المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ قُل لِّمَن فِيٓ أَيۡدِيكُم مِّنَ ٱلۡأَسۡرَىٰٓ إِن يَعۡلَمِ ٱللَّهُ فِي قُلُوبِكُمۡ خَيۡرٗا يُؤۡتِكُمۡ خَيۡرٗا مِّمَّآ أُخِذَ مِنكُمۡ وَيَغۡفِرۡ لَكُمۡۚ وَٱللَّهُ غَفُورٞ رَّحِيمٞ} (70)

70- يأيها النبي ، قل للذين وقعوا في أيديكم من الأسرى : إن يكن في قلوبكم خير يعلمه اللَّه ، يخلف لكم خيرا مما أخذه المؤمنون منكم ، ويغفر لكم ما كان من الشرك والسيئات ، واللَّه كثير المغفرة والرحمة لمن تاب من كفره ومن ذنبه .

 
معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ قُل لِّمَن فِيٓ أَيۡدِيكُم مِّنَ ٱلۡأَسۡرَىٰٓ إِن يَعۡلَمِ ٱللَّهُ فِي قُلُوبِكُمۡ خَيۡرٗا يُؤۡتِكُمۡ خَيۡرٗا مِّمَّآ أُخِذَ مِنكُمۡ وَيَغۡفِرۡ لَكُمۡۚ وَٱللَّهُ غَفُورٞ رَّحِيمٞ} (70)

قوله تعالى : { يا أيها النبي قل لمن في أيديكم من الأسرى } ، قرأ أبو عمرو وأبو جعفر : ( من الأسارى ) بالألف ، والباقون بلا ألف . نزلت في العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه ، وكان أسر يوم بدر ، وكان أحد العشرة الذين ضمنوا طعام أهل بدر ، وكان يوم بدر نوبته ، وكان خرج بعشرين أوقية من الذهب ليطعم بها الناس ، فأراد أن يطعم ذلك اليوم فاقتتلوا وبقيت العشرون أوقية معه ، فأخذت منه في الحرب ، فكلم النبي صلى الله عليه وسلم أن يحتسب العشرين أوقية من فدائه فأبى وقال : أما شيء خرجت تستعين به علينا فلا أتركه لك ، وكلف فداء بني أخيه عقيل بن أبي طالب ، ونوفل بن الحارث ، فقال العباس : يا محمد ، تركتني أتكفف قريشاً ما بقيت ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : فأين الذهب الذي دفعته إلى أم الفضل وقت خروجك من مكة وقلت لها : إني لا أدري ما يصيبني في وجهي هذا ، فإن حدث بي حدث فهو لك ، ولعبد الله ، ولعبيد الله ، وللفضل ، وقثم ، يعني الأربعة ، فقال له العباس : وما يدريك ؟ قال : أخبرني به ربي عز وجل ، قال العباس : أشهد أنك صادق ، وقال : لا إله إلا الله وأنك عبده ورسوله ، ولم يطلع عليه أحد إلا الله عز وجل ، فذلك قوله تعالى : { يا أيها النبي قل لمن في أيديكم من الأسرى } الذين أخذت منهم الفداء .

قوله تعالى : { أن يعلم الله في قلوبكم خيراً } ، أي إيماناً .

قوله تعالى : { يؤتكم خيراً مما أخذ منكم } من الفداء .

قوله تعالى : { ويغفر لكم } ، ذنوبكم .

قوله تعالى : { والله غفور رحيم } قال العباس رضي الله عنه : فأبدلني الله عنها عشرين عبداً كلهم تاجر يضرب بمال كثير وأدناهم يضرب بعشرين ألف درهم مكان عشرين أوقية ، وأعطاني زمزم وما أحب أن لي بها جميع أموال مكة ، وأنا أنتظر المغفرة من ربي عز وجل .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ قُل لِّمَن فِيٓ أَيۡدِيكُم مِّنَ ٱلۡأَسۡرَىٰٓ إِن يَعۡلَمِ ٱللَّهُ فِي قُلُوبِكُمۡ خَيۡرٗا يُؤۡتِكُمۡ خَيۡرٗا مِّمَّآ أُخِذَ مِنكُمۡ وَيَغۡفِرۡ لَكُمۡۚ وَٱللَّهُ غَفُورٞ رَّحِيمٞ} (70)

{ 70 - 71 ْ } { يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِمَنْ فِي أَيْدِيكُمْ مِنَ الْأَسْرَى إِنْ يَعْلَمِ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْرًا يُؤْتِكُمْ خَيْرًا مِمَّا أُخِذَ مِنْكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ * وَإِنْ يُرِيدُوا خِيَانَتَكَ فَقَدْ خَانُوا اللَّهَ مِنْ قَبْلُ فَأَمْكَنَ مِنْهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ْ }

وهذه نزلت في أسارى يوم بدر ، وكان في جملتهم العباس عم رسول اللّه صلى الله عليه وسلم ، فلما طلب منه الفداء ، ادَّعى أنه مسلم قبل ذلك ، فلم يسقطوا عنه الفداء ، فأنزل اللّه تعالى جبرا لخاطره ومن كان على مثل حاله .

{ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِمَنْ فِي أَيْدِيكُمْ مِنَ الْأَسْرَى إِنْ يَعْلَمِ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْرًا يُؤْتِكُمْ خَيْرًا مِمَّا أُخِذَ مِنْكُمْ ْ } أي : من المال ، بأن ييسر لكم من فضله ، خيرا وأكثر{[357]}  مما أخذ منكم .

{ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ْ } ذنوبكم ، ويدخلكم الجنة وقد أنجز اللّه وعده للعباس وغيره ، فحصل له - بعد ذلك - من المال شيء كثير ، حتى إنه مرة لما قدم على النبي صلى الله عليه وسلم مال كثير ، أتاه العباس فأمره أن يأخذ منه بثوبه ما يطيق حمله ، فأخذ منه ما كاد أن يعجز عن حمله .


[357]:- في ب: كثيرا.
 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ قُل لِّمَن فِيٓ أَيۡدِيكُم مِّنَ ٱلۡأَسۡرَىٰٓ إِن يَعۡلَمِ ٱللَّهُ فِي قُلُوبِكُمۡ خَيۡرٗا يُؤۡتِكُمۡ خَيۡرٗا مِّمَّآ أُخِذَ مِنكُمۡ وَيَغۡفِرۡ لَكُمۡۚ وَٱللَّهُ غَفُورٞ رَّحِيمٞ} (70)

ثم أمرت السورة النبى - صلى الله عليه وسلم - أن يخبر الأسرى بأنهم إذا فتحوا قلوبهم للحق واستجابوا له - سبحانه - سيعوضهم عما فقدوه خيراً منه ، أما إذا استمروا في كفرهم وعنادهم فإن الدائرة ستدور عليهم . استمع إلى السورة الكريمة وهى تصور هذا المعنى بأسلوبها البليغ فتقول : { ياأيها النبي . . . والله عَلِيمٌ حَكِيمٌ } .

قال : ابن كثير : " عن الزهرى عن جماعة سماهم قالوا : بعثت قريش إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في فداء أسراهم ، ففدى كل قوم أسيرهم بما رضوا .

وقال العباس : يا رسول الله ! قد كنت مسلماً ! فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " الله أعلم بإسلامك ، فإن يكن كما تقول ، فإن الله يجزيك . وأما ظاهرك فقد كان علينا ، فافتد نفسك وابنى أخيك نوفل بن الحارث ، وعقيل بن أبى طالب ، وحليفك عتبة بن عمرو أخى بنى الحارث بن فهر

" . قال العباس : ما ذاك عندى يا رسول الله ، فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " فأين المال الذي دفنته أنت وأم الفضل ، فقلت لها : إن أصبت في سفرى هذا فهذا المال الذي دفنته لبنىّ : الفضل ، وعبد الله ، وقثم " ؟

قال : والله يا رسول الله إنى لأعلم أنك رسول الله . إن هذا الشئ ما علمه أحد غيرى وغير أم الفضل ، فاحسب لى يا رسول الله ما أصبتم منى : - عشرين أوقية من مال كان معى - .

فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم " لا ، ذاك شئ أعطانا الله منك " .

ففدى نفسه وابنى أخويه وحليفه . فأنزل الله - تعالى - فيه { ياأيها النبي قُل لِّمَن في أَيْدِيكُمْ مِّنَ الأسرى } الآية .

قال العباس : فأعطانى الله مكان العشرين الأوقية في الإسلام ، عشرين عبداً كلهم في يده مال يضرب به . مع ما أجرو من مغفرة الله - تعالى - " .

وفى صحيح البخارى " عن أنس : أن رجالاً من الأنصار قالوا : يا رسول الله ائنذ لنا فلنترك لابن أختنا عباس فداءه .

فقال - صلى الله عليه وسلم - : " لا والله ! لا تذرون منها درهما " هذا والآية الكريمة وإن كانت قد نزلت في العباس إلا أنها عامة في جميع الأسرى : إذ العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب ، ولأن الخطاب فيها موجه إلى سائر الأسرى لا إلى فرد منهم دون آخر .

والمعنى : { ياأيها النبي قُل لِّمَن في أَيْدِيكُمْ } أى : قل للذين تحت تصرف أيدكم { مِّنَ الأسرى } أى : من اسرى المشركين في بدر الذين أخذتم منهم الفداء لتطلقوا سراحهم .

قل لهم - أيها النبى الكريم - { إِن يَعْلَمِ الله فِي قُلُوبِكُمْ خَيْراً } أى : إيماناً وتصديقاً وعزماً على اتباع الحق ونبذ الكفر والعناد . . إن يعلم الله - تعالى - منكم ذلك { يُؤْتِكُمْ خَيْراً مِّمَّآ أُخِذَ مِنكُمْ } من فداء ، بأن يخلفه عليكم في الدنيا ، ويمنحكم الثواب الجزيل في الآخرة .

ولقد صدق الله - تعالى - وعده مع من آمن وعمل صالحاً من هؤلاء الأسرى ، فأعطاهم الكثير من نعمه كما قال العباس - رضى الله عنه -

وقوله : { وَيَغْفِرْ لَكُمْ } زيادة في حضهم على الدخول في الإِيمان .

وقوله : { والله غَفُورٌ رَّحِيمٌ } تذييل قصد به تأكيد ما قبله من الوعد بالخير والمغفرة .

أى : والله - تعالى - واسع المغفرة ، والرحمة لمن استجاب للحق ، وقدم العمل الصالح .

والتعبير ، بقوله : { لِّمَن في أَيْدِيكُمْ } للإِشعار بأن هؤلاء الأسرى المشركين قد صاروا في قبضة المؤمنين وتحت تصرفهم ، حتى لكأن أيديهم قابضة عليهم .

وأسند وجود الخير في قلوبهم إلى علم الله - تعالى - للإِشارة إلى أن ادعاء الإِيمان باللسان فقط لا يكفل لهم الحصول على الخير الذي فقدوه ولا يوصلهم إلى مغفرة الله - تعالى - فعليهم أن يخلصوا لله في إيمانهم حتى ينالوا فضله وثوابه ، فهو - سبحانه - عليم بذات الصدور .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ قُل لِّمَن فِيٓ أَيۡدِيكُم مِّنَ ٱلۡأَسۡرَىٰٓ إِن يَعۡلَمِ ٱللَّهُ فِي قُلُوبِكُمۡ خَيۡرٗا يُؤۡتِكُمۡ خَيۡرٗا مِّمَّآ أُخِذَ مِنكُمۡ وَيَغۡفِرۡ لَكُمۡۚ وَٱللَّهُ غَفُورٞ رَّحِيمٞ} (70)

55

ثم يلمس قلوب الأسرى لمسة تحيي فيها الرجاء ، وتطلق فيها الأمل ، وتشيع فيها النور ، وتعلقها بمستقبل خير من الماضي ، وبحياة أكرم مما كانوا فيه ، وبكسب أرجح مما فقدوا من مال وديار وبعد ذلك كله بالمغفرة والرحمة من الله :

( يا أيها النبي قل لمن في أيديكم من الأسرى : إن يعلم الله في قلوبكم خيراً يؤتكم خيراً مما أخذ منكم ، ويغفر لكم ، والله غفور رحيم ) . .

هذا الخير كله معلق بأن تصلح قلوبهم فتتفتح لنور الإيمان ؛ فيعلم الله أن فيها خيراً . . والخير هو الإيمان حتى ما يحتاج إلى ذكر وتنصيص . الخير محض الخير ، والذي لا يسمى شيء ما خيراً إلا أن يستمد منه وينبثق منه ويقوم عليه .

إن الإسلام إنما يستبقي الأسرى لديه ، ليلمس في قلوبهم مكامن الخير والرجاء والصلاح ، وليوقظ في فطرتهم أجهزة الاستقبال والتلقي والتأثر والاستجابة للهدى . لا ليستذلهم انتقاماً ، ولا ليسخرهم استغلالاً ؛ كما كانت تتجه فتوحات الرومان ؛ وكما تتجه فتوحات الأجناس والأقوام !

عن الزهري عن جماعة سماهم قال : بعثت قريش في فداء أسراهم ، ففدى كل قوم أسيرهم بما رضوا . وقال العباس : يا رسول الله قد كنت مسلماً ! فقال رسول الله [ ص ] : " الله أعلم بإسلامك ، فإن تكن كما تقول فإن الله يجزيك ، وأما ظاهرك فقد كان علينا ، فافتد نفسك وابني أخيك نوفل بن الحارث ابن عبد المطلب ، وعقيل بن أبي طالب بن عبد المطلب ، وحليفك عتبة بن عمرو أخي بني الحارث بن فهر " : قال " : ما ذاك عندي يا رسول الله " ! قال : " فأين المال الذي دفنته أنت وأم الفضل ، قلت لها : إن أصبت في سفري هذا فهذا المال الذي دفنته لبني الفضل وعبدالله وقثم ? " . قال : " والله يا رسول الله إني لأعلم أنك رسول الله . إن هذا لشيء ما علمه أحد غيري وغير أم الفضل . فاحسب لي يا رسول الله ما أصبتم مني - عشرين أوقية من مال كان معي " ! - فقال رسول الله [ ص ] : " لا . ذاك شيء أعطانا الله تعالى منك " . ففدى نفسه وبني أخويه وحليفه . فأنزل الله عز وجل : ( يا أيها النبي قل لمن في أيديكم من الأسرى إن يعلم الله في قلوبكم خيراً يؤتكم خيراً مما أخذ منكم ، ويغفر لكم ، والله غفور رحيم ) . . قال العباس : فأعطاني الله مكان العشرين الأوقية في الإسلام عشرين عبداً كلهم في يده مال يضرب به ، مع ما أرجو من مغفرة الله عز وجل .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ قُل لِّمَن فِيٓ أَيۡدِيكُم مِّنَ ٱلۡأَسۡرَىٰٓ إِن يَعۡلَمِ ٱللَّهُ فِي قُلُوبِكُمۡ خَيۡرٗا يُؤۡتِكُمۡ خَيۡرٗا مِّمَّآ أُخِذَ مِنكُمۡ وَيَغۡفِرۡ لَكُمۡۚ وَٱللَّهُ غَفُورٞ رَّحِيمٞ} (70)

القول في تأويل قوله تعالى : { يَأَيّهَا النّبِيّ قُل لّمَن فِيَ أَيْدِيكُمْ مّنَ الأسْرَىَ إِن يَعْلَمِ اللّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْراً يُؤْتِكُمْ خَيْراً مّمّآ أُخِذَ مِنكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ رّحِيمٌ } .

يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : يا أيها النبيّ قل لمن في يديك وفي يدي أصحابك من أسرى المشركين الذين أخذ منهم من الفداء ما أخذ إنْ يَعْلَمِ الله في قُلُوبِكُمْ خَيْرا يقول : إن يعلم الله في قلوبكم إسلاما يؤتكم خيرا مما أخذ منكم من الفداء . وَيَغْفِرْ لَكُمْ يقول : ويصفح لكم عن عقوبة جرمكم الذي اجترمتموه بقتالكم نبيّ الله وأصحابه وكفركم بالله . وَاللّهُ غَفُورٌ لذنوب عباده إذا تابوا ، رَحِيمٌ بهم أن يعاقبهم عليها بعد التوبة . وذُكر أن العباس بن عبد المطلب كان يقول : فيّ نزلت هذه الاَية . ذكر من قال ذلك :

حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا ابن إدريس ، عن ابن إسحاق ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، عن ابن عباس ، قال : قال العباس : فيّ نزلت : ما كانَ لِنَبِيّ أنْ يَكُونَ لَهُ أسْرَى حتى يُثْخِنَ في الأرْضِ ، فأخبرت النبيّ صلى الله عليه وسلم بإسلامي ، وسألته أن يحاسبني بالعشرين الأوقية التي أخذ مني فأبى ، فأبدلني الله بها عشرين عبدا كلهم تاجر ، مالي في يديه .

وقد حدثنا بهذا الحديث ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، قال : قال محمد ، ثني الكلبي ، عن أبي صالح ، عن ابن عباس ، عن جابر بن عبد الله بن رئاب ، قال : كان العباس بن عبد المطلب يقول : فيّ والله نزلت حين ذكرت لرسول الله صلى الله عليه وسلم إسلامي . ثم ذكر نحو حديث ابن وكيع .

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : قُلْ لِمَنْ فِي أيْدِيكُمْ مِنَ الأسْرَى . . . الاَية ، قال : ذكر لنا أن نبيّ الله صلى الله عليه وسلم لمّا قدم عليه مال البحرين ثمانون ألفا ، وقد توضأ لصلاة الظهر ، فما أعطى يومئذ شاكيا ولا حرم سائلاً وما صلى يومئذ حتى فرّقه ، وأمر العباس أن يأخذ منه ويحتثي ، فأخذ . قال : وكان العباس يقول : هذا خير مما أخذ منا وأرجو المغفرة .

حدثني المثنى ، قال : حدثنا عبد الله بن صالح ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس ، قوله : يا أيّها النّبِيّ قُلْ لِمَنْ فِي أيْدِيكُمْ مِنَ الأسْرَى . . . الاَية ، وكان العباس أسر يوم بدر ، فافتدى نفسه بأربعين أوقية من ذهب ، فقال العباس حين نزلت هذه الاَية : لقد أعطاني الله خصلتين ما أحبّ أن لي بهما الدنيا : أني أسرت يوم بدر ففديت نفسي بأربعين أوقية ، فآتاني أربعين عبدا وأنا أرجو المغفرة التي وعدنا الله .

حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله : يا أيّها النّبِيّ قُلْ لِمَنْ فِي أيْدِيكُمْ مِنَ الأسْرَى . . . إلى قوله : وَاللّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ يعني بذلك من أسر يوم بدر ، يقول : إن عملتم بطاعتي ونصحتم لرسولي ، آتيتكم خيرا مما أخذ منكم وغفرت لكم .

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن عطاء الخراساني ، عن ابن عباس : يا أيّها النّبِيّ قُلْ لِمَنْ فِي أيْدِيكُمْ مِنَ الأسْرَى عباس وأصحابه ، قال : قالوا للنبيّ صلى الله عليه وسلم : آمنا بما جئت به ، ونشهد أنك لرسول الله ، لننصحنّ لك على قومنا فنزل : إنْ يَعْلِمِ اللّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْرا يُؤْتِكُمْ خَيْرا مِمّا أُخِذَ مِنْكُمْ إيمانا وتصديقا ، يخلف لكم خيرا مما أصيب منكم ، وَيَغْفِرْ لَكُمْ الشرك الذي كنتم عليه . قال : فكان العباس يقول : ما أحبّ أن هذه الاَية لم تنزل فينا وأن لي الدنيا ، لقد قال : يُؤْتِكُمْ خَيْرا مِمّا أُخِذَ مِنْكُمْ فقد أعطاني خيرا مما أخذ مني مئة ضعف ، وقال : وَيَغْفِرْ لَكُمْ وأرجو أن يكون قد غفر لي .

حُدثت عن الحسين بن الفرج ، قال : سمعت أبا معاذ ، قال : حدثنا عبيد بن سليمان ، قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : يا أيّها النّبِيّ قُلْ لِمَنْ فِي أيْدِيكُمْ مِنَ الأسْرَى . . . الاَية ، يعني العباس وأصحابه أسروا يوم بدر ، يقول الله : إن عملتم بطاعتي ونصحتم لي ولرسولي أعطيتكم خيرا مما أُخذ منكم وغفرت لكم . وكان العباس بن عبد المطلب يقول : لقد أعطانا الله خصلتين ما شيء هو أفضل منهما : عشرين عبدا . وأما الثانية : فنحن في موعود الصادق ، ننتظر المغفرة من الله سبحانه .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ قُل لِّمَن فِيٓ أَيۡدِيكُم مِّنَ ٱلۡأَسۡرَىٰٓ إِن يَعۡلَمِ ٱللَّهُ فِي قُلُوبِكُمۡ خَيۡرٗا يُؤۡتِكُمۡ خَيۡرٗا مِّمَّآ أُخِذَ مِنكُمۡ وَيَغۡفِرۡ لَكُمۡۚ وَٱللَّهُ غَفُورٞ رَّحِيمٞ} (70)

استئناف ابتدائي ، وهو إقبال على خطاب النبي صلى الله عليه وسلم بشيء يتعلّق بحال سرائر بعض الأسرى ، بعد أن كان الخطاب متعلقا بالتحريض على القتال وما يتبعه ، وقد كان العباس في جملة الأسرى وكان ظهر منه ميل إلى الإسلام . قبل خروجه إلى بدر ، وكذلك كان عقيل بن أبي طالب بن عبد المطلب ، ونوفل بن الحارث بن عبد المطلب ، وقد فدى العباسُ نفسه وفدى ابنَي أخَوَيْه : عُقيلاً ونوْفلاً . وقال للنبيء صلى الله عليه وسلم تَركتني أتكفّف قريشاً . فنزلت هذه الآية في ذلك ، وهي ترغيب لهم في الإسلام في المستقبل ، ولذلك قيل لهم هذا القول قبل أن يفارقوهم .

فمعنى { من في أيديكم } من في مَلكتكم ووثاقكم ، فالأيدي مستعارة للمِلك . وجمعها باعتبار عدد المالكين . وكان الأسرَى مشركين ، فإنّهم ما فَادوا أنفسهم إلاّ لقصد الرجوع إلى أهل الشرك .

والمراد بالخير محبّة الإيمان والعزم عليه ، أي : فإذا آمنتم بعد هذا الفِداء يؤتكم الله خيراً ممّا أخذ منكم . وليس إيتاء الخير على مجرّد محبة الإيمان والميل إليه ، كما أخبر العبّاس عن نفسه ، بل المراد به ما يترتّب على تلك المحبّة من الإسلام بقرينة قوله : { ويغفر لكم } . وكذلك ليس الخير الذي في قلوبهم هو الجزم بالإيمان : لأنّ ذلك لم يدَّعوه ولا عرِفوا به ، قال ابن وهب عن مالك : كان أسرى بدر مشركين ففادوا ورجعوا ولو كانوا مسلمين لأقاموا .

و« ما أخذ » هو مال الفداء ، والخيرُ منه هو الأوفر من المال بأن ييسِّر لهم أسباب الثروة بالعطاء من أمْوال الغنائم وغيرها . فقد أعطَى رسول الله صلى الله عليه وسلم العباسَ بعد إسلامه مِن فَيْءِ البَحرين . وإنّما حملنا الخير على الأفضل من المال ؛ لأنّ ذلك هو الأصل في التفضيل بين شيئين أن يكون تفضيلاً في خصائص النوع ، ولأنّه عطف عليه قوله : { ويغفر لكم } وذلك هو خير الآخرة المترتّب على الإيمان ، لأنّ المغفرة لا تحصل إلاّ للمؤمن .

والتذييلُ بقوله : { والله غفور رحيم } للإيماء إلى عظم مغفرته التي يغفر لهم ، لأنّها مغفرة شديدِ الغفران رحيممٍ بعبَاده ، فمثال المبالغة وهو غفور المقتضي قوةَ المغفرة وكثرتها ، مستعمل فيهما باعتبار كثرة المخاطبين وعِظم المغفرة لكلّ واحد منهم .

وقرأ الجمهور { من الأسرى } بفتح الهمزة وراء بعد السين مثل أسرى الأولى ، وقرأها أبو عَمرو ، وأبو جعفر { من الأسَارى } بضمّ الهمزة وألف بعد السين وراءه فورود هما في هذه الآية تفنُّن .