فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{قُلۡ ءَامِنُواْ بِهِۦٓ أَوۡ لَا تُؤۡمِنُوٓاْۚ إِنَّ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلۡعِلۡمَ مِن قَبۡلِهِۦٓ إِذَا يُتۡلَىٰ عَلَيۡهِمۡ يَخِرُّونَۤ لِلۡأَذۡقَانِۤ سُجَّدٗاۤ} (107)

{ قُلْ آمِنُوا بِهِ أَوْ لاَ تُؤْمِنُوا } أمر الله سبحانه نبيه صلى الله عليه وسلم أن يقول للكافرين المقترحين للآيات : آمنوا به أو لا تؤمنوا ، فسواء إيمانكم به وامتناعكم عنه لا يزيده ذلك ولا ينقصه . وفي هذا وعيد شديد لأمره بالإعراض عنهم واحتقارهم ، ثم علّل ذلك بقوله : { إِنَّ الذين أُوتُوا العلم مِن قَبْلِهِ } أي : أن العلماء الذين قرؤوا الكتب السابقة قبل إنزال القرآن وعرفوا حقيقة الوحي وأمارات النبوّة كزيد بن عمرو بن نفيل ، وورقة بن نوفل ، وعبد الله بن سلام { إِذَا يتلى عَلَيْهِمْ } أي : القرآن { يَخِرُّونَ لِلأذْقَانِ سُجَّدًا } أي : يسقطون على وجوههم ساجدين لله سبحانه ، وإنما قيد الخرور ، وهو السقوط ، بكونه للأذقان ، أي : عليها ، لأن الذقن ، وهو مجتمع اللحيين أوّل ما يحاذي الأرض . قال الزجاج : لأن الذقن مجتمع اللحيين ، وكما يبتدئ الإنسان بالخرور للسجود ، فأوّل ما يحاذي الأرض به من وجهه الذقن ، وقيل : المراد تعفير اللحية في التراب ، فإن ذلك غاية الخضوع ، وإيثار اللام في الأذقان على «على » للدلالة على الاختصاص ، فكأنهم خصوا أذقانهم بالخرور ، أو خصوا الخرور بأذقانهم ، وقيل : الضمير في قوله { مِن قَبْلِهِ } راجع إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، والأولى ما ذكرناه من رجوعه إلى القرآن لدلالة السياق على ذلك ، وفي هذا تسلية لرسول الله صلى الله عليه وسلم . وحاصلها : أنه إن لم يؤمن به هؤلاء الجهال الذين لا علم عندهم ولا معرفة بكتب الله ولا بأنبيائه ، فلا تبال بذلك ، فقد آمن به أهل العلم وخشعوا له وخضعوا عند تلاوته عليهم خضوعاً ظهر أثره البالغ بكونهم يخرّون على أذقانهم سجداً لله .

/خ109