الصالحات التي تبقى لصاحبها في الاَخرة ، وعليها يجازي ويُثاب ، وإن الله عزّ ذكره لم يخصص من قوله والباقِياتُ الصّالِحاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبّكَ ثَوَابا بعضا دون بعض في كتاب ، ولا بخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم .

فإن ظنّ ظانّ أن ذلك مخصوص بالخبر الذي رويناه عن أبي هريرة ، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم ، فإن ذلك بخلاف ما ظن ، وذلك أن الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما ورد بأن قول : سبحان الله ، والحمد لله ، ولا إله إلا الله ، والله أكبر ، هنّ من الباقيات الصالحات ، ولم يقل : هنّ جميع الباقيات الصالحات ، ولا كلّ الباقيات الصالحات وجائز أن تكون هذه باقيات صالحات ، وغيرها من أعمال البرّ أيضا باقيات صالحات .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{ٱلۡمَالُ وَٱلۡبَنُونَ زِينَةُ ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَاۖ وَٱلۡبَٰقِيَٰتُ ٱلصَّـٰلِحَٰتُ خَيۡرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَابٗا وَخَيۡرٌ أَمَلٗا} (46)

وقوله { المال والبنون زينة الحياة الدنيا } لفظ الخبر ، لكن معه قرينة الضعة للمال والبنين لأنه في المثل ، قبل حقر أمر الدنيا وبنيه ، فكأنه يقول في هذه : إنما المال والبنون زينة هذه الحياة المحقرة ، فلا تتبعوها نفوسكم ، وقوله { زينة } مصدر ، وقد أخبر به عن أشخاص فإما أن يكون على تقدير محذوف ، وتقديره مقر زينة الحياة الدنيا ، وما أن نضع المال والبنين بمنزلة الغنى والكثرة ، واختلف الناس في { الباقيات الصالحات } فقال ابن عباس وابن جبير وأبو ميسرة عمرو بن شرحبيل : هي الصلوات الخمس وقال الجمهور هي الكلمات المأثور فضلها : سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله ، والله أكبر ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم ، روي في هذا حديث : «أكثروا من الباقيات الصالحات »{[7816]} ، وقاله أيضاً ابن عباس ، وروي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من طريق أبي هريرة وغيره أن هذه الكلمات هي الباقيات الصالحات{[7817]} ، وقال ابن عباس أيضاً { الباقيات الصالحات } : كل عمل صالح من قول أو فعل يبقى للآخرة ورجحه الطبري{[7818]} ، وقال ابن عباس بكل الأقوال دليل على قوله بالعموم ، وقوله { خير ثواباً وخير أملاً } صاحبها ينتظر الثواب وينبسط على خير من حال ذي المال والبنين دون عمل صالح .


[7816]:أخرجه سعيد بن منصور، وأحمد، وأبو يعلى، وابن جرير، وابن أبي حاتم، وابن حبان، والحاكم وصححه، وابن مردويه، عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (استكثروا من الباقيات الصالحات)، قيل: وما هن يا رسول الله؟ قال: (التكبير والتهليل والتسبيح والتحميد ولا حول ولا قوة إلا بالله). (الدر المنثور).
[7817]:أخرجه النسائي، وابن جرير، وابن أبي حاتم، والطبراني في الصغير، والحاكم وصححه، وابن مردويه، والبيهقي، عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (خذوا جنتكم)، قيل: يا رسول الله، أمن عدو قد حضر؟ قال: (لا، بل جنتكم من النار: قول سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، فإنهن يأتين يوم القيامة مقدمات معقبات محسنات، وهن الباقيات الصالحات). (الدر المنثور).
[7818]:وكذلك اختاره القرطبي، قال: "وهو الصحيح إن شاء الله ؛ لأن كل ما بقي ثوابه جاز أن يقال له هذا".
 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{ٱلۡمَالُ وَٱلۡبَنُونَ زِينَةُ ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَاۖ وَٱلۡبَٰقِيَٰتُ ٱلصَّـٰلِحَٰتُ خَيۡرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَابٗا وَخَيۡرٌ أَمَلٗا} (46)

اعتراض أريد به الموعظة والعبرة للمؤمنين بأن ما فيه المشركون من النعمة من مال وبنين ما هو إلا زينة الحياة الدنيا التي علمتم أنها إلى زوال ، كقوله تعالى : { لا يغرنك تقلب الذين كفروا في البلاد متاع قليل } [ آل عمران : 196 ] وأن ما أعد الله للمؤمنين خير عند الله وخير أملاً . والاغتباط بالمال والبنين شنشنة معروفة في العرب ، قال طرفة :

فلو شاء ربي كنت قيس بن عاصم *** ولو شاء ربي كنت عمرو بن مرثد

فأصبحت ذا مال كثير وطاف بي *** بنون كـــــــرام سادة لمسوّد

و{ والباقيات الصالحات } صفتان جرتا على موصوف محذوف ، أي الأعمال الصالحات الباقيات ، أي التي لا زوال لها ، أي لا زوال لخيرها ، وهو ثوابها الخالد ، فهي خيرٌ من زينة الحياة الدنيا التي هي غير باقية .

وكان مقتضى الظاهر في ترتيب الوصفين أن يقدم { الصالحات } على { والباقيات } لأنهما وإن كانا وصفين لموصوف محذوف إلا أن أعرفهما في وصفية ذلك المحذوف هو الصالحات ، لأنه قد شاع أن يقال : الأعمال الصالحات ولا يقال الأعمال الباقيات ، ولأن بقاءها مترتب على صلاحها ، فلا جرم أن الصالحات وصف قام مقام الموصوف وأغنى عنه كثيراً في الكلام حتى صار لفظ ( الصالحات ) بمنزلة الاسم الدال على عمل خير ، وذلك كثير في القرآن قال تعالى : { وعملوا الصالحات } [ الكهف : 107 ] ، وفي كلامهم قال جرير :

كيف الهجاء وما تنفك صالحةٌ *** من آل لأم بِظَهر الغيب تأتيني

ولكن خولف مقتضى الظاهر هنا ، فقدم ( الباقيات ) للتنبيه على أن ما ذكر قبله إنما كان مفصولاً لأنه ليس بباقٍ ، وهو المال والبنون ، كقوله تعالى : { وما الحياة الدنيا في الآخرة إلا متاع } [ الرعد : 26 ] ، فكان هذا التقديم قاضياً لحق الإيجاز لإغنائه عن كلام محذوف ، تقديره : أن ذلك زائل أو ما هو بباق والباقيات من الصالحات خير منه ، فكان قوله : { فأصبح هشيماً تذروه الرياح } [ الكهف : 45 ] مفيداً للزوال بطريقة التمثيل وهو من دلالة التضمن ، وكان قوله : والباقيات } مفيداً زوال غيرها بطريقة الالتزام ، فحصل دلالتان غير مطابقتين وهما أوقع في صناعة البلاغة ، وحصل بثانيتهما تأكيد لمفاد الأولى فجاء كلاماً مؤكداً موجزاً .

ونظير هذه الآية آية سورة مريم قوله : { والباقيات الصالحات خير عند ربك ثواباً وخير مرداً } [ مريم : 76 ] فإنه وقع إثر قوله : { وإذا تتلى عليهم آياتنا بينات قال الذين كفروا للذين آمنوا أي الفريقين خير مقاماً وأحسن ندياً وكم أهلكنا قبلهم من قرن هم أحسن أثاثاً ورئياً } [ مريم : 73 74 ] الآية .

وتقديم المال على البنين في الذكر لأنه أسبق خطوراً لأذهان الناس ، لأنه يرغَب فيه الصغير والكبير والشاب والشيخ ومن له من الأولاد ما قد كفاه ولذلك أيضاً قدم في بيت طرفة المذكور آنفاً .

ومعنى { وخير أملاً } أن أمل الآمل في المال والبنين إنما يأمل حصول أمر مشكوك في حصوله ومقصور على مدته . وأما الآمل لثواب الأعمال الصالحة فهو يأمل حصول أمر موعود به من صادق الوعد ، ويأمل شيئاً تحصل منه منفعة الدنيا ومنفعة الآخرة كما قال تعالى : { من عمل صالحاً من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون } [ النحل : 97 ] . فلا جرم كان قوله : { وخير أملاً } بالتحقق والعموم تذييلاً لما قبله .