فلما طالت الدلائل ، وزالت الشبه ، وعلم أن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون ، وعلم أن الحظ لمن أقبل ، والخيبة لمن أدبر ، أمره أن يقول منبهاً لهم على ذلك مبكتاً لهم بتقاعسهم عنه وعنادهم فيه بقوله تعالى : { قل آمنوا به } أي القرآن { أو لا تؤمنوا } فالإيمان به غير محتاج إليكم ولا موقوف عليكم لأنكم إن آمنتم به كان الحظ لكم ، وإلا لم تضروا إلا أنفسكم ، وهو احتقار لهم حيث صرف لهم من كل مثل فأبوا إلا كفوراً ، ثم علل ذلك بما يقبل بكل ذي لب إليه ، فإن كان ل " قل " فهو تسلية له صل الله عليه وعلى آله وسلم ، وإن كان لما بعدها فهو تبكيت لهم وتحقير ، فقال تعالى : { إن الذين أوتوا العلم } وبني للمفعول دلالة على أن العلم الرباني - وهو العلم في الحقيقة من أيّ مؤتٍ كان ، حاث على الإيمان بهذا القرآن ، وتنبيهاً على أن من كان يعلم ولا يحمله علمه على الإيمان بهذا الكتاب الذي لا شيء أبين من حقيقته بمصادقته لكتب الأنبياء الذين ثبتت رسالاتهم ومضت عليها الدهور ، واطمأنت بها النفوس ، وزيادته عليها بما أودعه الله من الإعجاز والحكم - فعلمه بلا علم بل هو أجهل الجهلة ، سواء كان ممن سألتموه عني أو من غيرهم - كما سيأتي إن شاء الله تعالى تحقيقه في الزمر .
ولما كان المراد أن من اتصف بهذا الوصف ولو زمناً يسيراً نفعه ، أدخل الجار فقال مرغباً في العلم ليحمل على الإيمان بالقرآن : { من قبله } أي قبل إنزاله ممن آمن من بني إسرائيل الذين أمرني الله بسؤالهم تسميعاً لكم وتثبيتاً لكونكم أقبلتم عليهم بالسؤال وجعلتموهم محط الوثوق : { إذا يتلى } أي من أيّ تالٍ كان { عليهم } في وقت من الأوقات ، ينقلهم من حال إلى حال ، فيرقيهم في مدارج القرب ومعارج الكمال ، إلى أعلى الرتب ، بأنهم { يخرون } أي يسقطون بسرعة ؛ وأكد السرعة وأفاد الاختصاص بقوله تعالى : { للأذقان } باللام دون إلى أو على ، دالاً بالأذقان على أنهم من شدة ما يحصل لهم من الخشوع يسقطون سقوط من ليس له اختيار ، وأول ما يلاقي الأرض ممن يسقط كذلك ذقنه ، وهو مجتمع اللحيين من منبت لحيته - فإن الإنسان مجبول بالطبع على صيانة وجهه ، فهو يرفع رأسه فتصير ذقنه وفمه أقرب ما في وجهه إلى الأرض حال السقوط ، ولهذا قال شاعرهم : فخر سريعاً لليدين وللفم .
ثم بين أن ذلك ليس سقوطاً اضطرارياً من كل جهة بقوله تعالى : { سجداً * } أي يفعلون ذلك لما يعلمون من حقيته بما أوتوا من العلم السالف ، وما في قلوبهم من الإذعان ، والخشية للرحمن
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.