فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{قُلۡ ءَامِنُواْ بِهِۦٓ أَوۡ لَا تُؤۡمِنُوٓاْۚ إِنَّ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلۡعِلۡمَ مِن قَبۡلِهِۦٓ إِذَا يُتۡلَىٰ عَلَيۡهِمۡ يَخِرُّونَۤ لِلۡأَذۡقَانِۤ سُجَّدٗاۤ} (107)

{ قُلْ آمِنُواْ بِهِ أَوْ لاَ تُؤْمِنُواْ إِنَّ الَّذِينَ أُوتُواْ الْعِلْمَ مِن قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ سُجَّدًا ( 107 ) }

{ قُلْ } يا محمد للكافرين المقترحين للآيات { آمِنُواْ بِهِ } أي بالقرآن { أَوْ لاَ تُؤْمِنُواْ } فسواء إيمانكم به وامتناعكم عنه لا يزيده ذلك كمالا ولا ينقصه نقصانا ، وفي هذا وعيد شديد لأمره صلى الله عليه وآله وسلم بالإعراض عنهم واحتقارهم ، ثم علل ذلك بقوله : { إِنَّ الَّذِينَ أُوتُواْ الْعِلْمَ مِن قَبْلِهِ } أي أن العلماء الذين قرأوا الكتب السابقة قبل إنزال القرآن وعرفوا حقيقة الوحي وأمارات النبوة وتمكنوا من التمييز بين المحق والمبطل ورأوا نعتك وصفة ما أنزل إليك في تلك الكتب كزيد بن عمرو بن نفيل وورقة بن نوفل وعبد الله بن سلام وسلمان الفارسي وأبي ذر .

وقيل الضمير في قوله من قبله راجع إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم والأولى ما ذكرناه من رجوعه إلى القرآن لدلالة السياق على ذلك .

{ إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ } القرآن { يَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ سُجَّدًا } أي يسقطون على وجوههم ساجدين لله سبحانه ، وإنما قيد الخرور وهو السقوط بكونه للأذقان أي عليها لأن الذقن وهو مجتمع اللحيين أول ما يحاذي الأرض ، قال الزجاج : لأن الذقن مجتمع اللحيين ، وكما يبتدئ الإنسان بالخرور للسجود فأول ما يحاذي الأرض به من وجهه الذقن .

وقيل المراد تعفير اللحية بالتراب فإن ذلك غاية الخضوع وإيثار اللام في للأذقان على { على } للدلالة على الاختصاص فكأنهم خصوا أذقانهم بالخرور .

وفي هذا تسلية لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وحاصلها أنه إن لم يؤمن به هؤلاء الجهال الذين لا علم عندهم ولا معرفة بكتب الله ولا بأنبيائه فلا تبال بذلك فقد آمن به أهل العلم وخشعوا له وخضعوا له عند تلاوته عليهم خضوعا ظهر أثره البالغ بكونهم يخرون على أذقانهم سجدا لله .