اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{ٱلۡمَالُ وَٱلۡبَنُونَ زِينَةُ ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَاۖ وَٱلۡبَٰقِيَٰتُ ٱلصَّـٰلِحَٰتُ خَيۡرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَابٗا وَخَيۡرٌ أَمَلٗا} (46)

قوله تعالى : { المال والبنون زِينَةُ الحياة الدنيا } الآية .

لما بيّن تعالى أنَّ الدنيا سريعة الانقراض والانقضاء مشرفة على الزَّوال والبوار والفناء ، بيَّن تعالى أنَّ المال والبنين زينة الحياة الدنيا ، والمقصود منه إدخال هذا الجزئيِّ تحت ذلك الكليِّ ، فينعقد به قياسٌ بيِّن الإنتاج ، وهو أنَّ المال والبنين زينة الحياة الدنيا ، وكل ما كان زينة الحياة الدنيا ، فهو سريعُ الانقضاءِ والانقراضِ ، ومن اليقين البديهيِّ ، أن ما كان كذلك ، فإنه يقبح بالعاقل أن يفتخر به ، أو يقيم له في نظره وزناً ، فهذا برهان باهرٌ على فساد قول المشركين الذين افتخروا بكثرة الأموال والأولاد على فقراء [ المؤمنين ]{[21117]} .

قوله : { زِينَةُ الحياة الدنيا } : إنما أفرد " زِينَةُ " وإن كانت خبراً عن " بَنِينَ " لأنها مصدر ، فالتقدير : ذوا زينةٍ ، إذ جعلا نفس المصدر ؛ مبالغة ؛ إذ بهما تحصل الزينة ، أو بمعنى مُزيِّنتَيْنِ ، وقرئ شاذاً " زِينَتَا الحَيَاةِ الدُّنْيَا " على التثنية ، وسقطت ألفها لفظاً لالتقاء الساكنين ، فيتوهم أنه قرئ بنصب " زينة الحياة " .

فصل في بيان رجحان فقراء المؤمنين على أغنياء الكفار

لما أقام البرهان على فساد قول المشركين ، ذكر ما يدلُّ على رجحان أولئك الفقراء على أغنياء الكفَّار ، فقال : { والباقيات الصالحات خَيْرٌ عِندَ رَبِّكَ } .

وبيان هذا الدليل : أنَّ خيرات الدنيا [ منقرضة ]{[21118]} ، وخيرات الآخرة باقيةٌ دائمةٌ ، والدائم الباقي خيرٌ من المنقرضِ الزائل ، وهذا معلومٌ بالضَّرورة .

قال علي بن أبي طالب{[21119]} - رضي الله عنه- : المال والبنون حرث الحياة الدنيا ، والأعمال الصالحة حرث الآخرة ، وقد يجمعها الله لأقوامٍ

وقال ابن عبَّاس وعكرمة ومجاهد{[21120]} : الباقيات الصالحات هي قول : سبحان الله ، والحمد لله ، ولا إله إلا الله ، والله أكبر .

وقال - عليه الصلاة والسلام- : " أفْضَلُ الكلامِ أربعٌ : سُبْحانَ الله ، والحَمدُ لله ، ولا إله إلا الله ، والله أكبرْ " {[21121]} .

وقال صلى الله عليه وسلم : " أكثروا من البَاقيَاتِ الصَّالحاتِ قيل : وما هُنَّ يَا رسُول الله ؟ قال : الملة . قيل : وما هي يا رسول الله ؟ قال : التَّكبيرُ ، والتَّهليلُ ، والتَّسبيحُ ، والتَّحميدُ ، ولا حول ولا قوَّة إلاَّ بالله العليِّ العظيم " {[21122]} .

وقال سعيد بن جبير ومسروق وإبراهيم ويروى أيضاً عن ابن عباس : البَاقيَاتُ الصَّالحاتُ : الصلوات الخَمْسُ{[21123]} .

وقال قتادة : ويروى أيضاً عن ابن عبَّاس أنَّها الأعمال الصالحة{[21124]} { خَيْرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَاباً } جزاء { وَخَيْرٌ أَمَلاً } أي : ما يؤمِّله الإنسان .


[21117]:في ب: المسلمين.
[21118]:في ب: منقضية.
[21119]:ذكره السيوطي في "الدر المنثور" (4/408) وعزاه لابن أبي حاتم. وذكره البغوي في "تفسيره" (3/164) .
[21120]:ذكره السيوطي في "الدر المنثور" (4/408) وعزاه لابن أبي شيبة وابن المنذر وذكره البغوي في "تفسيره" (3/164).
[21121]:تقدم.
[21122]:تقدم.
[21123]:أخرجه الطبري في "تفسيره" (8/229 ـ 230) عن ابن عباس وسعيد بن جبير وعمرو بن شرحبيل وأبي ميسرة. وذكره السيوطي في "الدر المنثور" (4/410) وعزاه إلى ابن المنذر وابن أبي حاتم.
[21124]:ذكره السيوطي في "الدر المنثور" (6/410) عن قتادة وعزاه إلى ابن أبي حاتم وابن مردويه.