محاسن التأويل للقاسمي - القاسمي  
{وَإِذۡ قُلۡتُمۡ يَٰمُوسَىٰ لَن نُّؤۡمِنَ لَكَ حَتَّىٰ نَرَى ٱللَّهَ جَهۡرَةٗ فَأَخَذَتۡكُمُ ٱلصَّـٰعِقَةُ وَأَنتُمۡ تَنظُرُونَ} (55)

{ وإذ قلتم يا موسى لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة فأخذتكم الصاعقة وأنتم تنظرون 55 } .

{ وإذ قلتم يا موسى لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة فأخذتكم / الصاعقة وأنتم تنظرون * ثم بعثناكم من بعد موتكم لعلكم تشكرون } أي واذكروا نعمتي عليكم في بعثي لكم بعد الصعق . إذا سألتم رؤيتي عيانا مما لا يستطاع لكم ولا لأمثالكم في دار الدنيا . وقد ذهب كثير من المفسرين إلى أن القائلين لموسى ذلك هم السبعون المختارون . ويؤيده آية الأعراف{[588]} . { واختار موسى قومه سبعين رجلا لميقاتنا فلما أخذتهم الرجفة قال رب } الآية .

وقد غلط أهل الكتاب في دعواهم أن هؤلاء رأوا الله عز وجل فإن موسى الكليم عليه السلام قد سأل ذلك . فمنع منه . فكيف يناله هؤلاء السبعون ؟ أفاده ابن كثير . وقد رأيت دعواهم المذكورة في الفصل الرابع والعشرين في سفر الخروج . وهذا من المواضع المحقق تحريفها . ويدل عليه ما في الفصل الثالث والثلاثين من السفر المذكور أنه تعالى قال لموسى : لا تقدر أن ترى وجهي لأن الإنسان لا يراني ويعيش اه .

وجهرة ، في الأصل ، مصدر قولك جهرت بالقراءة . استعيرت للمعاينة ، لما بينهما من الاتحاد . في الوضوح والانكشاف . إلا أن الأول في المسموعات ، والثاني في المبصرات . ونصبها على المصدر لأنها نوع من الرؤية ، فنصبت بفعلها كما تنصب القرفصاء بفعل الجلوس . أو على الحال من الفاعل أو المفعول .

قال ابن جرير : وأصل الصاعقة كل أمر هائل رآه أو عاينه أو أصابه ، حتى يصير من هَوْلِه وعظيم شأنه إلى هلاك وعطب وإلى ذهاب عقل وغمور فهم ، أو فقد بعض آلات الجسم . صوتا كان ذلك أو نارا . أو زلزلة أو رجفا ( قال ) ومما يدل على أنه قد يكون مصعوقا وهو / حيّ غير ميت قول الله عز وجل { وخرّ موسى صعقا } يعني مغشيا عليه . ومنه قول جرير :

وهل كان الفرزدق غير قِرْدٍ *** أصابته الصواعق فاستدارا{[589]}

فقد علم أن موسى لم يكن ، حين غشي عليه وصعق ، ميتا . لأن الله ، جل وعز ، أخبر عنه أنه لما أفاق قال : تبت إليك . ولا شبّه جرير الفرزدق ، وهو حيّ ، بالقرد ميتا ، ولكن معنى ذلك ما وصفناه .

وقوله تعالى : { وأنتم تنظرون } أي إلى تلك الصاعقة .


[588]:[7/ الأعراف/ 155] ونصها: {واختار موسى قومه سبعين رجلا لميقاتنا فلما أخذتهم الرجفة قال رب لو شئت أهلكتهم من قبل وإياي أتهلكنا بما فعل السفهاء منا إن هي إلا فتنتك تضل بها من تشاء وتهدي من تشاء أنت ولينا فاغفر لنا وارحمنا وأنت خير الغافرين 155}.
[589]:قال السيد محمود محمد شاكر، في تعليقه على هذا البيت، في تفسير ابن جرير، ما نصه: ديوانه: 281، والنقائض: 251 وبعده في هجاء الفرزدق، وهو من أشده: وكنت إذا حللتَ بدار قوم رحلتَ بِخِزْيَةٍ وتركتَ عارا وما أشد ما قال! وقال في النقائض في شرح البيت: "ولغته ـ يعني جريرا ـ الصواعق. فاستدار: أي استدار إنسانا بعد أن كان قردا. وكأنه أخطأ المعنى، فإنه أراد أنه مسخ قردا على هيئته التي كان عليها قبل أن يكون إنسانا. فقوله: "استدار" عاد إلى الموضع الذي ابتدأ منه. ومن ذلك قوله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع (إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السماوات والأرض) أي عاد كما بدأ. فهو يقول: كان الفرزدق في أصل نشأته قردا. ثم تحول إنسانا. فلما أصابته صواعق شعري عاد كما كان في أصل نشأته قردا صريحا اهـ. وهو كما قال.