المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{قُلۡ ءَامِنُواْ بِهِۦٓ أَوۡ لَا تُؤۡمِنُوٓاْۚ إِنَّ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلۡعِلۡمَ مِن قَبۡلِهِۦٓ إِذَا يُتۡلَىٰ عَلَيۡهِمۡ يَخِرُّونَۤ لِلۡأَذۡقَانِۤ سُجَّدٗاۤ} (107)

107- قل لكفار مكة تهديداً لهم : اختاروا لأنفسكم ما تحبون من الإيمان بالقرآن أو عدمه ، فإن الذين أوتوا العلم الصحيح والإدراك السليم من قبل نزوله ، إذا يتلى عليهم يقعون على الوجوه سجداً ، شكراً لله على نعمته .

 
معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{قُلۡ ءَامِنُواْ بِهِۦٓ أَوۡ لَا تُؤۡمِنُوٓاْۚ إِنَّ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلۡعِلۡمَ مِن قَبۡلِهِۦٓ إِذَا يُتۡلَىٰ عَلَيۡهِمۡ يَخِرُّونَۤ لِلۡأَذۡقَانِۤ سُجَّدٗاۤ} (107)

قوله تعالى : { قل آمنوا به أو لا تؤمنوا } ، هذا على طريق الوعيد والتهديد ، { إن الذين أوتوا العلم من قبله } ، قيل : هم مؤمنو أهل الكتاب ، وهم الذين كانوا يطلبون الدين قبل مبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم أسلموا بعد مبعثه ، مثل : زيد بن عمر بن نفيل ، وسلمان الفارسي وأبي ذر وغيرهم . { إذا يتلى عليهم } يعني : القرآن { يخرون للأذقان } أي : يسقطون على الأذقان ، قال ابن عباس : أراد بها الوجوه ، { سجداً } .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{قُلۡ ءَامِنُواْ بِهِۦٓ أَوۡ لَا تُؤۡمِنُوٓاْۚ إِنَّ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلۡعِلۡمَ مِن قَبۡلِهِۦٓ إِذَا يُتۡلَىٰ عَلَيۡهِمۡ يَخِرُّونَۤ لِلۡأَذۡقَانِۤ سُجَّدٗاۤ} (107)

{ قُلْ } لمن كذب به وأعرض عنه : { آمِنُوا بِهِ أَوْ لَا تُؤْمِنُوا } فليس لله حاجة فيكم ، ولستم بضاريه شيئًا ، وإنما ضرر ذلك عليكم ، فإن لله عبادًا غيركم ، وهم الذين آتاهم الله العلم النافع : { إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ سُجَّدًا } أي : يتأثرون به غاية التأثر ، ويخضعون له .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{قُلۡ ءَامِنُواْ بِهِۦٓ أَوۡ لَا تُؤۡمِنُوٓاْۚ إِنَّ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلۡعِلۡمَ مِن قَبۡلِهِۦٓ إِذَا يُتۡلَىٰ عَلَيۡهِمۡ يَخِرُّونَۤ لِلۡأَذۡقَانِۤ سُجَّدٗاۤ} (107)

ثم أمر الله - تعالى - نبيه صلى الله عليه وسلم أن يخاطب المشركين بما يدل على هوان شأنهم . وعلى عدم المبالاة بهم ، فقال - تعالى - : { قُلْ آمِنُواْ بِهِ أَوْ لاَ تؤمنوا إِنَّ الذين أُوتُواْ العلم مِن قَبْلِهِ إِذَا يتلى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ سُجَّداً . . . } .

أى : قل - أيها الرسول الكريم - لهؤلاء الجاهلين . الذين طلبوا منك ما هو خارج عن رسالتك ، والذين وصفوا القرآن بأنه أساطير الأولين : قل لهم : آمنوا بهذا القرآن أو لا تؤمنوا به ، لأن إيمانكم به ، لا يزيده كمالاً ، وعدم إيمانكم به لا ينقص من شأنه شيئًا ، فإن علماء أهل الكتاب الذين آتاهم الله العلم قبل نزول هذا القرآن ، وميزوا بين الحق والباطل ، كانوا إذا تلى عليهم هذا القرآن ، - كأمثال عبد الله بن سلام وأصحابه { يَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ سُجَّداً } أى : يسقطون على وجوههم ساجدين لله - تعالى - شكرًا له على إنجاز وعده ، بإرسالك - أيها الرسول الكريم - وبإنزال القرآن عليك ، كما وعد بذلك - سبحانه - فى كتبه السابقة .

فالجملة الكريمة : { إِنَّ الذين أُوتُواْ العلم . . } تعليل لعدم المبالاة بهؤلاء المشركين الجاهلين ، والضمير فى قوله : { من قبله } يعود إلى القرآن الكريم .

وقوله : { يَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ سُجَّداً } يدل على قوة إيمانهم ، وعلى سرعة تأثرهم بهذا القرآن ، فهم بمجرد تلاوته عليهم ، يسقطون على وجوههم ساجدين لله - تعالى - .

وخصت الأذقان بالذكر ، لأن الذقن أول جزء من الوجه يقرب من الأرض عند السجود ، ولأن ذلك يدل على نهاية خضوعهم لله - تعالى - وتأثرهم بسماع القرآن الكريم .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{قُلۡ ءَامِنُواْ بِهِۦٓ أَوۡ لَا تُؤۡمِنُوٓاْۚ إِنَّ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلۡعِلۡمَ مِن قَبۡلِهِۦٓ إِذَا يُتۡلَىٰ عَلَيۡهِمۡ يَخِرُّونَۤ لِلۡأَذۡقَانِۤ سُجَّدٗاۤ} (107)

73

وهنا يأمر الرسول [ ص ] أن يجبه القوم بهذا الحق ، ويدع لهم أن يختاروا طريقهم . إن شاءوا آمنوا بالقرآن وإن شاءوا لم يؤمنوا . وعليهم تبعة ما يختارون لأنفسهم . ويضع أمام أنظارهم نموذجا من تلقي الذين أوتوا العلم من قبله من اليهود والنصارى المؤمنين لهذا القرآن ، لعل لهم فيه قدوة وأسوة وهم الأميون الذين لم يؤتوا علما ولا كتابا :

( قل : آمنوا به أو لا تؤمنوا . إن الذين أوتوا العلم من قبله إذا يتلى عليهم يخرون للأذقان سجدا ، ويقولون : سبحان ربنا إن كان وعد ربنا لمفعولا ؛ ويخرون للأذقان يبكون ويزيدهم خشوعا ) . .

وهو مشهد موح يلمس الوجدان . مشهد الذين أوتوا العلم من قبله ، وهم يسمعون القرآن ، فيخشعون ، و ( يخرون للأذقان سجدا ) إنهم لا يتمالكون أنفسهم ، فهم لا يسجدون ولكن ( يخرون للأذقان سجدا ) .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{قُلۡ ءَامِنُواْ بِهِۦٓ أَوۡ لَا تُؤۡمِنُوٓاْۚ إِنَّ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلۡعِلۡمَ مِن قَبۡلِهِۦٓ إِذَا يُتۡلَىٰ عَلَيۡهِمۡ يَخِرُّونَۤ لِلۡأَذۡقَانِۤ سُجَّدٗاۤ} (107)

يقول تعالى لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : { قُلْ } يا محمد لهؤلاء الكافرين بما جئتهم به من هذا القرآن العظيم : { آمِنُوا بِهِ أَوْ لا تُؤْمِنُوا } أي : سواء آمنتم به أم لا فهو حق في نفسه ، أنزله الله ونوه بذكره في سالف الأزمان{[17891]} في كتبه المنزلة على رسله ؛ ولهذا قال : { إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ } أي : من صالح أهل الكتاب الذين يُمَسَّكون بكتابهم ويقيمونه ، ولم يبدلوه ولا حرفوه { إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ } هذا القرآن ، { يَخِرُّونَ لِلأذْقَانِ } جمع ذَقْن ، وهو أسفل الوجه { سُجَّدًا } أي : لله عز وجل ، شكرًا على ما أنعم به عليهم ، من جعله إياهم أهلا إن أدركوا هذا الرسول الذي أنزل عليه [ هذا ]{[17892]} الكتاب . ولهذا يقولون : { سُبْحَانَ رَبِّنَا }


[17891]:في أ: "الزمان".
[17892]:زيادة من أ.
 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{قُلۡ ءَامِنُواْ بِهِۦٓ أَوۡ لَا تُؤۡمِنُوٓاْۚ إِنَّ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلۡعِلۡمَ مِن قَبۡلِهِۦٓ إِذَا يُتۡلَىٰ عَلَيۡهِمۡ يَخِرُّونَۤ لِلۡأَذۡقَانِۤ سُجَّدٗاۤ} (107)

القول في تأويل قوله تعالى : { قُلْ آمِنُواْ بِهِ أَوْ لاَ تُؤْمِنُوَاْ إِنّ الّذِينَ أُوتُواْ الْعِلْمَ مِن قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَىَ عَلَيْهِمْ يَخِرّونَ لِلأذْقَانِ سُجّداً * وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبّنَآ إِن كَانَ وَعْدُ رَبّنَا لَمَفْعُولاً } .

يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : قل يا محمد لهؤلاء القائلين لك لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حتى تُفَجُرَ لَنا مِنَ الأرْضِ يَنْبُوعا : آمنوا بهذا القرآن الذي لو اجتمعت الإنس والجنّ على أن يأتوا بمثله ، لم يأتوا به ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا ، أو لا تؤمنوا به ، فإن إيمانكم به لن يزيد في خزائن رحمة الله ولا ترككم الإيمان به يُنقص ذلك . وإن تكفروا به ، فإن الذين أوتوا العلم بالله وآياته من قبل نزوله من مؤمني أهل الكتابين ، إذا يتلى عليهم هذا القرآن يخرّون تعظيما له وتكريما ، وعلما منهم بأنه من عند الله ، لأذقانهم سجدا بالأرض .

واختلف أهل التأويل في الذي عُنِي بقوله يَخِرّونَ للأَذْقانِ فقال بعضهم : عُنِي به : الوجوه . ذكر من قال ذلك :

حدثني عليّ ، قال : حدثنا عبد الله ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس ، قوله : يخِرّونَ للأَذْقانِ سُجّدا يقول : للوجوه .

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة يَخِرّونَ للأَذْقانِ سُجّدا قال للوجوه .

حدثنا الحسن ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة ، مثله .

وقال آخرون : بل عُنِيَ بذلك اللّحَى . ذكر من قال ذلك :

حدثنا الحسن ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، قال : قال الحسن في قوله : يَخِرّونَ للأَذْقانِ قال : اللّحَى .

وقوله : سُبْحانَ رَبّنا إنُ كانَ وَعْدُ رَبّنا لَمَفْعُولاً يقول جلّ ثناؤه : ويقول هؤلاء الذين أوتوا العلم من قبل نزول هذا القرآن ، إذ خرّوا للأذقان سجودا عند سماعهم القرآن يُتْلى عليهم : تنزيها لربنا وتبرئه له مما يضيف إليه المشركون به ، ما كان وعد ربنا من ثواب وعقاب ، إلا مفعولاً حقا يقينا ، إيمان بالقرآن وتصديق به . والأذقان في كلام العرب : جمع ذَقَن وهو مجمع اللّحيين ، وإذ كان ذلك كذلك ، فالذي قال الحسن في ذلك أشبه بظاهر التنزيل . وبنحو الذي قلنا في ذلك ، قال أهل التأويل على اختلاف منهم في الذين عنوا بقوله أُوتُوا العِلْمَ وفي يُتْلَى عَلِيْهم . ذكر من قال ذلك :

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، قال : قال مجاهد : الّذِينَ أُوتُوا العِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ . . . إلى قوله خُشُوعا قال : هم ناس من أهل الكتاب حين سمعوا ما أنزل الله على محمد قالُوا سُبْحانَ رَبّنا إنْ كانَ وَعْدُ رَبّنا لَمَفْعُولاً .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : قُلْ آمِنوا بِهِ أوْ لا تُؤْمِنُوا إنّ الّذِينَ أُوتُوا العِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ من قبل النبيّ صلى الله عليه وسلم إذَا يُتْلَى عَلَيهِمْ ما أنزل إليهم من عند الله يَخِرّونَ للأَذْقانِ سُجّدا وَيَقُولُونَ سُبْحانَ رَبّنا إنْ كانَ وَعْدُ رَبّنا لَمَفْعولاً .

وقال آخرون : عُنِي بقوله : الّذِينَ أُوتُوا العِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ ( القرآن الذي أُنزل على ) محمد صلى الله عليه وسلم . ذكر من قال ذلك :

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، في قوله : إذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ كتابهم .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله إذا يُتْلَى عَلَيْهِمْ ما أنزل الله إليهم من عند الله .

وإنما قلنا : عُنِي بقوله : إذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ القرآن ، لأنه في سياق ذكر القرآن لم يجر لغيره من الكتب ذكر ، فيصرف الكلام إليه ، ولذلك جعلت الهاء التي في قوله : مِنْ قَبْلِهِ من ذكر القرآن ، لأن الكلام بذكره جرى قبله ، وذلك قوله : وَقُرآنا فَرَقْناهُ وما بعده في سياق الخبر عنه ، فذلك وجبت صحة ما قلنا إذا لم يأت بخلاف ما قلنا فيه حجة يجب التسليم لها .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{قُلۡ ءَامِنُواْ بِهِۦٓ أَوۡ لَا تُؤۡمِنُوٓاْۚ إِنَّ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلۡعِلۡمَ مِن قَبۡلِهِۦٓ إِذَا يُتۡلَىٰ عَلَيۡهِمۡ يَخِرُّونَۤ لِلۡأَذۡقَانِۤ سُجَّدٗاۤ} (107)

{ قل آمنوا به أو لا تؤمنوا } فإن إيمانكم بالقرآن لا يزيده كمالا وامتناعكم عنه لا يورثه نقصا وقوله : { إن الذين أوتوا العلم من قبله } تعليل له أي أن لم تؤمنوا به فقد آمن به من هو خير منكم وهم العلماء الذين قرؤوا الكتب السابقة وعرفوا حقيقة الوحي وأمارات النبوة ، وتمكنوا من الميز بين المحق والمبطل ، أو رأوا نعتك وصفة ما أنزل إليك في تلك الكتب ، ويجوز أن يكون تعليلا ل { قل } على سبيل التسلية كأنه قيل : تسل بإيمان العلماء عن إيمان الجهلة ولا تكترث بإيمانهم وإعراضهم . { إذا يُتلى عليهم } القرآن . { يخرّون للأذقان سجّداً } يسقطون على وجوههم تعظيما لأمر الله أو شكرا لإنجاز وعده في تلك الكتب ببعثه محمد صلى الله عليه وسلم على فترة من الرسل وإنزال القرآن عليه .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{قُلۡ ءَامِنُواْ بِهِۦٓ أَوۡ لَا تُؤۡمِنُوٓاْۚ إِنَّ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلۡعِلۡمَ مِن قَبۡلِهِۦٓ إِذَا يُتۡلَىٰ عَلَيۡهِمۡ يَخِرُّونَۤ لِلۡأَذۡقَانِۤ سُجَّدٗاۤ} (107)

وقوله { قل آمنوا به } الآية تحقير للكفار ، وفي ضمنه ضرب من التوعد ، والمعنى أنكم لستم بحجة ، فسواء علينا آمنتم أم كفرتم ، وإنما ضرّ ذلك على أنفسكم ، وإنما الحجة أهل العلم من قبله وهم بالصفة المذكورة ، واختلف الناس في المراد ب { الذين أوتوا العلم من قبله } ، فقالت فرقة : هم مؤمنو أهل الكتاب وقالت فرقة : هم ورقة بن نوفل وزيد بن عمرو بن نفيل ومن جرى مجراهما .

وقيل إن جماعة من أهل الكتاب جلسوا وهم على دينهم فتذاكروا أمر النبي صلى الله عليه وسلم وما أنزل عليه ، وقرىء عليهم منه شيء فخشعوا وسبحوا لله ، وقالوا هذا وقت نبوة المذكور في التوراة ، وهذه صفته ، ووعد الله به واقع لا محالة وجنحوا إلى الإسلام هذا الجنوح ، فنزلت الآية فيهم ، وقالت فرقة : المراد ب { الذين أوتوا العلم من قبله } محمد صلى الله عليه وسلم ، والضمير في { قبله } عائد على القرآن حسب الضمير في { به } ، ويبين ذلك قوله { إذا يتلى } ، وقيل الضميران لمحمد . واستأنف ذكر القرآن في قوله { إذا يتلى } ، وقوله { للأذقان } أي لناحيتها ، وهذا كما تقول تساقط لليد والفم أي لناحيتهما ، وعليهما قال ابن عباس : المعنى للوجوه ، وقال الحسن : المعنى للحي ، و «الأذقان » أسافل الوجوه حيث يجتمع الَّلحيان ، وهي أقرب ما في رأس الإنسان إلى الأرض ، لا سيما عند سجوده ، وقال الشاعر : [ الطويل ]

فخروا لأذقان الوجوه تنوشهم . . . سباع من الطير العوادي وتنتف{[7730]}


[7730]:هذا البيت شاهد على أن (خروا للأذقان) معناها: سقطوا ووقعوا، ولم يذكره أحد من المفسرين إلا صاحب (البحر المحيط)، ولم نقف على نسبته فيما بين أيدينا من المراجع. وتنوشهم: تتناولهم وتأخذهم، وتنتف: تنزع لحومهم من على عظامهم، وقد كثر استعمال اللفظة في نزع الشعر ونحوه، والسباع جمع سبع، وهو كل ما له ناب أو مخلب ويعدو على الناس والدواب. وسباع الطير: الجوارح من ذوات المخالب من الطير.
 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{قُلۡ ءَامِنُواْ بِهِۦٓ أَوۡ لَا تُؤۡمِنُوٓاْۚ إِنَّ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلۡعِلۡمَ مِن قَبۡلِهِۦٓ إِذَا يُتۡلَىٰ عَلَيۡهِمۡ يَخِرُّونَۤ لِلۡأَذۡقَانِۤ سُجَّدٗاۤ} (107)

استئناف خطاب للنبيء صلى الله عليه وسلم ليلقنه بما يقوله للمشركين الذين لم يؤمنوا بأن القرآن منزل من عند الله ، فإنه بعد أن أوضح لهم الدلائل على أن مثل ذلك القرآن لا يكون إلا منزلاً من عند الله من قوله : { قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله } [ الإسراء : 88 ] فعجزوا عن الإتيان بمثله ، ثم ببيان فضائل ما اشتمل عليه بقوله : { ولقد صرفنا للناس في هذا القرآن من كل مثل } [ الإسراء : 89 ] ، ثم بالتعرض إلى ما اقترحوه من الإتيان بمعجزات أخر ، ثم بكشف شبهتهم التي يموهون بها امتناعهم من الإيمان برسالة بشَر ، وبَيّن لهم غلطهم أو مغالطتهم ، ثم بالأمر بإقامة الله شهيداً بينه وبينهم ، ثم بتهديدهم بعذاب الآخرة ، ثم بتمثيل حالهم مع رسولهم بحال فرعون وقومه مع موسى وما عُجل لهم من عذاب الدنيا بالاستئصال ، ثم بكشف شبهتهم في تنجيم القرآن ؛ أعقب ذلك بتفويض النظر في ترجيح الإيمان بصدق القرآن وعدم الإيمان بقوله : { آمنوا به أو لا تؤمنوا } للتسوية بين إيمانهم وعدمه عند الله تعالى . فالأمر في قوله : { آمنوا } للتسوية ، أي إن شئتم .

وجُزم { لا تؤمنوا } بالعطف على المجزوم . ومثله قوله في سورة الطور ( 16 ) { فاصبروا أو لا تصبروا سواء عليكم } ، فحرف ( لا ) حرف نفي وليس حرف نهي ، ولا يقع مع الأمر المراد به التسوية إلا كذلك ، وهو كناية عن الإعراض عنهم وا حتقارهم وقلة المبالاة بهم ، ويندمج فيه مع ذلك تسلية الرسول .

وجملة { إن الذين أوتوا العلم } تعليل لمعنى التسوية بين إيمانهم به وعدمه أو تعليل لفعل { قل } ، أو لكليهما ، شأن العلل التي ترد بعد جُمل متعددة ، ولذلك فصلت . وموقع ( إن ) فيها موقع فاء التفريع ، أي إنما كان إيمانكم بالقرآن وعدمُه سواء لأنه مستغن عن إيمانكم به بإيمان الذين أوتوا العلم من قبل نزوله ، فهم أرجح منكم أحلاماً وأفضل مقاماً ، وهم الذين أوتوا العلم ، فإنهم إذا يسمعونه يؤمنون به ويزيدهم إيماناً بما في كتبهم من الوعد بالرسول الذي أنزل هذا عليه .

وفي هذا تعريض بأن الذين أعرضوا عن الإيمان بالقرآن جهلة وأهل جاهلية .

والمراد بالذين أوتوا العلم أمثالُ : ورقة بن نَوفل ، فقد تسامع أهل مكة بشهادته للنبيء صلى الله عليه وسلم ومن آمن بعد نزول هذه السورة من مِثل : عبد الله بن سلام ، ومعيقيب ، وسَلمان الفارسي .

ففي هذه الآية إخبار بمغيّب .

وضمائر « به ، ومن قبله ، ويتلى » عائدة إلى القرآن . والكلام على حذف مضاف معلوم من المقام معهود الحذف ، أي آمنوا بصدقة . ومن قبل نزوله .

والخرور : سقوط الجسم . قال تعالى : { فخر عليهم السقف من فوقهم } ( النحل : 26 .

( وقد تقدم في قوله : { وخر موسى صعقاً } في سورة الأعراف ( 143 .

( واللام في للأذقان } بمعنى ( على ) كما في قوله تعالى : { وتله للجبين } [ الصافات : 103 ] ، وقول تأبط شراً :

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . {[272]} *** صريعاً لليدين وللجران

وأصل هذه اللام أنها استعارة تبعية . استعير حرف الاختصاص لمعنى الاستعلاء للدلالة على مزيد التمكن كتمكن الشيء بما هو مختص به .

والأذقان : جمع الذَقَن بفتح الذال وفتح القاف مجتمع اللحيين . وذكر الذقن للدلالة على تمكينهم الوجوه كلها من الأرض من قوة الرغبة في السجود لما فيه من استحضار الخضوع لله تعالى .

و{ سجداً } جمع ساجد ، وهو في موضع الحال من ضمير { يخرون } لبيان الغرض من هذا الخرور ، وسجودهم سجود تعظيم لله عند مشاهدة آية من دلائل علمه وصدق رسله وتحقيق وعده .


[272]:- أوله: فأضر بها بلا دهش فخرت وضمير الغائبة عائد على الغول.