السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{قُلۡ ءَامِنُواْ بِهِۦٓ أَوۡ لَا تُؤۡمِنُوٓاْۚ إِنَّ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلۡعِلۡمَ مِن قَبۡلِهِۦٓ إِذَا يُتۡلَىٰ عَلَيۡهِمۡ يَخِرُّونَۤ لِلۡأَذۡقَانِۤ سُجَّدٗاۤ} (107)

ثم إن الله تعالى هدّدهم على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم بقوله تعالى : { قل } لهؤلاء المضلين { آمنوا به } ، أي : القرآن { أو لا تؤمنوا } فالإيمان به غير محتاج إليكم ولا موقوف عليكم لأنكم إن آمنتم به كان الحظ لكم وإلا لم تضروا إلا أنفسكم فاختاروا ما تريدون فإن إيمانكم بالقرآن لا يزيده كمالاً وامتناعكم منه لا يورثه نقصاناً وقوله تعالى : { إن الذين أوتوا العلم من قبله } ، أي : من قبل إنزاله ممن آمن به من بني إسرائيل تعليل له ، أي : إن لم تؤمنوا به وأنتم أهل جاهلية وشرك فإنّ خيراً منكم وأفضل وهم العلماء الذين قرؤوا الكتب وعلموا ما الوحي وما الشرائع قد آمنوا به وصدّقوه وثبت عندهم أنه النبيّ العربيّ الموعود في كتبهم { إذا يتلى عليهم } ، أي : القرآن { يخرون للأذقان } منهم زيد بن عمرو بن نفيل وورقة بن نوفل وعبد الله بن سلام . قال الزجاج : الذقن مجمع اللحيين وكما يبتدئ الإنسان بالخرور إلى السجود فأقرب الأشياء من وجهه إلى الأرض الذقن . وقيل : إنّ الأذقان كناية عن اللحى والإنسان إذا بالغ عند السجود في الخشوع والخضوع ربما مسح لحيته على التراب ، فإنّ اللحية يبالغ في تنظيفها فإذا عفرها الإنسان بالتراب في حوض المبالغة فقد أتى بغاية التعظيم ، وقيل : إنّ الإنسان إذا استولى عليه خوف الله تعالى فربما سقط على الأرض في معرض السجود كالمغشي عليه فيكون حينئذ خروره على الذقن فقوله { يخرّون للأذقان } كناية عن غاية ولهه وخوفه وخشيته . فإن قيل : لم قال : { يخرّون للأذقان سجداً } ولم يقل يسجدون ؟ أجيب : بأنّ المقصود من ذكر هذا اللفظ مسارعتهم إلى ذلك حتى كأنهم يسقطون . فإن قيل : لم قال : { يخرّون للأذقان } ولم يقل على الأذقان ؟ أجيب : بأن العرب تقول إذا خرّ الرجل فوقع لوجهه خرّ للذقن ثم بين أن ذلك ليس سقوطاً اضطرارياً من كل جهة بقوله تعالى : { سجداً } ، أي : يفعلون ذلك لما يعلمون من خيفته بما أوتوا من العلم السالف وما في قلوبهم من الإذعان والخشية للرحمن .