في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب  
{ٱلۡمَالُ وَٱلۡبَنُونَ زِينَةُ ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَاۖ وَٱلۡبَٰقِيَٰتُ ٱلصَّـٰلِحَٰتُ خَيۡرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَابٗا وَخَيۡرٌ أَمَلٗا} (46)

28

وبعد أن يلقي مشهد الحياة الذاهبة ظله في النفس يقرر السياق بميزان العقيدة قيم الحياة التي يتعبدها الناس في الأرض ، والقيم الباقية التي تستحق الاهتمام :

( المال والبنون زينة الحياة الدنيا ، والباقيات الصالحات خير عند ربك ثوابا ، وخير أملا ) . .

المال والبنون زينة الحياة ؛ والإسلام لا ينهى عن المتاع بالزينة في حدود الطيبات . ولكنه يعطيها القيمة التي تستحقها الزينة في ميزان الخلود ولا يزيد .

إنهما زينة ولكنهما ليسا قيمة . فما يجوز أن يوزن بهما الناس ولا أن يقدروا على أساسهما في الحياة . إنما القيمة الحقة للباقيات الصالحات من الأعمال والأقوال والعبادات .

وإذا كان أمل الناس عادة يتعلق بالأموال والبنين فإن الباقيات الصالحات خير ثوابا وخير أملا . عندما تتعلق بها القلوب ، ويناط بها الرجاء ، ويرتقب المؤمنون نتاجها وثمارها يوم الجزاء .

وهكذا يتناسق التوجيه الإلهي للرسول [ ص ] في أن يصبر نفسه مع الذين يدعون ربهم في الغداة والعشي يريدون وجهه . مع إيحاء قصة الجنتين . مع ظل المثل المضروب للحياة الدنيا . مع هذا التقرير الأخير للقيم في الحياة وما بعد الحياة . . وتشترك كلها في تصحيح القيم بميزان العقيدة . وتتساوى كلها في السورة وفق قاعدة التناسق الفني والتناسق الوجداني في القرآن .