تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{قُلۡ ءَامِنُواْ بِهِۦٓ أَوۡ لَا تُؤۡمِنُوٓاْۚ إِنَّ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلۡعِلۡمَ مِن قَبۡلِهِۦٓ إِذَا يُتۡلَىٰ عَلَيۡهِمۡ يَخِرُّونَۤ لِلۡأَذۡقَانِۤ سُجَّدٗاۤ} (107)

الآية107 : وقوله تعالى : { قل آمنوا به أو لا تؤمنوا } ظاهر هذا خروج على التخيير ، لكن المراد منه يُخَرَّجُ على حتم المواعظ وتأكيد الوعيد وتغليظه . وكذلك قوله : { اعلموا ما شئتم } ( فصلت : 40 ) ظاهره على التخيير ، لم يفهموا منه ما خُرِّجَ ظاهره ، لكن فهموا منه تأكيد الوعيد وحتم الوعظ . وهكذا المعروف في الشاهد أن إنسانا لو أمر آخر بأمر ، ووعظ امْرَأَ ، فلم يَنْجَعْ فيه ، يقول له : إن شئت فافعل ، وإن شئت لا تفعل ، على ما لو فعلت ، أو لم تفعل ، فإنما ضرر ذلك عليك ، إن تركته . ونَفْعِهِ يرجع إليك لو فعلت .

فعلى ذلك قوله : { قل آمنوا به أو لا تؤمنوا } فلا ضرر علينا في ترككم الإيمان به ، ولا يرجع نفعه إلينا لو آمنتم به ، إنما نفعه لكم ، وضرره عليكم . إن شئتم فعلتم ، وإن شئتم لم تفعلوا . كقوله : { إن أحسنتم أحسنتم لأنفسكم وإن أسأتم فلها } ( الإسراء : 7 ) وكقوله : { من عمل صالحا فلنفسه } الآية ( فصلت : 46 ) ونحو ذلك مما يخبر أن كل من عمل خيرا فلنفسه عمل ، ومن عمل شرا فعلى نفسه ضرر ، ذلك فهذا ينقض على أصحاب الظواهر حين{[11314]} قالوا : يُفْهَمُ من الخطاب ظاهره ، لا يتعدى عن ظاهره حين{[11315]} لم يجب أن يفهم من قوله : { قل آمنوا به أو لا تؤمنوا } التخيير لكن فهموا الوعيد الوكيد وحَتْمَ المواعظ .

فإن قيل : ما الحكمة في لزوم الأمر وافتراضه إذا كان ما يأمرنا وينهانا لمنافع أنفسنا ( ودفع الضرر عن ){[11316]} على أنفسنا ومن لم يعمل في الشاهد فلا لائمة عليه ، ولا مؤاخذة ؟

قيل : في الحكمة أن يُفْرَضَ علينا السعي في فكاك أنفسنا ودفع الهلاك عن أنفسنا ، وفي أمره إيانا أمر بالسعي في فكاك أنفسنا ودفع الهلاك عنها . وحاصل أمره ونهيه يكون لمنفعة لنا ، لا له . وكذلك الضرر .

وعلى ذلك يُخَرَّجُ ( قوله ){[11317]} : { وما ظلمناهم } الآية{ النحل : 118 )

وعلى ذلك يخرج دعاء آدم عليه السلام وغيره : { قالا ربنا ظلمنا أنفسنا } الآية( الأعراف : 23 ) .

وقوله تعالى : { إن الذين أوتوا العلم من قبله إذا يتلى عليهم يخرون للأذقان سجدا } وهذا أيضا ينقض على أصحاب الظواهر لأنه لا كل من أوتي العلم منهم يَخِرُّ للأذقان على ما خُرِّجَ ظاهره . فدل أن الاعتقاد ليس بالظاهر على ما قرع السمع ولكن على ما توجبه الحكمة .

ثم قوله : { يخرون للأذقان سجدا } على التمثيل ، ليس على حقيقة السجود ، ولكن على الانقياد لما سمعوا والخضوع له والذلة على ما ذكرنا من التمثيل في قوله : { انقلبتم على أعقابكم } ( آل عمران : 144 ) ليس على حقيقة الانقلاب على الأعقاب ، ولكن على التمثيل : الرجوع وترك العمل ، فعلى ذلك الأول ، وكقوله : { فنبذوه وراء ظهورهم }

( آل عمران : 187 ) على ترك العمل .

ويحتمل أن يكون السجود كناية عن الصلاة ، أي يُصَلُّونَ لله . ويحتمل أن يكون على حقيقة السجود : خَرُّوا لله سجدا إذ تُتْلَى عليهم آيات الله وحججه ، وهو كسجود سحرة فرعون حين عاينوا آيات الله وحججه ، وهو كقوله : { فألقي السحرة ساجدين } ( الشعراء : 46 ) فعلى ذلك يحتمل سجود هؤلاء ، والله أعلم .


[11314]:في الأصل و.م: حيث.
[11315]:في الأصل و.م: حيث.
[11316]:في الأصل و.م: والضرر على.
[11317]:ساقطة من الأصل و.م.