الكشف والبيان في تفسير القرآن للثعلبي - الثعلبي  
{وَتَجۡعَلُونَ رِزۡقَكُمۡ أَنَّكُمۡ تُكَذِّبُونَ} (82)

{ وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ } حظكم ونصيبكم من القرآن { أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ } .

قال الحسن : في هذه الآية خسر عبد لا يكون حظه من كتاب الله إلاّ التكذيب به .

وقال آخرون : هذا في الاستسقاء بالأنواء . أنبأني عبدالله بن حامد ، أنبأنا محمد بن الحسن ، حدّثنا أحمد بن يوسف ، حدّثنا النضر بن محمد ، عكرمة ، حدّثنا أبو زميل حدّثني ابن عباس قال : " مُطر الناس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال النبي صلى الله عليه وسلم " أصبح من الناس شاكر ومنهم كافر ، قالوا : هذه رحمة وضعها الله ، وقال بعضهم : لقد صدق نوء كذا وكذا "

قال : فنزلت هذه الآية .

{ فَلاَ أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ } حتى { وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ } ، وشرح قول ابن عباس هذا في سبب نزول هذه الآية ما روي عنه " أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج في سفر فنزلوا فأصابهم العطش وليس معهم ماء فذكروا ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال : " أرأيتم إن دعوت لكم فسقيتم فلعلكم تقولون سُقينا هذا المطر بنوء كذا " . فقالوا : يا رسول الله ما هذا بحين الأنواء .

قال فصلى ركعتين ودعا ربه فهاجت ريح ثم هاجت سحابة فمطروا حتى سالت الأودية وملوؤا الأسقية فثم ركب رسول الله صلى الله عليه وسلم فمرَّ برجل يغترف بقدح له وهو يقول : سُقينا بنوء فلان ، ولم يقل : هذا من رزق الله ، فأنزل الله عزّوجل { وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ } " أي شكركم لله على رزقه إياكم { أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ } بالنعمة وتقولون : سُقينا بنوء كذا ، وهذا كقول القائل : جعلت العطاء إليك إساءة منك إليَّ ، وجعلت شكر إكرامي لك أنك اتخذتني عدواً ، فمجاز الآية : وتجعلون شكر رزقكم ، فحذف المضاف وأقام المضاف إليه مقامه ، كقوله

{ وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ } [ يوسف : 82 ] ونحوها .

قال الشاعر :

وكان شكر القوم عند المنن *** كنَّ الصحيحات وقفا الأعين

ودليل هذا التأويل ما أخبرنا عبد الله بن حامد ، أخبرنا عمر بن الحسن ، حدّثنا أحمد ، حدّثنا أُبي ، حدّثنا حصين عن هارون بن سعد عن عبدالأعلى عن أبي عبدالرحمن عن علي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ : ( وتجعلون شكركم أنكم تكذبون ) .

وذكر الهيثم عن عدي أن من لغة أزد شنوءة : ما رزق فلان ، بمعنى ما شكر .

وأنبأني عقيل ، المعافي ، محمد بن جرير حدّثني يونس ، سفيان عن محمد بن إسحاق عن محمد بن إبراهيم بن الحرث التيمي عن أبي سلمة عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " " ان الله سبحانه وتعالى ليصبح عباده بالنعمة أو يمسيهم بها فيصبح قوم كافرين يقولون : مطرنا بنوء كذا وكذا " .

قال محمد : فذكرت هذا الحديث لسعيد بن المسيب فقال : ونحن قد سمعنا من أبي هريرة ، وقد أخبرني من شهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه وهو يستسقي فلما إستسقى التفت إلى العباس فقال : يا عم رسول الله كم بقي من نؤء الثريا ؟ فقال : " العلماء يزعمون أنها تعترض في الأفق بعد سقوطها سبعاً " قال : فما مضت سابعة حتى مطروا " .

أخبرنا عبد الله بن حامد ، أخبرنا محمد بن خالد ، أخبرنا داود بن سليمان ، حدّثنا عبد بن حميد ، حدّثنا هاشم بن القاسم ، حدّثنا محمد بن طلحة ، عن طلحة عن عبد الله بن محيريز قال : دعاه سليمان بن عبدالملك فقال : لو تعلّمت علم النجوم فازددت إلى علمك .

فقال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ان أخوف ما أخاف على أمتي ثلاث : حيف الأئمة وتكذيباً بالقدر وإيماناً بالنجوم " .