{ وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ } أي : ولقد يسرنا وسهلنا هذا القرآن الكريم ، ألفاظه للحفظ والأداء ، ومعانيه للفهم والعلم ، لأنه أحسن الكلام لفظا ، وأصدقه معنى ، وأبينه تفسيرا ، فكل من أقبل عليه يسر الله عليه مطلوبه غاية التيسير ، وسهله عليه ، والذكر شامل لكل ما يتذكر به العاملون من الحلال والحرام ، وأحكام الأمر والنهي ، وأحكام الجزاء والمواعظ والعبر ، والعقائد النافعة والأخبار الصادقة ، ولهذا كان علم القرآن حفظا وتفسيرا ، أسهل العلوم ، وأجلها على الإطلاق ، وهو العلم النافع الذي إذا طلبه العبد أعين عليه ، قال بعض السلف عند هذه الآية : هل من طالب علم فيعان [ عليه ] ؟ ولهذا يدعو الله عباده إلى الإقبال عليه والتذكر بقوله : { فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ }
ثم بين - سبحانه - مظاهر فضله ورحمته على هذه الآمة ، حيث جعل كتابه ميسرا فى حفظه وفهمه ، فقال - تعالى - : { وَلَقَدْ يَسَّرْنَا القرآن لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ } .
أى : والله لقد سهلنا القرآن { لِلذِّكْرِ } أى : للتذكر والحفظ ، بأن أنزلناه فصيحا فى ألفاظه ، بليغا فى تراكيبه ، واضحا فى معانيه ، سهل الحفظ لمن أراد أن يحفظه . . . فهل من معتبر ومتعظ ، بقصصه ، ووعده ، ووعيده ، وأمره ، ونهيه ؟
وقد وردت هذه الآية فى أعقاب قصة نوح وهود وصالح ولوط - عليهم السلام - ، لتأكيد مضمون ما سبق فى قوله - تعالى - : { وَلَقَدْ جَآءَهُم مِّنَ الأنبآء مَا فِيهِ مُزْدَجَرٌ حِكْمَةٌ بَالِغَةٌ فَمَا تُغْنِ النذر } وللتنبيه والإشعار بأن كل قصة من تلك القصص جديرة بإيجاب الاتعاظ ، وكافية فى الاعتبار والازدجار { لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السمع وَهُوَ شَهِيدٌ } والمقصود بالآية الكريمة التحضيض على حفظ القرآن الكريم والاعتبار بمواعظه ، والعمل بما فيه من تشريعات حكيمة ، وآداب قويمة ، وهدايات سامية . .
وهذا هو القرآن حاضرا ، سهل التناول ، ميسر الإدراك ، فيه جاذبية ليقرأ ويتدبر . فيه جاذبية الصدق والبساطة ، وموافقة الفطرة واستجاشة الطبع ، لا تنفد عجائبه ، ولا يخلق على كثرة الرد . وكلما تدبره القلب عاد منه بزاد جديد . وكلما صحبته النفس زادت له ألفة وبه أنسا :
( ولقد يسرنا القرآن للذكر ، فهل من مدكر ? ) . .
وهذا هو التعقيب الذي يتكرر ، بعد كل مشهد يصور . . ويقف السياق عنده بالقلب البشري يدعوه دعوة هادئة إلى التذكر والتدبر ، بعد أن يعرض عليه حلقة من العذاب الأليم الذي حل بالمكذبين .
وقوله : وَلَقَدْ يَسّرْنا القُرْآنَ للذّكْرِ يقول تعالى ذكره : ولقد سهّلنا القرآن ، بيّناه وفصّلناه للذكر ، لمن أراد أن يتذكر ويعتبر ويتعظ ، وهوّناه . كما :
حدثنا محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله : يَسّرْنا القُرْآنَ للذّكْرِ قال : هوّناه .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : وَلَقَدْ يَسّرْنا القُرْآنَ للذّكْرِ قال : يسّرنا : بيّنا .
وقوله : فَهَلْ مِنْ مُدّكِرْ يقول : فهل من معتبر متعظ يتذكر فيعتبر بما فيه من العبر والذكر .
وقد قال بعضهم في تأويل ذلك : هل من طالب علم أو خير فيُعان عليه ، وذلك قريب المعنى مما قلناه ، ولكنا اخترنا العبارة التي عبرناها في تأويله ، لأن ذلك هو الأغلب من معانيه على ظاهره . ذكر من قال ذلك :
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة وَلَقَدْ يَسّرْنا القُرْآنَ للذّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدّكِر يقول : فهل من طالب خير يُعان عليه .
حدثنا الحسين بن عليّ الصّدَائيّ ، قال : حدثنا يعقوب ، قال : ثني الحارث بن عبيد الإياديّ ، قال : سمعت قتادة يقول في قول الله : فَهَلْ مِنْ مُدّكِرٍ قال : هل من طالب خير يُعان عليه .
حدثنا عليّ بن سهل ، قال : حدثنا ضمرة بن ربيعة أو أيوب بن سويد أو كلاهما ، عن ابن شَوْذَب ، عن مطر ، في قوله : وَلَقَدْ يَسّرْنا القُرْآنَ للذّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدّكِرٍ قال : هل من طالب علم فيعان عليه .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.