اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{قُلۡ ءَامِنُواْ بِهِۦٓ أَوۡ لَا تُؤۡمِنُوٓاْۚ إِنَّ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلۡعِلۡمَ مِن قَبۡلِهِۦٓ إِذَا يُتۡلَىٰ عَلَيۡهِمۡ يَخِرُّونَۤ لِلۡأَذۡقَانِۤ سُجَّدٗاۤ} (107)

قوله : { قُلْ آمِنُواْ بِهِ أَوْ لاَ تؤمنوا } : يخاطب الذين اقترحوا تلك المعجزات العظيمة ؛ على وجه التَّهديد والإنكار ، أي : أنَّه تعالى ، أوضح البينات والدلائل ، وأزاح الأعذار ، فاختاروا ما تريدون .

{ إِنَّ الذين أُوتُواْ العلم مِن قَبْلِهِ } أي : من قبل نزول القرآن ، قال مجاهد{[20757]} : هم ناسٌ من أهل الكتاب ، كانوا يطلبون الدِّين قبل مبعث النبي صلى الله عليه وسلم ثمَّ أسلموا بعد مبعثه ؛ كزيد بن عمرو بن نفيلٍ ، وسلمان الفارسيِّ ، وأبي ذرٍّ ، وورقة بن نوفلٍ ، وغيرهم .

{ إِذَا يتلى عَلَيْهِمْ } يعني القرآن .

{ يَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ سُجَّداً } . يعني : يسقطون للأذقان ، قال ابن عباس : أراد به الوجوه{[20758]} .

قوله : { لِلأَذْقَانِ } : في اللام ثلاثة أوجه :

أحدها : أنها بمعنى " على " ، أي : على الأذقان ؛ كقولهم : خرَّ على وجهه .

والثاني : أنها للاختصاص ، قال الزمخشري : فإن قيل : حرف الاستعلاءِ ظاهر المعنى ، إذا قلت : خرَّ على وجهه ، وعلى ذقنه ، فما معنى اللام في " خرَّ لذقنه ، ولوجهه " ؟ قال : [ الطويل ]

. . . . . . . . . . . . . . . . *** فَخرَّ صَرِيعاً للْيَديْنِ وللْفَمِ{[20759]}

قلت : معناه : جعل ذقنهُ ، ووجههُ [ للخرور ] ، قال الزجاج : الذَّقنُ : مجمع اللَّحيين ، وكلما يبتدئ الإنسان بالخرور إلى السجود ، فأقرب الأشياء من الجبهة إلى الأرض الذَّقنُ .

وقيل : الأذقان اللِّحى ؛ فإن الإنسان ، إذا بالغ في السجود ، والخضوع ، ربَّما مسح ليحتهُ على التُّراب ؛ فإنَّ اللحية يبالغ في تنظيفها ، فإذا عفَّرها بالتُّراب ، فقد أتى بغايةِ التعظيم [ للخُرور ]{[20760]} .

واختصَّ به ؛ لأنَّ اللام للاختصاص ، وقال أبو البقاء{[20761]} : " والثاني : هي متعلقة ب " يَخِرُّون " ، واللام على بابها ، أي : مذلُّون للأذقان " .

والأذقانُ : جمعُ ذقنٍ ، وهو مجمعُ اللَّحيين ؛ قال الشاعر : [ الطويل ]

فَخرُّوا لأذقَانِ الوُجوهِ تَنُوشُهمْ *** سِباعٌ من الطَّيْرِ العَوادِي وتَنتِفُ{[20762]}

و " سُجَّداً " حال ، وجوَّز أبو البقاء{[20763]} في " للأذقانِ " أن يكون حالاً ، قال : " أي : ساجدين للأذقان " وكأنه يعني به " للأذْقانِ " الثانية ؛ لأنَّه يصير المعنى : ساجدين للأذقان سجداً ؛ ولذلك قال : " والثالث : أنها - يعني اللام - [ بمعنى ] " على " ؛ فعلى هذا يكون حالاً من " يَبْكُونَ " ، و " يَبْكُون " حال " .

فإن قيل : لم قيل : يَخرُّون للأذقان سجداً ، ولم يقل يسجدون ؟

والجواب : أن المقصود من هذا اللفظ مسارعتهم إلى ذلك ؛ حتَّى أنهم يسقطون .


[20757]:ينظر: معالم التنزيل 3/141.
[20758]:ينظر: معالم التنزيل 3/141.
[20759]:تقدم.
[20760]:زيادة من أ.
[20761]:ينظر: الإملاء 2/98.
[20762]:ينظر البيت في البحر المحيط 6/67، الدر المصون 4/468.
[20763]:ينظر: الإملاء 2/98.