محاسن التأويل للقاسمي - القاسمي  
{ٱلۡمَالُ وَٱلۡبَنُونَ زِينَةُ ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَاۖ وَٱلۡبَٰقِيَٰتُ ٱلصَّـٰلِحَٰتُ خَيۡرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَابٗا وَخَيۡرٌ أَمَلٗا} (46)

ثم بين تعالى شأن ما كانوا يفتخرون من محسنات الدنيا ، بقوله :

{ الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا ( 46 ) } .

{ الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا } وذلك لإعانتهما فيها ، ووجود الشرف بهما . ثم أشار إلى أنهما ليسا من أسباب الشرف الأخروي ، إذ لا يحتاج فيها إليهما ، بقوله : { وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا } أي والأعمال التي تبقى ثمراتها الأخروية ، من الاعتقادات والأخلاق والعبادات الكاملات ، خير عند ربك من المال والبنين ، في الجزاء والفائدة . وخير مما يتعلق بهما من الأمل . فإن ما ينال بهما من الآمال الدنيوية ، أمرها إلى الزوال . وما ينال بالباقيات الصالحات من منازل القرب الرباني والنعيم الأبدي ، لا يزول ولا يحول .

لطائف :

1- تقديم ( المال ) على ( البنين ) لعراقته فما نيط به من الزينة والإمداد . ولكون الحاجة إليه أمس . ولأنه زينة بدونهم ، من غير عكس .

2- إفراد ( الزينة ) مع أنها مسندة إلى الإثنين ، لما أنها مصدر في الأصل . أطلق على المفعول مبالغة . كأنها نفس الزينة . وإضافتها إلى الحياة اختصاصية ، لأن زينتها مختصة بها .

3- إخراج بقاء الأعمال وصلاحها ، مخرج الصفات المفروغ عنها ، مع أن حقهما أن يكونا مقصودي الإفادة ، لاسيما في مقابلة إثبات الفناء لما يقابلهما من المال والبنين على طريقة { ما عندكم ينفذ وما عند الله باق } – للإيذان بأن بقاءها أمر محقق لا حاجة إلى بيانه . بل لفظ { الباقيات } اسم لها لا وصف . ولذلك لم يذكر الموصوف . وإنما الذي يحتاج إلى التعرض له خيريتها .

4- تكرير { خير } للإشعار باختلاف حيثيتي الخيرية والمبالغة . كذا يستفاد من أبي السعود ، مع زيادة .

5- وقع في كلام السلف تفسير { الْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ } بالصلوات وأعمال الحج والصدقات والصوم والجهاد والعتق وقول ( سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ) والكلام الطيب ، وبغيرهما ، مما روي مرفوعا وموقوفا . والمرفوع من ذلك كله لم يخرج في ( الصحيحين ) . وكله على طريق التمثيل . وإن اللفظ الكريم يتناولها لكونها من أفراده .