فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{وَإِذۡ قُلۡتُمۡ يَٰمُوسَىٰ لَن نُّؤۡمِنَ لَكَ حَتَّىٰ نَرَى ٱللَّهَ جَهۡرَةٗ فَأَخَذَتۡكُمُ ٱلصَّـٰعِقَةُ وَأَنتُمۡ تَنظُرُونَ} (55)

قوله : { وَإِذْ قُلْتُمْ } هذه الجملة معطوفة على التي قبلها ، وظاهر السياق أن القائلين هذه المقالة هم : قوم موسى . وقيل هم السبعون الذين اختارهم . وذلك أنهم لما سمعوا كلام الله قالوا له بعد ذلك هذه المقالة ، فأرسل الله عليهم ناراً فأحرقتهم ، ثم دعا موسى ربه ، فأحياهم كما قال تعالى هنا : { ثُمَّ بعثناكم من بَعْدِ مَوْتِكُمْ } وسيأتي ذلك في الأعراف إن شاء الله . والجهرة : المعاينة ، وأصلها الظهور ، ومنه الجهر بالقراءة ، والمجاهرة بالمعاصي ، ورأيت الأمر جهرة وجهاراً : أي غير مستتر بشيء ، وهي مصدر واقع موقع الحال ، وقرأ ابن عباس : «جهرة » بفتح الهاء ، وهي لغتان مثل زهرة ، وزهرة ، ويحتمل أن يكون على هذه القراءة جمع جاهر . والصاعقة قد تقدم تفسيرها ، وقرأ عمر ، وعثمان وعليّ : «الصعقة » وهي قراءة ابن محيصن ، والمراد بأخذ الصاعقة إصابتها إياهم .

{ وَأَنتُمْ تَنظُرُونَ } في محل نصب على الحال ، والمراد من هذا النظر الكائن منهم أنهم نظروا أوائل الصاعقة النازلة بهم الواقعة عليهم .

لا آخرها الذي ماتوا عنده ، وقيل المراد بالصاعقة الموت ، واستدل عليه بقوله : { ثُمَّ بعثناكم من بَعْدِ مَوْتِكُمْ } ولا موجب للمصير إلى هذا التفسير ، لأن المصعوق قد يموت كما في هذه الآية ، وقد يغشى عليه ، ثم يفيق كما في قوله تعالى : { وَخَرَّ موسى صَعِقًا فَلَمَّا أَفَاقَ } [ الأعراف : 143 ] ومما يوجب بعد ذلك قوله : { وَأَنتُمْ تَنظُرُونَ } فإنها لو كانت الصاعقة عبارة عن الموت لم يكن لهذه الجملة كبير معنى ، بل قد يقال : إنه لا يصح أن ينظروا الموت النازل بهم ، إلا أن يكون المراد نظر الأسباب المؤثرة للموت .

/خ57