المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{وَإِذۡ قُلۡتُمۡ يَٰمُوسَىٰ لَن نُّؤۡمِنَ لَكَ حَتَّىٰ نَرَى ٱللَّهَ جَهۡرَةٗ فَأَخَذَتۡكُمُ ٱلصَّـٰعِقَةُ وَأَنتُمۡ تَنظُرُونَ} (55)

55- واذكروا قولكم لموسى : إننا لن نقر لك بالإيمان حتى نرى الله جهاراً عياناً بحاسة البصر لا يحجبه عنا شيء ، فانقضَّت عليكم صاعقة ونار من السماء زلزلتكم جزاء عنادكم وظلمكم وطلبكم ما يستحيل وقوعه لكم ، وأنتم تنظرون حالكم وما أصابكم من بلاء وعذاب في الصاعقة .

 
معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{وَإِذۡ قُلۡتُمۡ يَٰمُوسَىٰ لَن نُّؤۡمِنَ لَكَ حَتَّىٰ نَرَى ٱللَّهَ جَهۡرَةٗ فَأَخَذَتۡكُمُ ٱلصَّـٰعِقَةُ وَأَنتُمۡ تَنظُرُونَ} (55)

قوله تعالى : { وإذ قلتم يا موسى لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة } . وذلك أن الله تعالى أمر موسى عليه السلام أن يأتيه في ناس من بني إسرائيل يعتذرون له من عبادة العجل ، فاختار موسى سبعين رجلاً من قومه من خيارهم ، فقال لهم : صوموا وتطهروا وطهروا ثيابكم ، ففعلوا ، فخرج بهم موسى إلى طور سيناء لميقات ربه ، فقالوا لموسى : اطلب لنا نسمع كلام ربنا ، فقال لهم : أفعل ، فلما دنا موسى من الجبل وقع عليه عمود الغمام وتغشى الجبل كله ، فدخل في الغمام وقال للقوم : ادنوا فدنا القوم حتى دخلوا في الغمام وخروا سجداً ، وكان موسى إذا كلمه ربه وقع على وجهه نور ساطع لا يستطيع أحد من بني آدم أن ينظر إليه ، فضرب دونهم الحجاب وسمعوه وهو يكلم موسى يأمره وينهاه وأسمعهم الله : إني أنا الله لا إله إلا أنا ذو بكة أخرجتكم من أرض مصر بيد شديدة فاعبدوني ولا تعبدوا غيري ، فلما فرغ موسى وانكشف الغمام أقبل إليهم فقالوا له : ( لن نؤمن حتى نرى الله جهرة ) معاينة وذلك أن العرب تجعل العلم بالقلب رؤية ، فقال جهرة ليعلم أن المراد منه العيان .

قوله تعالى : { فأخذتكم الصاعقة } . أي الموت ، وقيل : نار جاءت من السماء فأحرقتهم .

قوله تعالى : { وأنتم تنظرون } . أي ينظر بعضكم لبعض حين أخذكم الموت . وقيل : تعلمون ، والنظر يكون بمعنى العلم ، فلما هلكوا جعل موسى يبكي ويتضرع ويقول : ماذا أقول لبني إسرائيل إذا أتيتهم وقد هلك خيارهم ( لو شئت أهلكتهم من قبل وإياي أتهلكنا بما فعل السفهاء منا ) فلم يزل يناشد ربه حتى أحياهم الله تعالى رجلاً بعد رجل بعدما ماتوا يوماً وليلة ، ينظر بعضهم إلى بعض ، كيف يحيون فذلك قوله تعالى : { ثم بعثناكم من بعد موتكم لعلكم تشكرون } .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{وَإِذۡ قُلۡتُمۡ يَٰمُوسَىٰ لَن نُّؤۡمِنَ لَكَ حَتَّىٰ نَرَى ٱللَّهَ جَهۡرَةٗ فَأَخَذَتۡكُمُ ٱلصَّـٰعِقَةُ وَأَنتُمۡ تَنظُرُونَ} (55)

القول في تأويل قوله تعالى :

{ وَإِذْ قُلْتُمْ يَامُوسَىَ لَن نّؤْمِنَ لَكَ حَتّىَ نَرَى اللّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمُ الصّاعِقَةُ وَأَنْتُمْ تَنظُرُونَ }

وتأويل ذلك : واذكروا أيضا إذ قلتم : يا موسى لن نصدّقك ولن نقرّ بما جئتنا به حتى نرى الله جهرة عيانا ، برفع الساتر بيننا وبينه ، وكشف الغطاء دوننا ودونه حتى ننظر إليه بأبصارنا ، كما تُجهر الركِيّة ، وذلك إذا كان ماؤها قد غطاه الطين ، فنفى ما قد غطاه حتى ظهر الماء وصَفَا ، يقال منه : قد جهرت الركية أجهرها جهرا وجهرة ولذلك قيل : قد جهر فلان بهذا الأمر مجاهرة وجهارا : إذا أظهره لرأي العين وأعلنه ، كما قال الفرزدق بن غالب :

من اللاّئي يَضِلّ الألفُ منْهُ مِسَحّا مِنْ مَخافَتِهِ جِهارا

وكما حدثنا به القاسم بن الحسن ، قال : حدثنا الحسين ، قال : حدثني حجاج ، عن ابن جريج ، قال : قال ابن عباس : حتى نَرى اللّهَ جَهْرَةً قال : علانية .

وحدثت ، عن عمارة بن الحسن قال : حدثنا عبد الله بن أبي جعفر ، عن أبيه عن الربيع : حتّى نَرى اللّهَ جَهْرَةً يقول : عيانا .

وحدثني يونس بن عبد الأعلى ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد : حتّى نَرَى اللّهَ جَهْرَةً : حتى يطلع إلينا .

حدثنا بشر بن معاذ ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة : حتّى نَرَى اللّهَ جَهْرَةً : أي عيانا .

فذكرهم بذلك جل ذكره اختلاف آبائهم وسوء استقامة أسلافهم لأنبيائهم ، مع كثرة معاينتهم من آيات الله جل وعزّ وعِبَره ما تثلج بأقلها الصدور ، وتطمئنّ بالتصديق معها النفوس وذلك مع تتابع الحجج عليه ، وسبوغ النعم من الله لديهم . وهم مع ذلك مرّة يسألون نبيهم أن يجعل لهم إلها غير الله ومرة يعبدون العجل من دون الله ، ومرة يقولون لا نصدقك حتى نرى الله جهرة ، وأخرى يقولون له إذا دعوا إلى القتال : فاذْهَبْ أنْتَ وَرَبّكَ فَقاتِلا إنّا هَهُنا قاعِدُونَ ومرة يقال لهم : قُولُوا حِطّة وادْخُلُوا البابَ سُجّدا نَغْفِرْ لَكُمْ خَطَاياكُمْ فيقولون : حنطة في شعيرة ، ويدخلون الباب من قبل أستاههم ، مع غير ذلك من أفعالهم التي آذوا بها نبيهم عليه السلام التي يكثر إحصاؤها . فأعلم ربنا تبارك وتعالى ذكره الذين خاطبهم بهذه الاَيات من يهود بني إسرائيل الذين كانوا بين ظهراني مهاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم أنهم لن يعدوا أن يكونوا في تكذيبهم محمدا صلى الله عليه وسلم ، وجحودهم نبوّته ، وتركهم الإقرار به وبما جاء به ، مع علمهم به ومعرفتهم بحقيقة أمره كأسلافهم وآبائهم الذين فصل عليهم قصصهم في ارتدادهم عن دينهم مرة بعد أخرى ، وتوثبهم على نبيهم موسى صلوات الله وسلامه عليه تارة بعد أخرى ، مع عظيم بلاء الله جل وعزّ عندهم وسبوغ آلائه عليهم .

القول في تأويل قوله تعالى : فأخَذَتْكُمُ الصّاعِقَةُ وأنْتُمْ تَنْظُرُونَ .

اختلف أهل التأويل في صفة الصاعقة التي أخذتهم . فقال بعضهم بما :

حدثنا به الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة في قوله : فَأخَذَتْكُمُ الصّاعِقَةُ قال : ماتوا .

وحدثت عن عمار بن الحسن ، قال : حدثنا عبد الله بن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع : فأخَذَتْكُمُ الصّاعِقَةُ قال : سمعوا صوتا فصعقوا . يقول : فماتوا . وقال آخرون : بما :

حدثني موسى بن هارون الهمداني ، قال : حدثنا عمرو بن حماد ، قال : حدثنا أسباط ، عن السدي : فأخَذَتْكُمُ الصّاعِقَةُ والصاعقة : نار .

وقال آخرون بما :

حدثنا به ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق ، قال : أخذتهم الرجفة وهي الصاعقة فماتوا جميعا . وأصل الصاعقة : كل أمر هائل رآه أو عاينه أو أصابه حتى يصير من هوله وعظيم شأنه إلى هلاك وعطب ، وإلى ذهاب عقل وغُمور فهم ، أو فقد بعض آلات الجسم ، صوتا كان ذلك ، أو نارا ، أو زلزلة ، أو رَجْفا . ومما يدل على أنه قد يكون مصعوقا وهو حيّ غير ميت ، قول الله عزّ وجل : وَخَرّ مُوسَى صَعِقا يعني مغشيّا عليه . ومنه قول جرير بن عطية :

وهَلْ كان الفَرَزْذَقُ غَيْرَ قِرْدٍ *** أصَابَتْهُ الصّواعِقُ فاسْتَدَارَا

فقد علم أن موسى لم يكن حين غشي عليه وصعق ميتا لأن الله جل وعزّ أخبر عنه أنه لما أفاق قال : تُبْتُ إليك ولا شبه جرير الفرزدق وهو حيّ بالقرد ميتا ، ولكن معنى ذلك ما وصفنا .

ويعني بقوله : وأنْتُمْ تَنْظُرُونَ : وأنتم تنظرون إلى الصاعقة التي أصابتكم ، يقول : أخذتكم الصاعقة عيانا جهارا وأنتم تنظرون إليها .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{وَإِذۡ قُلۡتُمۡ يَٰمُوسَىٰ لَن نُّؤۡمِنَ لَكَ حَتَّىٰ نَرَى ٱللَّهَ جَهۡرَةٗ فَأَخَذَتۡكُمُ ٱلصَّـٰعِقَةُ وَأَنتُمۡ تَنظُرُونَ} (55)

وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ ( 55 )

وقوله تعالى : { وإذ قلتم يا موسى } يريد السبعين الذين اختارهم موسى ، واختلف في وقت اختيارهم .

فحكى أكثر المفسرين أن ذلك بعد عبادة العجل ، اختارهم ليستغفروا لبني إسرائيل .

وحكى النقاش وغيره أنه اختارهم حين خرج من البحر وطلب بالميعاد ، والأول أصح ، وقصة السبعين أن موسى صلى الله عليه وسلم لما رجع من تكليم الله ووجد العجل قد عبد قالت له طائفة ممن لم يعبد العجل : نحن لم نكفر ونحن أصحابك ، ولكن أسمعنا كلام ربك ، فأوحى الله إليه أن اختر منها سبعين شيخاً ، فلم يجد إلاّ ستين ، فأوحى الله إليه أن اختر من الشباب عشرة ، ففعل ، فأصبحوا شيوخاً ، وكان قد اختار ستة من كل سبط فزادوا اثنين على السبعين ، فتشاحوا فيمن يتأخر ، فأوحى الله إليه أن من تأخر له مثل أجر من مضى ، فتأخر يوشع بن نون وطالوت بن يوقنا وذهب موسى عليه السلام بالسبعين بعد أن أمرهم أن يتجنبوا النساء ثلاثاً ويغتسلوا في اليوم الثالث ، واستخلف هارون على قومه ، ومضى حتى أتى الجبل ، فألقي عليهم الغمام .

قال النقاش وغيره : غشيتهم سحابة وحيل بينهم موسى بالنور فوقعوا سجوداً .

قال السدي وغيره : وسمعوا كلام الله يأمر وينهى ، فلم يطيقوا سماعه ، واختلطت أذهانهم ، ورغبوا أن يكون موسى يسمع ويعبر لهم ، ففعل ، فلما فرغ وخرجوا بدلت منهم طائفة ما سمعت من كلام الله فذلك قوله تعالى : { وقد كان فريق منهم يسمعون كلام الله ثم يحرفونه }( {[620]} ) [ البقرة : 75 ] .

واضطرب إيمانهم وامتحنهم الله بذلك فقالوا : { لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة }( {[621]} ) ولم يطلبوا من الرؤية محالاً ، أما إنه عند أهل السنة ممتنع في الدنيا من طريق السمع ، فأخذتهم حينئذ الصاعقة فاحترقوا وماتوا موت همود يعتبر به الغير .

وقال قتادة : «ماتوا وذهبت أرواحهم ثم ردوا لاستيفاء آجالهم ، فحين حصلوا في ذلك الهمود جعل موسى يناشد ربه فيهم ويقول : أي رب ، كيف أرجع إلى بني إسرائيل دونهم فيهلكون ولا يؤمنون بي أبداً ، وقد خرجوا معي وهم الاخيار » .

قال القاضي أبو محمد رحمه الله : يعني وهم بحال الخير وقت الخروج( {[622]} ) .

وقال قوم : بل ظن موسى عليه السلام أن السبعين إنما عوقبوا بسبب عبادة العجل ، فذلك قوله { أتهلكنا } يعني السبعين { بما فعل السفهاء منا } [ الأعراف : 155 ] يعني عبدة العجل .

وقال ابن فورك : يحتمل أن تكون معاقبة السبعين لإخراجهم طلب الرؤية عن طريقه ، بقولهم لموسى «أرنا » وليس وذلك من مقدور موسى صلى الله عليه وسلم ، و { جهرة } مصدر في موضع الحال ، والأظهر أنها من الضمير في { نرى } ، وقيل من الضمير في { نؤمن } ، وقيل من الضمير في { قلتم }( {[623]} ) ، والجهرة العلانية ، ومنه الجهر ضد السر ، وجهر الرجل الأمر كشفه .

وقرأ سهل بن شعيب وحميد بن قيس : «جهَرة » بفتح الهاء ، وهي لغة مسموعة عند البصريين فيما فيه حرف الحلق ساكناً قد انفتح ما قبله ، والكوفيون يجيزون فيه الفتح وإن لم يسمعوه .

قال القاضي أبو محمد : ويحتمل أن يكون { جهرة } جمع جاهر ، أي حتى نرى كاشفين هذا الأمر( {[624]} ) .

وقرأ عمر وعلي رضي الله عنهما : «فأخذتكم الصعقة » ، ومضى في صدر السورة معنى { الصاعقة } ، والصعقة ما يحدث بالإنسان عند الصاعقة .

وتنظرون معناه إلى حالكم( {[625]} ) .

قال القاضي أبو محمد عبد الحق رحمه الله : حتى أحالهم العذاب وأزال نظرهم .


[620]:- من الآية 75 من سورة البقرة.
[621]:- من الآية 55 من سورة البقرة. ومعنى "لن نؤمن لك" أي فيما جئت به من التوراة وإلا فهم مؤمنون بموسى، يقال: آمن به وآمن له، أي أقر واعترف بما جاء به من أمر خاص. وقد اختلف الناس في جواز رؤية الله تعالى، فمنهم من أنكر ذلك في الدنيا والآخرة، ومنهم من أجازها فيهما معا، إلا أنها لا تقع في الدنيا وتقع في الآخرة، ودليل جوازها طلب موسى عليه السلام لها، وهو لا يطلب المحال، ودليل عدم وقوعها منعها وعدم الإجابة إليها، ودليل وقوعها في الآخرة قوله تعالى: [وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة] وقد تكلف المعتزلة فأولوا المعنى إلى النعمة، والله الهادي إلى سواء السبيل.
[622]:- وأما بعده فقد اضطرب إيمانهم، وذهب خيرهم، ولذلك أخذتهم الصاعقة.
[623]:- وعليه فالتقدير: وإذ قلتم جهرة يا موسى، فيكون في الكلام تقديم وتأخير.
[624]:- أي غير مستتر بشيء، ليقع الفرق بين الرؤية البصرية، والرؤيا المنامية، والعلم القلبي.
[625]:- أي إلى ما حل بكم من الموت، وآثار الصعقة. ومدة الموت أو الصعقة كانت يوما وليلة كما قيل.
 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{وَإِذۡ قُلۡتُمۡ يَٰمُوسَىٰ لَن نُّؤۡمِنَ لَكَ حَتَّىٰ نَرَى ٱللَّهَ جَهۡرَةٗ فَأَخَذَتۡكُمُ ٱلصَّـٰعِقَةُ وَأَنتُمۡ تَنظُرُونَ} (55)

تذكير بنعمة أخرى نشأت بعد عقاب على جفاء طبع فمحل المنة والنعمة هو قوله : { ثم بعثناكم } ، وما قبله تمهيد له وتأسيس لبنائه كما تقدم في قوله : { وإذ واعدنا موسى أربعين ليلة } [ البقرة : 52 ] الآية . والقائلون هم أسلاف المخاطبين وذلك أنهم قالوا لموسى { لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة } .

والظاهر أن هذا القول وقع منهم بعد العفو عن عبادتهم العجل كما هو ظاهر ترتيب الآيات ، روى ذلك البغوي عن السدي ، وقيل : إن ذلك سألوه عند مناجاته وأن السائلين هم السبعون الذين اختارهم موسى للميقات وهم المعبر عنهم في التوراة بالكهنة وبشيوخ بني إسرائيل . وقيل : سأل ذلك جمع من عامة بني إسرائيل نحو العشرة الآلاف وهذان القولان حكاهما في « الكشاف » وليس في التوراة ما هو صريح لترجيح أحد القولين ولا ما هو صريح في وقوع هذا السؤال ولكن ظاهر ما في سفر التثنية منها ما يشير إلى أن هذا الاقتراح قد صدر وأنه وقع بعد كلام الله تعالى الأول لموسى لأنها لما حكت تذكير موسى في مخاطبة بني إسرائيل ذكرت ما يغاير كيفية المناجاة الأولى إذ قال{[126]} : فلما سمعتم الصوت من وسط الظلام والجبل يشتعل بالنار تقدم إليّ جميع رؤساء أسباطكم وشيوخكم وقلتم هو ذا الرب إلهنا قد أرانا مجده وعظمته وسمعنا صوته من وسط النار . . . إن عندما نسمع صوت الرب إلهنا أيضاً نموت . . . تقدم أنت واسمع كل ما يقول لك الرب إلهنا وكلمنا بكل ما يكلمك به الرب إلخ . فهذا يؤذن أن هنالك ترقباً كان منهم لرؤية الله تعالى وأنهم أصابهم ما بلغ بهم مبلغ الموت ، وبعد فالقرآن حجة على غيره مصدقاً لما بين يديه ومهيمناً عليه . والظاهر أن ذلك كان في الشهر الثالث بعد خروجهم من مصر .

ومعنى { لا نؤمن لك } يحتمل أنهم توقعوا الكفر إن لم يروا الله تعالى أي إنهم يرتدون في المستقبل عن إيمانهم الذي اتصفوا به من قبل ، ويحتمل أنهم أرادوا الإيمان الكامل الذي دليله المشاهدة أي إن أحد هذين الإيمانين ينتفي إن لم يروا الله جهرة لأن لن لنفي المستقبل قال سيبويه : « لا لنفي يفعل ولن لنفي سيفعل » وكما أن قولك سيقوم لا يقتضي أنه الآن غير قائم فليس في الآية ما يدل على أنهم كفروا حين قولهم هذا ، ولكنها دالة على عجرفتهم وقلة اكتراثهم بما أوتوا من النعم وما شاهدوا من المعجزات حتى راموا أن يروا الله جهرة وإن لم يروه دخلهم الشك في صدق موسى وهذا كقول القائل إن كان كذا فأنا كافر . وليس في القرآن ولا في غيره ما يدل على أنهم قالوا ذلك عن كفر .

وإنما عدى { نؤمن } باللام لتضمينه معنى الإقرار بالله ولن نقر لك بالصدق والذي دل على هذا الفعل المحذوف هو اللام وهي طريقة التضمين .

والجهرة مصدر بوزن فَعلة من الجهر وهو الظهور الواضح فيستعمل في ظهور الذوات والأصوات حقيقة على قول الراغب إذ قال : « الجهر ظهور الشيء بإفراط إما بحاسة البصر نحو رأيته جهاراً ومنه جهر البئر إذا أظهر ماءها ، وإما بحاسة السمع نحو : { وإن تجهر بالقول } [ طه : 7 ] » وكلام « الكشاف » مؤذن بأن الجهر مجاز في الرؤية بتشبيه الذي يرى بالعين بالجاهر بالصوت والذي يرى بالقلب بالمخافت ، وكان الذي حداه على ذلك اشتهار استعمال الجهر في الصوت ، وفي هذا كله بعد إذ لا دليل على أن جهرة الصوت هي الحقيقة ولا سبيل إلى دعوى الاشتهار في جهرة الصوت حتى يقول قائل إن الاشتهار من علامات الحقيقة ، على أن الاشتهار إنما يعرف به المجاز القليل الاستعمال ، وأما الأشهرية فليست من علامات الحقيقة ، ولأنه لا نكتة في هذه الاستعارة ولا غرض يرجع إلى المشبه من هذا التشبيه فإن ظهور الذوات أوضح من ظهور الأصوات .

وانتصب { جهرة } على المفعول المطلق لبيان نوع فعل ترى لأن من الرؤية ما يكون لمحة أو مع سائر شفاف فلا تكون واضحة .

ووجه العدول عن أن يقول عياناً إلى قوله { جهرة } لأن جهرة أفصح لفظاً لخفته ، فإنه غير مبدوء بحرف حلق والابتداء بحرف الحلق أتعب للحلق من وقوعه في وسط الكلام ولسلامته من حرف العلة وكذلك يجتبي البلغاء بعض الألفاظ على بعض لحسن وقعها في الكلام وخفتها على السمع وللقرآن السهم المعلى في ذلك وهو في غاية الفصاحة .

وقوله : { فأخذتكم الصاعقة } أي عقوبة لهم عما بدا منهم من العجرفة وقلة الاكتراث بالمعجزات . وهذه عقوبة دنيوية لا تدل على أن المعاقب عليه حرام أو كفر لا سيما وقد قدر أن موتهم بالصاعقة لا يدوم إلا قليلاً فلم تكن مثل صاعقة عاد وثمود . وبه تعلم أن ليس في إصابة الصاعقة لهم دلالة على أن رؤية الله تعالى مستحيلة وأن سؤالها والإلحاح فيه كفر كما زعم المعتزلة وأن لا حاجة إلى الجواب عن ذلك بأن الصاعقة لاعتقادهم أنه تعالى يشبه الأجسام فكانوا بذلك كافرين إذ لا دليل في الآية ولا غيرها على أنهم كفروا ، كيف وقد سأل الرؤية موسى عليه السلام .

والصاعقة نار كهربائية من السحاب تحرق من أصابته ، وقد لا تظهر النار ولكن يصل هواؤها إلى الأحياء فيختنقون بسبب ما يخالط الهواء الذي يتنفسون فيه من الحوامض الناشئة عن شدة الكهربائية ، وقد قيل : إن الذي أصابهم نار ، وقيل : سمعوا صعقة فماتوا .

وقوله : { وأنتم تنظرون } فائدة التقييد بهذا الحال عند صاحب « الكشاف » الدلالة على أن الصاعقة التي أصابتهم نار الصاعقة لا صوتها الشديد لأن الحال دلت على أن الذي أصابهم مما يرى ، وقال القرطبي أي وأنتم ينظر بعضكم إلى بعض أي مجتمعون .

وعندي أن مفعول { تنظرون } محذوف وأن ( تنظرون ) بمعنى تحدقون الأنظار عند رؤية السحاب على جبل الطور طمعاً أن يظهر لهم الله من خلاله لأنهم اعتادوا أن الله يكلم موسى كلاماً يسمعه من خلال السحاب كما تقوله التوراة في مواضع ، ففائدة الحال إظهار أن العقوبة أصابتهم في حين الإساءة والعجرفة إذ طمعوا فيما لم يكن لينال لهم .


[126]: - انظر سفر التثنية الإصحاح 5.
 
الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع [إخفاء]  
{وَإِذۡ قُلۡتُمۡ يَٰمُوسَىٰ لَن نُّؤۡمِنَ لَكَ حَتَّىٰ نَرَى ٱللَّهَ جَهۡرَةٗ فَأَخَذَتۡكُمُ ٱلصَّـٰعِقَةُ وَأَنتُمۡ تَنظُرُونَ} (55)

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

واذكروا أيضا إذ قلتم: يا موسى لن نصدّقك ولن نقرّ بما جئتنا به حتى نرى الله جهرة عيانا، برفع الساتر بيننا وبينه، وكشف الغطاء دوننا ودونه حتى ننظر إليه بأبصارنا، كما تُجهر الركِيّة، وذلك إذا كان ماؤها قد غطاه الطين، فنفى ما قد غطاه حتى ظهر الماء وصَفَا... ولذلك قيل: قد جهر فلان بهذا الأمر مجاهرة وجهارا: إذا أظهره لرأي العين وأعلنه... قال ابن عباس:"حتى نَرى اللّهَ جَهْرَةً" قال: علانية. [و] عن الربيع: "حتّى نَرى اللّهَ جَهْرَةً "يقول: عيانا.

فذكرهم بذلك جل ذكره اختلاف آبائهم وسوء استقامة أسلافهم لأنبيائهم، مع كثرة معاينتهم من آيات الله جل وعزّ وعِبَره ما تثلج بأقلها الصدور، وتطمئنّ بالتصديق معها النفوس وذلك مع تتابع الحجج عليه، وسبوغ النعم من الله لديهم. وهم مع ذلك مرّة يسألون نبيهم أن يجعل لهم إلها غير الله ومرة يعبدون العجل من دون الله، ومرة يقولون لا نصدقك حتى نرى الله جهرة، وأخرى يقولون له إذا دعوا إلى القتال: "فاذْهَبْ أنْتَ وَرَبّكَ فَقاتِلا إنّا هَهُنا قاعِدُونَ" ومرة يقال لهم: "قُولُوا حِطّة وادْخُلُوا البابَ سُجّدا نَغْفِرْ لَكُمْ خَطَاياكُمْ" فيقولون: حنطة في شعيرة، ويدخلون الباب من قبل أستاههم، مع غير ذلك من أفعالهم التي آذوا بها نبيهم عليه السلام التي يكثر إحصاؤها. فأعلم ربنا تبارك وتعالى ذكره الذين خاطبهم بهذه الآيات من يهود بني إسرائيل الذين كانوا بين ظهراني مهاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم أنهم لن يعدوا أن يكونوا في تكذيبهم محمدا صلى الله عليه وسلم، وجحودهم نبوّته، وتركهم الإقرار به وبما جاء به، مع علمهم به ومعرفتهم بحقيقة أمره كأسلافهم وآبائهم الذين فصل عليهم قصصهم في ارتدادهم عن دينهم مرة بعد أخرى، وتوثبهم على نبيهم موسى صلوات الله وسلامه عليه تارة بعد أخرى، مع عظيم بلاء الله جل وعزّ عندهم وسبوغ آلائه عليهم.

"فأخَذَتْكُمُ الصّاعِقَةُ وأنْتُمْ تَنْظُرُونَ".

اختلف أهل التأويل في صفة الصاعقة التي أخذتهم.

فقال بعضهم:... "فَأخَذَتْكُمُ الصّاعِقَةُ" قال: ماتوا... سمعوا صوتا فصعقوا... فماتوا.

وقال آخرون:... الصاعقة: نار.

وقال آخرون:... أخذتهم الرجفة وهي الصاعقة فماتوا جميعا.

وأصل الصاعقة: كل أمر هائل رآه أو عاينه أو أصابه حتى يصير من هوله وعظيم شأنه إلى هلاك وعطب، وإلى ذهاب عقل وغُمور فهم، أو فقد بعض آلات الجسم، صوتا كان ذلك، أو نارا، أو زلزلة، أو رَجْفا. ومما يدل على أنه قد يكون مصعوقا وهو حيّ غير ميت، قول الله عزّ وجل: وَخَرّ مُوسَى صَعِقا يعني مغشيّا عليه.

فقد علم أن موسى لم يكن حين غشي عليه وصعق ميتا لأن الله جل وعزّ أخبر عنه أنه لما أفاق قال: "تُبْتُ إليك"

ويعني بقوله: "وأنْتُمْ تَنْظُرُونَ": وأنتم تنظرون إلى الصاعقة التي أصابتكم، يقول: أخذتكم الصاعقة عيانا جهارا وأنتم تنظرون إليها.

الوجيز في تفسير الكتاب العزيز للواحدي 468 هـ :

والايمان بالأنبياء واجب بعد ظهور معجزتهم، ولا يجوز اقتراح المعجزات عليه فلهذا عاقبهم الله تعالى. وهذه الآية توبيخ لهم على مخالفة الرسول صلى الله عليه وسلم مع قيام معجزته كما خالف أسلافهم موسى مع ما أتى به من الآيات الباهرة...

مفاتيح الغيب للرازي 606 هـ :

اعلم أن هذا هو الإنعام السادس، بيانه من وجوه؛

(أحدها): كأنه تعالى قال: اذكروا نعمتي حين قلتم لموسى لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة فأخذتكم الصاعقة ثم أحييتكم لتتوبوا عن بغيكم وتتخلصوا عن العقاب وتفوزوا بالثواب.

(وثانيها): أن فيها تحذيرا لمن كان في زمان نبينا محمد صلى الله عليه وسلم عن فعل ما يستحق بسببه أن يفعل به ما فعل بأولئك.

(وثالثها): تشبيههم في جحودهم معجزات النبي صلى الله عليه وسلم بأسلافهم في جحود نبوة موسى عليه السلام مع مشاهدتهم لعظم تلك الآيات الظاهرة وتنبيها على أنه تعالى إنما لا يظهر عن النبي صلى الله عليه وسلم مثلها لعلمه بأنه لو أظهرها لجحودها ولو جحدوها لاستحقوا العقاب مثل ما استحقه أسلافهم.

(ورابعها): فيه تسلية للنبي صلى الله عليه وسلم مما كان يلاقي منهم وتثبيت لقلبه على الصبر كما صبر أولو العزم من الرسل.

(وخامسها): فيه إزالة شبهة من يقول: إن نبوة محمد صلى الله عليه وسلم لو صحت لكان أولى الناس بالإيمان به أهل الكتاب لما أنهم عرفوا خبره، وذلك لأنه تعالى بين أن أسلافهم مع مشاهدتهم تلك الآيات الباهرة على نبوة موسى عليه السلام كانوا يرتدون كل وقت ويتحكمون عليه ويخالفونه فلا يتعجب من مخالفتهم لمحمد عليه الصلاة والسلام وإن وجدوا في كتبهم الأخبار عن نبوته.

(وسادسها): لما أخبر محمد عليه الصلاة والسلام عن هذه القصص مع أنه كان أميا لم يشتغل بالتعلم البتة وجب أن يكون ذلك عن الوحي.

في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :

ولكن إسرائيل هي إسرائيل! هي هي كثافة حس، ومادية فكر، واحتجابا عن مسارب الغيب.. فإذا هم يطلبون أن يروا الله جهرة، والذي طلب هذا هم السبعون المختارون منهم، الذين اختارهم موسى لميقات ربه -الذي فصلت قصته في السور المكية من قبل- ويرفضون الإيمان لموسى إلا أن يروا الله عيانا. والقرآن يواجههم هنا بهذا التجديف الذي صدر من آبائهم، لينكشف تعنتهم القديم الذي يشابه تعنتهم الجديد مع الرسول الكريم، وطلبهم الخوارق منه، وتحريضهم بعض المؤمنين على طلب الخوارق للتثبت من صدقه:

(وإذ قلتم: يا موسى لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة. فأخذتكم الصاعقة وأنتم تنظرون. ثم بعثناكم من بعد موتكم لعلكم تشكرون. وظللنا عليكم الغمام وأنزلنا عليكم المن والسلوى. كلوا من طيبات ما رزقناكم وما ظلمونا ولكن كانوا أنفسهم يظلمون).. إن الحس المادي الغليظ هو وحده طريقهم إلى المعرفة.. أم لعله التعنت والمعاجزة..

والآيات الكثيرة، والنعم الإلهية، والعفو والمغفرة.. كلها لا تغير من تلك الطبيعة الجاسية، التي لا تؤمن إلا بالمحسوس، والتي تظل مع ذلك تجادل وتماحل ولا تستجيب إلا تحت وقع العذاب والتنكيل، مما يوحي بأن فترة الإذلال التي قضوها تحت حكم فرعون الطاغية قد أفسدت فطرتهم إفسادا عميقا. وليس أشد إفسادا للفطرة من الذل الذي ينشئه الطغيان الطويل، والذي يحطم فضائل النفس البشرية، ويحلل مقوماتها، ويغرس فيها المعروف من طباع العبيد: استخذاء تحت سوط الجلاد، وتمردا حين يرفع عنها السوط، وتبطرا حين يتاح لها شيء من النعمة والقوة.. وهكذا كانت إسرائيل، وهكذا هي في كل حين..

ومن ثم يجدفون هذا التجديف. ويتعنتون هذا التعنت:

(وإذ قلتم: يا موسى لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة):

ومن ثم يأخذهم الله جزاء ذلك التجديف، وهم على الجبل في الميقات المعلوم:

(فأخذتكم الصاعقة وأنتم تنظرون)..

التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :

تذكير بنعمة أخرى نشأت بعد عقاب على جفاء طبع، فمحل المنة والنعمة هو قوله: {ثم بعثناكم}، وما قبله تمهيد له وتأسيس لبنائه كما تقدم في قوله: {وإذ واعدنا موسى أربعين ليلة} [البقرة: 52] الآية. والقائلون هم أسلاف المخاطبين وذلك أنهم قالوا لموسى {لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة}. والظاهر أن هذا القول وقع منهم بعد العفو عن عبادتهم العجل كما هو ظاهر ترتيب الآيات...

ومعنى {لا نؤمن لك} يحتمل أنهم توقعوا الكفر إن لم يروا الله تعالى أي إنهم يرتدون في المستقبل عن إيمانهم الذي اتصفوا به من قبل، ويحتمل أنهم أرادوا الإيمان الكامل الذي دليله المشاهدة أي إن أحد هذين الإيمانين ينتفي إن لم يروا الله جهرة لأن لن لنفي المستقبل... فليس في الآية ما يدل على أنهم كفروا حين قولهم هذا، ولكنها دالة على عجرفتهم وقلة اكتراثهم بما أوتوا من النعم وما شاهدوا من المعجزات حتى راموا أن يروا الله جهرة وإن لم يروه دخلهم الشك في صدق موسى...

{فأخذتكم الصاعقة} أي عقوبة لهم عما بدا منهم من العجرفة وقلة الاكتراث بالمعجزات. وهذه عقوبة دنيوية لا تدل على أن المعاقب عليه حرام أو كفر لا سيما وقد قدر أن موتهم بالصاعقة لا يدوم إلا قليلاً فلم تكن مثل صاعقة عاد وثمود. وبه تعلم أن ليس في إصابة الصاعقة لهم دلالة على أن رؤية الله تعالى مستحيلة وأن سؤالها والإلحاح فيه كفر... وأن لا حاجة إلى الجواب عن ذلك بأن الصاعقة لاعتقادهم أنه تعالى يشبه الأجسام فكانوا بذلك كافرين إذ لا دليل في الآية ولا غيرها على أنهم كفروا، كيف وقد سأل الرؤية موسى عليه السلام.

والصاعقة نار كهربائية من السحاب تحرق من أصابته، وقد لا تظهر النار ولكن يصل هواؤها إلى الأحياء فيختنقون بسبب ما يخالط الهواء الذي يتنفسون فيه من الحوامض الناشئة عن شدة الكهربائية...

قال القرطبي أي وأنتم ينظر بعضكم إلى بعض أي مجتمعون. وعندي أن مفعول {تنظرون} محذوف وأن (تنظرون) بمعنى تحدقون الأنظار عند رؤية السحاب على جبل الطور طمعاً أن يظهر لهم الله من خلاله لأنهم اعتادوا أن الله يكلم موسى كلاماً يسمعه من خلال السحاب كما تقوله التوراة في مواضع، ففائدة الحال إظهار أن العقوبة أصابتهم في حين الإساءة والعجرفة إذ طمعوا فيما لم يكن لينال لهم.

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - لجنة تأليف بإشراف الشيرازي 2009 هـ :

طلب عجيب! هاتان الآيتان تذكّران بني إسرائيل بنعمة إلهية أخرى، كما توضحان في الوقت نفسه روح اللجاج والعناد في هؤلاء القوم، وتبينان ما نزل بهم من عقاب إلهي، وما شملهم الله به من رحمة بعد ذلك العقاب. تقول الآية الأولى: (وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسى لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللهَ جَهْرَةً). هذا الطلب قد ينم عن جهل بني إسرائيل، لأن إدراك الإِنسان الجاهل لا يتعدّى حواسه. ولذلك يرمي إلى أن يرى الله بعينه. أو قد يحكي هذا الطلب عن ظاهرة لجاج القوم وعنادهم التي يتميزون بها دوماً. على أي حال، طلب بنو إسرائيل من نبيهم بصراحة أن يروا الله جهرة، وجعلوا ذلك شرطاً لإيمانهم. عندئذ شاء الله سبحانه أن يرى هؤلاء ظاهرة من خلقه لا يطيقون رؤيتها، ليفهموا أن عينهم الظاهرة هذه لا تطيق رؤية كثير من مخلوقات الله، فما بالك برؤية الله سبحانه نزلت الصاعقة على الجبل وصحبها برق شديد ورعد مهيب وزلزال مروع، فتركهم، على الأرض صرعى من شدة الخوف (فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ).