{ المال والبنون زِينَةُ الحياة الدنيا } هذا ردّ على الرؤساء الذين كانوا يفتخرون بالمال والغنى والأبناء فأخبرهم سبحانه أن ذلك مما يتزين به في الدنيا لا مما ينفع في الآخرة ، كما قال في الآية الأخرى { إِنَّمَا أموالكم وأولادكم فِتْنَةٌ } [ التغابن : 15 ] . وقال : { إِنَّ مِنْ أزواجكم وأولادكم عَدُوّاً لَكُمْ فاحذروهم } [ التغابن : 14 ] . ولهذا عقب هذه الزينة الدنيوية بقوله : { والباقيات الصالحات } أي : أعمال الخير ، وهي ما كان يفعله فقراء المسلمين من الطاعات { خَيْرٌ عِندَ رَبّكَ ثَوَابًا } أي : أفضل من هذه الزينة بالمال والبنين ثواباً ، وأكثر عائدة ومنفعة لأهلها { وَخَيْرٌ أَمَلاً } أي أفضل أملاً ، يعني : أن هذه الأعمال الصالحة لأهلها من الأمل أفضل مما يؤمله أهل المال والبنين ، لأنهم ينالون بها في الآخرة أفضل مما كان يؤمله هؤلاء الأغنياء في الدنيا ، وليس في زينة الدنيا خير حتى تفضل عليها الآخرة ، ولكن هذا التفضيل خرّج مخرج قوله تعالى : { أصحاب الجنة يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرّاً } [ الفرقان : 24 ] . والظاهر أن الباقيات الصالحات كل عمل خير فلا وجه لقصرها على الصلاة كما قال [ البعض ] ، ولا لقصرها على نوع من أنواع الذكر كما قاله بعض آخر ، ولا على ما كان يفعله فقراء المهاجرين باعتبار السبب ، لأن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب ، وبهذا تعرف أن تفسير الباقيات الصالحات في الأحاديث بما سيأتي لا ينافي إطلاق هذا اللفظ على ما هو عمل صالح من غيرها .
وقد أخرج ابن أبي حاتم عن عليّ قال : { المال والبنون } حرث الدنيا والعمل الصالح حرث الآخرة ، وقد جمعهما الله لأقوام . وأخرج ابن أبي شيبة ، وابن المنذر عن ابن عباس في قوله : { والباقيات الصالحات } قال : سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر . وأخرج سعيد بن منصور ، وأحمد ، وأبو يعلى ، وابن جرير ، وابن أبي حاتم ، وابن حبان ، والحاكم وصححه ، وابن مردويه عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( استكثروا من الباقيات الصالحات ، قيل : وما هنّ يا رسول الله ؟ قال : التكبير والتهليل والتسبيح والتحميد ولا حول ولا قوّة إلا بالله ) ، وأخرج الطبراني وابن شاهين وابن مردويه عن أبي الدرداء مرفوعاً بلفظ : ( سبحان الله ، والحمد لله ، ولا إله إلا الله ، والله أكبر ، ولا حول ولا قوّة إلا بالله ، هنّ الباقيات الصالحات ) وأخرج النسائي ، وابن جرير ، وابن أبي حاتم ، والطبراني في الصغير ، والحاكم وصححه ، وابن مردويه ، والبيهقي عن أبي هريرة مرفوعاً : ( خذوا جِنَّتَكم ، قيل : يا رسول الله من أيّ عدوّ قد حضر ؟ قال : بل جِنَّتَكم من النار قول : سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ، فإنهنّ يأتين يوم القيامة مقدّمات معقبات ومجنبات ، وهي الباقيات الصالحات ) . وأخرج سعيد بن منصور ، وأحمد ، وابن مردويه عن النعمان بن بشير ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( ألا وإن سبحان الله ، والحمد لله ، ولا إله إلا الله ، الباقيات الصالحات ) وأخرج ابن مردويه نحوه من حديث أنس مرفوعاً ، وزاد التكبير وسماهنّ الباقيات الصالحات . وأخرج ابن مردويه نحوه من حديث أبي هريرة . وأخرج ابن أبي شيبة ، وابن المنذر ، وابن مردويه من حديث عائشة مرفوعاً نحوه ، وزادت : ( ولا حول ولا قوة إلا بالله ) وأخرج ابن أبي حاتم ، وابن مردويه من حديث عليّ مرفوعاً نحوه . وأخرج ابن مردويه من طريق الضحاك عن ابن عباس مرفوعاً فذكر نحوه دون الحوقلة . وأخرج الطبراني عن سعد بن جنادة مرفوعاً نحوه . وأخرج البخاري في تاريخه ، وابن جرير عن ابن عمر من قوله نحوه . وأخرج ابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، وابن مردويه عن ابن عباس من قوله نحوه . وكل هذه الأحاديث مصرحة بأنها الباقيات الصالحات ، وأما ما ورد في فضل هذه الكلمات من غير تقييد بكونها المرادة في الآية فأحاديث كثيرة لا فائدة في ذكرها هنا . وأخرج ابن أبي شيبة ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم عن قتادة قال : كل شيء من طاعة الله ، فهو من الباقيات الصالحات .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.