قوله تعالى : { وتجعلون رزقكم } حظكم ونصيبكم من القرآن ، { أنكم تكذبون } قال الحسن في هذه الآية : خسر عبد لا يكون حظه من كتاب الله إلا التكذيب به . وقال جماعة من المفسرين : معناه وتجعلون شكركم أنكم تكذبون . وقال الهيثم بن عدي : إن من لغة أزد شنوءة : ما رزق فلان ، بمعنى ما شكر ، وهذا في الاستسقاء بالأنواء ، وذلك أنهم كانوا يقولون إذا مطروا : مطرنا بنوء كذا ، ولا يرون ذلك من فضل الله تعالى ، فقيل لهم : أتجعلون رزقكم ، أي : شكركم بما رزقتم ، يعني شكر رزقكم التكذيب ، فحذف المضاف وأقام المضاف إليه مقامه .
أخبرنا أبو الحسن السرخسي ، أنبأنا زاهر بن أحمد ، أنبأنا أبو إسحاق الهاشمي ، أنبأنا أبو مصعب عن مالك ، عن صالح بن كيسان ، عن عبيد الله ابن عبد الله بن عتبة بن مسعود ، عن زيد ابن خالد الجهني قال : " صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الصبح بالحديبية على أثر سماء كانت من الليل ، فلما انصرف أقبل على الناس فقال : هل تدرون ماذا قال ربكم ؟ قالوا : الله ورسوله أعلم ، قال : قال : أصبح من عبادي مؤمن بي وكافر ، فأما من قال : مطرنا بفضل الله ورحمته فذلك مؤمن بي ، وكافر بالكواكب ، وأما من قال : مطرنا بنوء كذا كذا ، فذلك كافر بي ومؤمن بالكواكب " . ورواه ابن عباس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وزاد : فنزلت هذه الآية { فلا أقسم بمواقع النجوم } إلى قوله : { وتجعلون رزقكم أنكم تكذبون } ( الواقعة- 82 ) .
أخبرنا إسماعيل بن عبد القاهر ، أنبأنا عبد الغافر بن محمد ، أنبأنا محمد ابن عيسى الجلودي ، أنبأنا إبراهيم بن محمد بن سيفان ، حدثنا مسلم بن الحجاج ، حدثني محمد بن سلمة المرادي ، حدثنا عبد الله بن وهب عن عمرو ابن الحارث ، أنبأنا أبو يونس حدثه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " ما أنزل الله من السماء من بركة إلا أصبح فريق من الناس بها كافرين ، ينزل الله تعالى الغيث فيقولون : مطرنا بكوكب كذا وكذا " .
وقوله : { وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ } أي : تجعلون مقابلة منة الله عليكم بالرزق التكذيب والكفر لنعمة الله ، فتقولون : مطرنا بنوء كذا وكذا ، وتضيفون النعمة لغير مسديها وموليها ، فهلا شكرتم الله تعالى على إحسانه ، إذ أنزله الله إليكم ليزيدكم من فضله ، فإن التكذيب والكفر داع لرفع النعم وحلول النقم .
قال الآلوسى : قوله : { وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ } أى : وتجعلون شكركم أنكم تكذبون ، تقولون أمطرنا بنوء كذا وكذا ، وبنجم كذا وكذا وأكثر الروايات أن قوله - تعالى - : { وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ } نزل فى القائلين : مطرنا بنوء كذا . . أخرج مسلم - فى صحيحه - عن ابن عباس قال : " مطر الناس على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال - صلى الله عليه وسلم - : أصبح من الناس شاكر ومنهم كافر . قالوا : هذه رحمة وضعها الله وقال بعضهم : لقد صدق نوء كذا فنزلت هذه الآية : { فَلاَ أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النجوم } حتى بلغ { وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ } " .
ثم قال الإمام الآلوسى : والآية على القول بنزولها فى قائلى ذلك : ظاهرة فى كفرهم المقابل للإيمان ، فكأنهم كانوا يقولونه عن اعتقاد أن الكواكب مؤثرة حقيقة موجدة للمطر ، وهو كفر بلا ريب بخلاف قوله مع اعتقاد أنه من فضل الله - تعالى - ، وأن النوء ميقات وعلامة فإنه ليس بكفر . .
وقد ذكر المفسرون هنا جملة من الأحاديث فى هذا المعنى فارجع إليها إن شئت .
{ وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ } قال بعضهم : يعني : وتجعلون رزقكم بمعنى شكركم أنكم تكذبون ، أي : تكذبون بدل الشكر .
وقد روي عن علي ، وابن عباس أنهما قرآها : " وتجعلون شكركم{[28160]} أنكم تكذبون " كما سيأتي .
وقال ابن جرير : وقد ذكر عن الهيثم بن عدي : أن من لغة أزد شَنوءةَ : ما رزق فلان بمعنى : ما شكر فلان .
وقال الإمام أحمد : حدثنا حسين بن محمد ، حدثنا إسرائيل ، عن عبد الأعلى ، عن أبي عبد الرحمن ، عن علي ، رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ } ، يقول : " شكركم { أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ } ، تقولون : مطرنا بِنَوء كذا وكذا ، بنجم كذا وكذا " {[28161]} .
وهكذا رواه ابن أبي حاتم ، عن أبيه ، عن مُخَوَّل{[28162]} بن إبراهيم النهدي - وابن جرير ، عن محمد بن المثنى ، عن عبيد الله بن موسى ، وعن يعقوب بن إبراهيم ، عن يحيى بن أبي بُكَيْر ، ثلاثتهم عن إسرائيل ، به مرفوعًا{[28163]} . وكذا رواه الترمذي ، عن أحمد بن مَنِيع ، عن حسين بن محمد - وهو المروزي - به . وقال : " حسن غريب " . وقد رواه سفيان ، عن عبد الأعلى ، ولم يرفعه {[28164]} .
وقال ابن جرير : حدثنا محمد بن بشار ، حدثنا محمد بن جعفر ، حدثنا شعبة ، عن أبي بشر ، عن سعيد بن جُبَيْر ، عن ابن عباس قال : ما مُطِرَ قوم قط إلا أصبح بعضهم كافرًا يقولون : مُطِرْنَا بنوء كذا وكذا . وقرأ ابن عباس : " وتجعلون شكركم أنكم تكذبون " .
وهذا إسناد صحيح إلى ابن عباس .
وقال مالك في الموطأ ، عن صالح بن كيْسَان ، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود ، عن زيد بن خالد الجُهَنِي أنه قال : صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الصبح بالحديبية في أثر سماء كانت من الليل ، فلما انصرف أقبل على الناس فقال : " هل تدرون ماذا قال ربكم ؟ " قالوا : الله ورسوله أعلم . " قال : أصبح من عبادي مؤمن بي وكافر ، فأما من قال : مطرنا بفضل الله ورحمته ، فذلك مؤمن بي كافر بالكواكب . وأما من قال : مطرنا بنوء كذا وكذا . فذلك كافر بي مؤمن بالكواكب " .
أخرجاه في الصحيحين ، وأبو داود ، والنسائي ، كلهم من حديث مالك ، به{[28165]} .
وقال مسلم : حدثنا محمد بن سلمة المرادي ، وعَمْرو بن سَوّاد ، حدثنا عبد الله بن وهب ، عن عمرو بن الحارث ؛ أن أبا يونس حَدَّثه ، عن أبي هريرة ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : " ما أنزل الله من السماء من بركة إلا أصبح فريق من الناس بها كافرين ، ينزل الغيث ، فيقولون : بكوكب كذا وكذا " .
تَفَرَّد به مسلم من هذا الوجه{[28166]} .
وقال ابن جرير : حدثني يونس ، أخبرنا سفيان ، عن محمد بن إسحاق ، عن محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي ، عن أبي سلمة ، عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إن الله لَيُصْبِحُ القومَ بالنعمة أو يُمسيهم بها فيصبح بها قوم كافرين يقولون : مُطِرنا بنوء كذا وكذا " .
قال محمد - هو ابن إبراهيم - : فذكرت هذا الحديث لسعيد بن المسيب ، فقال : ونحن قد سمعنا من أبي هُرَيرة ، وقد أخبرني من شهد عمر بن الخطاب ، رضي الله عنه ، وهو يستسقي ، فلما استسقى التفت إلى العباس فقال : يا عباس ، يا عم رسول الله ، كم بقى من نوء الثريا ؟ فقال : العلماء يزعمون أنها تعترض في الأفق بعد سقوطها سبعًا . قال : فما مضت سابعة حتى مُطِروا{[28167]} .
وهذا مَحمول على السؤال عن الوقت الذي أجرى الله فيه العادة بإنزال المطر ، لا أن ذلك النوء يؤثر بنفسه في نزول المطر ؛ فإن هذا هو المنهي عن اعتقاده . وقد تقدم شيء من هذه الأحاديث عند قوله : { مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلا مُمْسِكَ لَهَا } [ فاطر : 2 ] .
وقال ابن جرير : حدثني يونس ، أخبرنا سفيان ، عن إسماعيل بن أمية - أحسبه أو غيره - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سمع رجلا - ومطروا - يقول : مُطِرنا ببعض عَشَانين الأسد . فقال : " كذبت ! بل هو رزق الله " {[28168]} .
ثم قال ابن جرير : حدثني أبو صالح الصراري ، حدثنا أبو جابر محمد بن عبد الملك الأزدي{[28169]} ، حدثنا جعفر بن الزبير ، عن القاسم ، عن أبي أمامة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " ما مُطِر قوم من ليلة إلا أصبح قوم بها كافرين " {[28170]} . ثم قال : " { وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ } ، يقول قائل : مُطِرنا بنجم كذا وكذا " {[28171]} .
وفي حديث عن أبي سعيد مرفوعًا : " لو قُحِطَ الناس سبع سنين ثم مطروا لقالوا : مطرنا بنوء المِجْدَح " {[28172]} .
وقال مجاهد : { وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ } قال : قولهم في الأنواء : مُطِرنا بنوء كذا ، وبنوء كذا ، يقول : قولوا : هو من عند الله ، وهو رزقه . وهكذا قال الضحاك وغير واحد .
وقال قتادة : أما الحسن فكان يقول : بئس ما أخذ قوم لأنفسهم ، لم يرزقوا من كتاب الله إلا التكذيب . فمعنى قول الحسن هذا : وتجعلون حظكم من كتاب الله أنكم تكذبون به ؛ ولهذا قال قبله : { أَفَبِهَذَا الْحَدِيثِ أَنْتُمْ مُدْهِنُونَ . وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ }
وقوله : وَتَجْعَلُونَ رِزقَكمْ أنّكُمْ تُكَذّبُونَ يقول : وتجعلون شكر الله على رزقه إياكم التكذيب ، وذلك كقول القائل الاَخر : جعلت إحساني إليك إساءة منك إليّ ، بمعنى : جعلت : شكر إحساني ، أو ثواب إحساني إليك إساءة منك إليّ .
وقد ذُكر عن الهيثم بن عديّ : أن من لغة أزد شنوءة : ما رزق فلان : بمعنى ما شكر . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل على اختلاف فيه منهم . ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا يحيى ، قال : حدثنا سفيان ، قال : ثني عبد الأعلى الثعلبي ، عن أبي عبد الرحمن السلميّ ، عن عليّ رضي الله عنه وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أنّكُمْ تُكَذّبُونَ قال : شكركم .
حدثنا ابن المثنى ، قال : حدثنا عبيد الله بن موسى ، عن إسرائيل ، عن عبد الأعلى الثعلبي ، عن أبي عبد الرحمن السلمي ، عن عليّ رفعه وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أنّكُمْ تُكَذّبُونَ قال : «شكركم تقولون مُطرنا بنوء كذا وكذا ، وبنجم كذا وكذا » .
حدثني يعقوب بن إبراهيم ، قال : حدثنا يحيى بن أبي بكر ، عن إسرائيل ، عن عبد الأعلى ، عن أبي عبد الرحمن ، عن عليّ ، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال : وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أنّكُمْ تُكَذّبون قال : «شُكْرَكُمْ أنّكُمْ تُكَذّبُونَ » ، قال : «يَقُولُونَ مُطِرْنا بنَوْءِ كَذا وكَذا » .
حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا محمد بن جعفر ، قال : حدثنا شعبة ، عن أبي بشر ، عن سعيد بن جُبَير ، عن ابن عباس ، قال : ما مُطر قوم قط إلا أصبح بعضهم كافرا ، يقولون : مُطرنا بنوء كذا وكذَا ، وقرأ ابن عباس وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أنّكُمْ تُكَذّبُونَ .
حدثنا أبو كُرَيب ، قال : حدثنا ابن عطية ، قال : حدثنا معاذ بن سليمان ، عن جعفر ، عن سعيد بن جُبَير ، عن ابن عباس ، أنه كان يقرأ وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أنّكُمْ تُكَذّبُون ثم قال : ما مُطر الناس ليلة قطّ ، إلا أصبح بعض الناس مشركين يقولون : مُطرنا بنوء كذا وكذا . قال : وقال وتجعلون شكركم أنكم تكذّبون .
حدثني يعقوب ، قال : حدثنا هشيم ، عن أبي بشر ، عن سعيد بن جُبَير ، عن ابن عباس ، في قوله : وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ يقول : شكركم على ما أنزلت عليكم من الغيث والرحمة تقولون : مُطرنا بنوء كذا وكذا قال : فكان ذلك منهم كفرا بما أنعم عليهم .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا سفيان ، عن إسماعيل بن أمية ، قال : أحسبه أو غيره «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سمع رجلاً ومطروا يقول : مُطرنا ببعض عثانين الأسد ، فقال : «كَذَبْتَ بَلْ هُوَ رِزْقُ اللّهِ » .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا سفيان ، عن محمد بن إسحاق ، عن محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي ، عن أبي سلمة ، عن أبي هريرة ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : «إنّ اللّهَ لَيُصَبّحُ القَوْمَ بالنّعْمَةِ ، أوْ يُمَسّيهِمِ بِها ، فَيُصْبِحُ بِها قَوْمٌ كافِرِينَ يَقُولُونَ : مُطِرْنا بَنْوْءِ كَذَا وكَذا » قال محمد : فذكرت هذا الحديث لسعيد بن المسيب ، فقال : ونحن قد سمعنا من أبي هريرة ، وقد أخبرني من شهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه وهو يستسقي ، فلما استسقى التفت إلى العباس فقال : يا عباس يا عمّ رسول الله صلى الله عليه وسلم ، كم بقي من نوء الثريا ؟ فقال : العلماء بها يزعمون أنها تعترض في الأفق بعد سقوطها سبعا ، قال : فما مضت سابعة حتى مُطروا .
حدثنا ابن حُمَيد ، قال : حدثنا مهران ، عن سفيان ، عن عبد الأعلى ، عن أبي عبد الرحمن ، عن عليّ وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أنّكُمْ تُكَذّبُونَ قال : كان يقرأها «وَتَجْعَلُونَ شُكْرَكُمْ أنّكُم تُكَذبُونَ » يقول : جعلتم رزق الله بنوء النجم ، وكان رزقهم في أنفسهم بالأنواء أنواء المطر إذا نزل عليهم المطر ، قالوا : رزُقنا بنوء كذا وكذا ، وإذا أمسك عنهم كذّبوا ، فذلك تكذيبهم .
حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : حدثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن عطاء الخراساني ، في قوله : وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أنّكُمْ تُكَذّبُونَ قال : كان ناس يمطرون فيقولون : مُطرنا بنوء كذا ، مُطرنا بنوء كذا .
حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله : وَتَجْعَلُونَ رِزقَكُمْ أنّكُمْ تُكَذّبونَ قال : قولهم في الأنواء : مُطرنا بنوء كذا ونوء كذا ، يقول : قولوا هو من عند الله وهو رزقه .
حُدثت ، عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ يقول : حدثنا عبيد ، قال : سمعت الضحاك يقول ، في قوله : وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أنّكُمْ تُكَذّبُونَ يقول : جعل الله رزقكم في السماء ، وأنتم تجعلونه في الأنواء .
حدثني أبو صالح الصراري ، قال : حدثنا أبو جابر «محمد بن عبد الملك الأزدي » قال : حدثنا جعفر بن الزبير ، عن القاسم بن أبي أُمامة ، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال : «ما مُطِر قَوْمٌ مِنْ لَيْلَةٍ إلاّ أصْبَحَ قَوْمٌ بِها كافِرِينَ ، ثم قال : وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أنّكُمْ تُكَذبُون » يقول قائِلٌ مُطِرْنا بنَجْمِ كَذَا وكَذَا .
وقال آخرون : بل معنى ذلك : وتجعلون حظكم منه التكذيب . ذكر من قال ذلك :
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أنّكُم تُكَذّبُونَ أما الحسن فكان يقول : بئسما أخذ قوم لأنفسهم لم يرزقوا من كتاب الله إلا التكذيب به .
حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : حدثنا ابن ثور ، عن معمر ، قال : قال الحسن ، في قوله : وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أنّكُمْ تُكَذّبُونَ خسر عبد لا يكون حظه من كتاب الله إلا التكذيب .
وقوله عز وجل : { وتجعلون رزقكم أنكم تكذبون } أجمع المفسرون على أن الآية توبيخ للقائلين في المطر الذي ينزله الله للعباد هذا بنوء كذا وكذا وهذا ب «عثانين » الأسد ، وهذا بنوء الجوزاء وغير ذلك . والمعنى : وتجعلون شكر رزقكم ، كما تقول لرجل : جعلت يا فلان إحساني إليك أن تشتمني المعنى : جعلت شكر إحساني . وحكى الهيثم بن عدي أن من لغة أزد شنوءة : ما رزق فلان ؟ بمعنى ما شكره . وكان علي بن أبي طالب رضي الله عنه يقرؤها : «وتجعلون شكركم أنكم تكذبون » ، وكذلك قرأ ابن عباس ، ورويت عن النبي صلى الله عليه وسلم{[10937]} ، إلا أن ابن عباس ضم التاء وفتح الكاف ، وعلي رضي الله عنه : فتح التاء وسكن الكاف وخفف الذال ، ومن هذا المعنى قول الشاعر : [ السريع ]
وكان شكر القوم عند المنى . . . كي الصحيحات وفقء الأعين{[10938]}
وقد أخبر الله تعالى أنه أنزل من السماء ماء مباركاً فأنبت به جنات وحب الحصيد والنخل باسقات لها طلع نضيد رزقاً للعباد فهذا معنى قوله : { إنكم تكذبون } ، أي بهذا الخبر .
وقرأ عاصم في رواية المفضل عنه : «تَكْذبون » بفتح التاء وسكون الكاف وتخفيف الدال كقراءة علي بن أبي طالب . وكذبهم في مقالتهم بين ، لأنهم يقولون هذا بنوء كذا وذلك كذب منهم وتخرص ، وذكر الطبري أن النبي عليه السلام سمع رجلاً يقول : مطرنا ببعض عثانين الأسد ، فقال له : «كذبت ، بل هو رزق الله »{[10939]} .
قال القاضي أبو محمد : والنهي عنه المكروه هو أن يعتقد أن للطالع من النجوم تأثيراً في المطر ، وأما مراعاة بعض الطوالع على مقتضى العادة ، فقد قال عمر للعباس وهما في الاستسقاء : يا عباس ، يا عم النبي عليه السلام كم بقي من نوء الثريا ، فقال العباس : العلماء يقولون إنها تتعرض في الأفق بعد سقوطها سبعاً . قال ابن المسيب : فما مضت سبع حتى مطروا{[10940]} .
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
قوله:"وَتَجْعَلُونَ رِزقَكمْ أنّكُمْ تُكَذّبُونَ "يقول: وتجعلون شكر الله على رزقه إياكم التكذيب، وذلك كقول القائل لآخر: جعلت إحساني إليك إساءة منك إليّ، بمعنى: جعلت: شكر إحساني، أو ثواب إحساني إليك إساءة منك إليّ.
وقد ذُكر عن الهيثم بن عديّ: أن من لغة أزد شنوءة: ما رزق فلان: بمعنى ما شكر...
وقال آخرون: بل معنى ذلك: وتجعلون حظكم منه التكذيب...
تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :
{وتجعلون رزقكم أنكم تكذّبون} الله تعالى جعل هذا القرآن حياة للدين وقواما، والرزق حياة للأبدان وما به قوامها، فكذبوا الأمرين جميعا ما به حياة الدين وحياة الأبدان جميعا... {وتجعلون رزقكم} وهو هذا القرآن الذي خصكم به دون آبائكم، ورزقكم به ما لم يرزق آبائكم منه، ثم جعلتم تكذبون ذلك الرزق الذي خصصتم به ورزقتم...
تفسير القرآن للسمعاني 489 هـ :
... الرزق هاهنا بمعنى الهداية التي أعطاهم الله تعالى بالقرآن، فكأن الله تعالى لما أنزل القرآن، وبين لهم طريق الحق به فكذبوه وأنكروا، سمي بذلك البيان رزقا، وجعل تكذيبهم كفرانا لهذا الرزق...
الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :
«تكذبون» وهو قولهم في القرآن: شعر وسحر وافتراء. وفي المطر: وهو من الأنواء، ولأنّ كل مكذب بالحق كاذب.
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
{وتجعلون رزقكم} أي حظكم ونصيبكم وجميع ما تنتفعون به من هذا الكتاب وهو نفعكم كله {أنكم تكذبون} أي توجدون حقيقة التكذيب في الماضي والحال، وتجددون ذلك في كل وقت به وبما أرشد إليه من الأمور الجليلة وهي كل ما هو أهل للتصديق به وتصفونه بالأوصاف المتناقضة، ومن ذلك ما أرشد إليه من أنه لا فاعل إلا الله تعالى فتقولون أنتم إذا أمطركم ما يرزقكم به: هذا بنوء كذا...
في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :
(وتجعلون رزقكم أنكم تكذبون).. فإذا التكذيب هو رزقكم الذي تحصلون عليه في حياتكم وتدخرونه لآخرتكم؟ وما أسوأه من رزق!...
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
أفتجعلون رزقكم أنكم تكذبون، وهو تفريع على ما تضمنه الاستدلال بتكوين نسل الإنسان وخلق الحَب، والماء في المزن، والنار من أعواد الاقتداح، فإن في مجموع ذلك حصول مقومات الأقوات وهي رزق، والنسل رزق، يقال: رُزق فلان ولَداً، لأن الرزق يطلق على العطاء النافع...
وإذ كان التكذيب لا يصح أن يجعل رزقاً تعين بدلالة الاقتضاء تقدير محذوف يفيده الكلام فقدره المفسرون: شُكْر رزقكم، أو نحوه، أي تجعلون شكر الله على رزقه إياكم أن تكذبوا بقدرته على إعادة الحياة، لأنهم عدلوا عن شكر الله تعالى فيما أنعم به عليهم فاستنقصوا قدرته على إعادة الأجسام، ونسبوا الزرع لأنفسهم، وزعموا أن المطر تمطره النجوم المسماة بالأنواء...