الآية46 : وقوله تعالى : { المال والبنون زينة الحياة الدنيا والباقيات الصالحات } كان هذا ذُكِرَ على مقصود الناس أن من كان قصده في الدنيا كثرة المال والبنين فهو زينة الحياة الدنيا ، وهو الفاني والذاهب على ما ذكر . ومن كان مقصوده في هذه الدنيا الخيرات والآخرة فهو { والباقيات الصالحات } أبدا .
ثم اختلف في { والباقيات الصالحات } قال بعضهم : هو قوله صلى الله عليه وسلم{[11626]} : ( سبحان الله ، والحمد لله ، ولا إله إلا الله ، والله أكبر ، ولا حول ولا قوة إلا بالله ) وعلى ذلك روي في بعض الأخبار عن نبي الله صلى الله عليه وسلم ( أنه ){[11627]} قال : ( ألا وإن سبحان الله ، والحمد لله ، ولا إله إلا الله ، والله أكبر ، هن الباقيات الصالحات )( أحمد3/75 ) وفي بعض الأخبار أنه قال لأصحابه : ( خذوا جُنَّتَكُم ، قالوا : من عدو وحضرنا ؟ قال : خذوا جُنَّتَكُمْ من النار ، فقولوا : سبحان الله ، والحمد لله ، ولا إله إلا الله ، والله أكبر ، ولا حول ولا قوة إلا بالله ، فإنهن المقدمات والمؤخرات الباقيات الصالحات ) ( النسائي في الكبرى : 10684 ) .
وفي بعض الأخبار لأبي الدرداء : ( خُذْهُنَّ قبل أن يحال بينك وبينهن فإنهن الباقيات الصالحات ، وهن كنز من كنوز الجنة ، قال : وما هي يا رسول الله ؟ فذكر : سبحان الله إلى آخره )( بنحوه ابن ماجة3813 )فإن ثبتت هذه الأخبار فهي الأصل ، لا يجوز غيره .
وقال بعضهم : { والباقيات الصالحات } الصلوات الخمس ، وهو قول ابن عباس وغيره . فأيهما كان ففيه معنى الآخر . وإن كل واحد منهما يجمع أنواع الخيرات والعبادات في الحقيقة ؛ لأن ( سبحان الله ) هو تنزيه الرب عن كل آفة وعيب . و( الحمد لله ) هو الثناء له بكل نعمة ، وصلت منه إلى الخلق ، وجعلته{[11628]} مستحقا للحمد والثناء له دون من سواه .
وأن ( ولا إله إلا الله ) هو لا معبود سواه ، ولا{[11629]} يستحق العبادة غيره ، وأن{[11630]}( والله أكبر ) هو الإجلال له عن كل ما قيل فيه ، ونفي كل معاني الخلق عنه ، ( وأن ){[11631]} ( ولا حول ولا قوة إلا بالله ) هو التبري وقطع الطمع عمن دونه ، وتفويض الأمور بكليتها إليه ، والتسليم له .
فكل حرف من هذه الحروف يجمع في الحقيقة كل أنواع العبادات والخيرات لما ذكرنا . وكذلك الصلوات أيضا تجمع كل أنواع
العبادات ( لأن المصلي ){[11632]} يستعمل كل جارحة فيها في كل حال منها . فهي تجمع جميع العبادات .
والأصل في قوله : { والباقيات الصالحات } أنها كل الخيرات والطاعات ، لأن الله تبارك وتعالى ذكر ، ووصف الحق بالبقاء والثبات في غير آية من القرآن ، ووصف الباطل بالبطلان والتلاشي والذهاب .
من ذلك قوله : { كذلك يضرب الله الحق والباطل فأما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض } الآية ( الرعد : 17 ) . وقوله{[11633]} : { ألم تر كيف ضرب الله مثلا كلمة طيبة } الآية ( إبراهيم : 24 ) وأمثاله . فعلى ذلك القول : { والباقيات الصالحات } هي باقية { خير عند ربك ثوابا وخير أملا } أي خير ما يأْمُلُوَن .
قال أبو عوسجة : { فأصبح هشيما } أي يابسا باليا . وقال القتبي : ومنه سمي الرجل هاشما .
وقال أبو عوسجة : { تذروه الرياح } أي تطير به . وقال القتبي : أي تَنْسِقُهُ كقوله : { فقل ينسفُها ربي نسفا } ( طه : 105 ) .
و عن ابن عباس ( أنه ){[11634]} قال : { خير عند ربك ثوابا } أي خير : ما يثاب الناس عليه { وخير أملا }/318-أ/ أي خير : ما يأمل الناس عن أعمالهم يوم القيامة ، والله أعلم .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.