مفاتيح الغيب للرازي - الفخر الرازي  
{وَلَقَدۡ يَسَّرۡنَا ٱلۡقُرۡءَانَ لِلذِّكۡرِ فَهَلۡ مِن مُّدَّكِرٖ} (17)

ثم قال تعالى : { ولقد يسرنا القرآن للذكر } وفيه وجوه ( الأول ) : للحفظ فيمكن حفظه ويسهل ، ولم يكن شيء من كتب الله تعالى يحفظ على ظهر القلب غير القرآن .

وقوله تعالى : { فهل من مدكر } أي هل من يحفظ ويتلوه ( الثاني ) : سهلناه للاتعاظ حيث أتينا فيه بكل حكمة ( الثالث ) : جعلناه بحيث يعلق بالقلوب ويستلذ سماعه ومن لا يفهم يتفهمه ولا يسأم من سمعه وفهمه ولا يقول قد علمت فلا أسمعه بل كل ساعة يزداد منه لذة وعلما . ( الرابع ) : وهو الأظهر أن النبي صلى الله عليه وسلم لما ذكر بحال نوح عليه السلام وكان له معجزة قيل له : إن معجزتك القرآن { ولقد يسرنا القرآن للذكر } تذكرة لكل أحد وتتحدى به في العالم ويبقى على مرور الدهور ، ولا يحتاج كل من يحضرك إلى دعاء ومسألة في إظهار معجزة ، وبعدك لا ينكر أحد وقوع ما وقع كما ينكر البعض انشقاق القمر ، وقوله تعالى : { فهل من مدكر } أي متذكر لأن الافتعال والتفعل كثيرا ما يجيء بمعنى ، وعلى هذا فلو قال قائل : هذا يقتضي وجود أمر سابق فنسي ، نقول : ما في الفطرة من الانقياد للحق هو كالمنسي فهل من مدكر يرجع إلى ما فطر عليه وقيل : فهل من مدكر أي حافظ أو متعظ على ما فسرنا به قوله تعالى : { يسرنا القرآن للذكر } وقوله : { فهل من مدكر } وعلى قولنا المراد متذكر إشارة إلى ظهور الأمر فكأنه لا يحتاج إلى نكر ، بل هو أمر حاصل عنده لا يحتاج إلى معاودة ما عند غيره .