قوله تعالى : { المال والبنون زِينَةُ الحياة الدنيا } الآية .
لما بيّن تعالى أنَّ الدنيا سريعة الانقراض والانقضاء مشرفة على الزَّوال والبوار والفناء ، بيَّن تعالى أنَّ المال والبنين زينة الحياة الدنيا ، والمقصود منه إدخال هذا الجزئيِّ تحت ذلك الكليِّ ، فينعقد به قياسٌ بيِّن الإنتاج ، وهو أنَّ المال والبنين زينة الحياة الدنيا ، وكل ما كان زينة الحياة الدنيا ، فهو سريعُ الانقضاءِ والانقراضِ ، ومن اليقين البديهيِّ ، أن ما كان كذلك ، فإنه يقبح بالعاقل أن يفتخر به ، أو يقيم له في نظره وزناً ، فهذا برهان باهرٌ على فساد قول المشركين الذين افتخروا بكثرة الأموال والأولاد على فقراء [ المؤمنين ]{[21117]} .
قوله : { زِينَةُ الحياة الدنيا } : إنما أفرد " زِينَةُ " وإن كانت خبراً عن " بَنِينَ " لأنها مصدر ، فالتقدير : ذوا زينةٍ ، إذ جعلا نفس المصدر ؛ مبالغة ؛ إذ بهما تحصل الزينة ، أو بمعنى مُزيِّنتَيْنِ ، وقرئ شاذاً " زِينَتَا الحَيَاةِ الدُّنْيَا " على التثنية ، وسقطت ألفها لفظاً لالتقاء الساكنين ، فيتوهم أنه قرئ بنصب " زينة الحياة " .
فصل في بيان رجحان فقراء المؤمنين على أغنياء الكفار
لما أقام البرهان على فساد قول المشركين ، ذكر ما يدلُّ على رجحان أولئك الفقراء على أغنياء الكفَّار ، فقال : { والباقيات الصالحات خَيْرٌ عِندَ رَبِّكَ } .
وبيان هذا الدليل : أنَّ خيرات الدنيا [ منقرضة ]{[21118]} ، وخيرات الآخرة باقيةٌ دائمةٌ ، والدائم الباقي خيرٌ من المنقرضِ الزائل ، وهذا معلومٌ بالضَّرورة .
قال علي بن أبي طالب{[21119]} - رضي الله عنه- : المال والبنون حرث الحياة الدنيا ، والأعمال الصالحة حرث الآخرة ، وقد يجمعها الله لأقوامٍ
وقال ابن عبَّاس وعكرمة ومجاهد{[21120]} : الباقيات الصالحات هي قول : سبحان الله ، والحمد لله ، ولا إله إلا الله ، والله أكبر .
وقال - عليه الصلاة والسلام- : " أفْضَلُ الكلامِ أربعٌ : سُبْحانَ الله ، والحَمدُ لله ، ولا إله إلا الله ، والله أكبرْ " {[21121]} .
وقال صلى الله عليه وسلم : " أكثروا من البَاقيَاتِ الصَّالحاتِ قيل : وما هُنَّ يَا رسُول الله ؟ قال : الملة . قيل : وما هي يا رسول الله ؟ قال : التَّكبيرُ ، والتَّهليلُ ، والتَّسبيحُ ، والتَّحميدُ ، ولا حول ولا قوَّة إلاَّ بالله العليِّ العظيم " {[21122]} .
وقال سعيد بن جبير ومسروق وإبراهيم ويروى أيضاً عن ابن عباس : البَاقيَاتُ الصَّالحاتُ : الصلوات الخَمْسُ{[21123]} .
وقال قتادة : ويروى أيضاً عن ابن عبَّاس أنَّها الأعمال الصالحة{[21124]} { خَيْرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَاباً } جزاء { وَخَيْرٌ أَمَلاً } أي : ما يؤمِّله الإنسان .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.