المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{إِنَّا سَنُلۡقِي عَلَيۡكَ قَوۡلٗا ثَقِيلًا} (5)

5- إنا سنلقى عليك - أيها الرسول - قرآناً مشتملاً على الأوامر والنواهي والتكاليف الشاقة .

 
معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{إِنَّا سَنُلۡقِي عَلَيۡكَ قَوۡلٗا ثَقِيلًا} (5)

{ إنا سنلقي عليك قولاً ثقيلاً } قال ابن عباس رضي الله عنهما : شديداً . قال الحسن : إن الرجل ليهذ السورة ولكن العمل بها ثقيل . وقال قتادة : ثقيل والله فرائضه وحدوده . وقال مقاتل : ثقيل لما فيه من الأمر والنهي والحدود . وقال أبو العالية : ثقيل بالوعد والوعيد والحلال والحرام . وقال محمد بن كعب : ثقيل على المنافقين . وقال الحسين بن الفضل : قولاً خفيفاً على اللسان ثقيلاً في الميزان . وقال الفراء : ثقيل ليس بالخفيف السفساف لأنه كلام ربنا . وقال ابن زيد : هو والله ثقيل مبارك ، كما ثقل في الدنيا ثقل في الموازين يوم القيامة .

أخبرنا أبو الحسن السرخسي ، أنبأنا زاهر بن أحمد السرخسي ، أنبأنا أبو إسحاق الهاشمي ، أنبأنا أبو مصعب ، عن مالك ، عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم " أن الحرث بن هشام سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله كيف يأتيك الوحي ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أحياناً يأتيني في مثل صلصلة الجرس ، وهذا أشده علي فيفصم عني وقد وعيت ما قال ، وأحياناً يتمثل لي الملك رجلاً فيكلمني فأعي ما يقول . قالت عائشة : ولقد رأيته ينزل عليه في اليوم الشديد البرد فيفصم عنه وإن جبينه ليتفصد عرقا " .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{إِنَّا سَنُلۡقِي عَلَيۡكَ قَوۡلٗا ثَقِيلًا} (5)

القول في تأويل قوله تعالى : { إِنّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلاً ثَقِيلاً * إِنّ نَاشِئَةَ اللّيْلِ هِيَ أَشَدّ وَطْأً وَأَقْوَمُ قِيلاً * إِنّ لَكَ فِي النّهَارِ سَبْحَاً طَوِيلاً } .

اختلف أهل التأويل في تأويل قوله : إنّا سَنُلْقِي عَلَيْك قَوْلاً ثَقِيلاً فقال بعضهم : عُني به إنا سنلقي عليك قولاً ثقيلاً العمل به . ذكر من قال ذلك :

حدثني يعقوب بن إبراهيم ، قال : حدثنا ابن علية ، عن أبي رجاء ، عن الحسن ، في قوله : إنّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلاً ثَقِيلاً قال : العمل به ، قال : إن الرجل لَيَهُذّ السورة ، ولكنّ العمل به ثقيل .

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة قوله : إنّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلاً ثَقِيلاً ثقيل والله فرائضه وحدوده .

حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : حدثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ، قوله ثَقِيلاً قال : ثقيل والله فرائضه وحدوده .

وقال آخرون : بل عني بذلك أن القول عينه ثقيل محمله . ذكر من قال ذلك :

حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : حدثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه أن النبيّ صلى الله عليه وسلم كان إذا أوحي إليه وهو على ناقته وضعت جرانها ، فما تستطيع أن تتحرّك حتى يسرّي عنه .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قول الله : إنّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلاً ثَقِيلاً قال : هو والله ثقيل مبارك القرآن ، كما ثقل في الدنيا ثَقُل في الموازين يوم القيامة .

وأولى الأقوال بالصواب في ذلك أن يقال : إن الله وصفه بأنه قول ثقيل ، فهو كما وصفه به ثقيل محمله ثقيل العمل بحدوده وفرائضه .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{إِنَّا سَنُلۡقِي عَلَيۡكَ قَوۡلٗا ثَقِيلًا} (5)

تعليل للأَمر بقيام الليل وقع اعتراضاً بين جملة { قم الليل } [ المزمل : 2 ] وجملة { إن ناشئة الليل هي أشد وطْأً } [ المزمل : 6 ] ، وهو جملة مستأنفة استئنافاً بيانياً لحكمة الأمر بقيام الليل بأنها تهيئةُ نفس النبي صلى الله عليه وسلم ليحمل شدة الوحي ، وفي هذا إيماء إلى أن الله يَسَّر عليه ذلك كما قال تعالى : { إن علينا جمعه وقرآنه } [ القيامة : 17 ] ، فتلك مناسبة وقوع هذه الجملة عقب جملة { قم الليل إلاّ قليلاً } [ المزمل : 2 ] فهذا إشعار بأن نزول هذه الآية كان في أول عهد النبي صلى الله عليه وسلم بنزول القرآن فلما قال له : { ورتل القرءان ترتيلا } [ المزمل : 4 ] أعقب ببيان علة الأمر بترتيل القرآن .

والقول الثقيل هو القرآن وإلقاؤه عليه : إبلاغه له بطريق الوحي بواسطة الملَك .

وحقيقة الإِلقاء : رمي الشيء من اليد إلى الأرض وطرحه ، ويقال : شيء لَقى ، أي مطروح ، استعير الإِلقاء للإِبلاغ دفعة على غير ترقب .

والثقل الموصوف به القول ثقل مجازي لا محالة ، مستعار لصعوبة حفظه لاشتماله على معان ليست من معتاد ما يجول في مدارك قومه فيكون حفظ ذلك القول عسيراً على الرسول الأمّي تنوء الطاقة عن تلقّيه .

وأشعر قوله : { إنا سنلقي عليك قولاً ثقيلاً } أن ثقله متعلق ابتداء بالرسول صلى الله عليه وسلم لقوله قبله : { إنا سنلقي عليك } وهو ثقل مجازي في جميع اعتباراته وهو ثقيل صعب تلقيه ممن أنزل عليه . قال ابن عباس : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم " إذا نزل عليه الوحي ثقل عليه وتربَّد له جِلده " ( أي تغير بمثل القشعريرة ) وقالت عائشة : « رأتُهُ ينزل عليه الوحي في اليوم الشديد البرد فيفصم عنه وإن جبينه ليرفَضُّ عرقاً » .

ويستعار ثقل القول لاشتماله على معان وافرة يحتاج العلم بها لدقة النظر وذلك بكمال هديه ووفرة معانيه . قال الفراء : « ثقيلاً ليس بالكلام السفساف » . وحسبك أنه حوى من المعارف والعلوم ما لا يفي العقل بالإِحاطة به فكم غاصت فيه أفهام العلماء من فقهاء ومتكلمين وبلغاء ولغويين وحكماء فشابه الشيء الثقيل في أنه لا يقوى الواحد على الاستقلال بمعانيه .

وتأكيد هذا الخبر بحرف التأكيد للاهتمام به وإشعار الرسول صلى الله عليه وسلم بتأكيد قربه واستمراره ، ليكون وروده أسهل عليه من ورود الأمر المفاجىء .