فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{وَإِذۡ قُلۡتُمۡ يَٰمُوسَىٰ لَن نُّؤۡمِنَ لَكَ حَتَّىٰ نَرَى ٱللَّهَ جَهۡرَةٗ فَأَخَذَتۡكُمُ ٱلصَّـٰعِقَةُ وَأَنتُمۡ تَنظُرُونَ} (55)

{ وإذ قلتم يا موسى لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة فأخذتكم الصاعقة وأنتم تنظرون ، ثم بعثناكم من بعد موتكم لعلكم تشكرون } .

{ وإذا قلتم يا موسى لن نؤمن لك } أي لا نصدق . بأن ما نسمعه كلام الله { حتى نرى الله جهرة } أي عيانا ، ظاهر السياق أن القائلين بهذه المقالة هم قوم موسى ، قيل هم السبعون الذين اختارهم ممن لم يعبدوا العجل وذلك أنهم لما سمعوا كلام الله ، قالوا له بعد ذلك هذه المقالة معتذرين عن عبادة أصحابهم العجل ، فخرج بهم موسى ، وقيل عشرة آلاف من قومه والمؤمن به ، .

والجهرة استعيرت للمعاينة وأصلها الظهور .

{ فأخذتكم الصاعقة } لفرط العناد والتعنت وطلب المستحيل ، قيل هي الموت وفيه ضعف ، وقيل سبب الموت ، واختلفوا في ذلك السبب فقيل إن نارا نزلت من السماء فأحرقتهم وقيل جاءت صيحة من السماء وقيل أرسل جموعا من الملائكة فسمعوا بحسهم فخروا صعقين ميتين يوما وليلة ، والأول أولى ، والمراد بأخذ الصاعقة إصابتها إياهم وسيأتي في الأعراف أنهم ماتوا بالرجفة أي الزلزلة ، ويمكن الجمع بأنه حصل لهم الجميع ، وقيل المراد بالصاعقة الموت ، واستدل عليه بقوله الآتي { ثم بعثناكم من بعد موتكم } ولا موجب للمصير إلى هذا التفسير لأن المصعوق قد يموت كما في هذه الآية وقد يغشى عليه ثم يفيق كما في قوله تعالى { وخر موسى صعقا فلما أفاق } ومما يوجب بعد ذلك قوله .

{ وأنتم تنظرون } فإنها لو كانت الصاعقة عبارة عن الموت لم يكن لهذه الجملة كثير معنى ، بل قد يقال أنه لا يصح أن ينظروا الموت النازل بهم إلا أن يكون المراد نظر الأسباب المؤثرة للموت ، قيل أنهم نظروا أوائل الصاعقة النازلة بهم الواقعة عليهم لا آخرها الذي ماتوا عنده ، والمعنى ينظر بعضكم إلى بعض كيف يأخذه الموت وكيف يحيا ، وإنما عوقبوا بأخذ الصاعقة لهم لأنهم طلبوا ما لم يأذن به الله من رؤيته في الدنيا .