{ ما لكم لا ترجون لله وقاراً } قال ابن عباس ومجاهد : لا ترون له عظمة . وقال سعيد بن جبير : ما لكم لا تعظمون الله حق عظمته . وقال الكلبي : لا تخافون الله حق عظمته . والرجاء : بمعنى الخوف ، و{ الوقار } : العظمة ، اسم من التوقير وهو التعظيم . قال الحسن : لا تعرفون لله حقاً ولا تشكرون له نعمة . قال ابن كيسان : ما لكم لا ترجون في عبادة الله أن يثيبكم على توقيركم إياه خيراً .
وقوله : ما لَكُمْ لا تَرْجُونَ لِلّهِ وَقارا اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك ، فقال بعضهم : معناه : ما لكم لا ترون لله عظمة . ذكر من قال ذلك :
حدثني عليّ قال : حدثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس ما لَكُمْ لا تَرْجُونَ لِلّهِ وَقارا يقول : عظمة .
حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا عبد الرحمن ، قال : حدثنا سفيان ، عن منصور ، عن مجاهد ما لَكُمْ لا تَرْجُونَ لِلّهِ وَقارا قال : لا ترون لله عظمة .
حدثنا محمد بن حميد ، قال : حدثنا مهران ، عن سفيان ، مثله .
حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح وقيس ، عن مجاهد ، في قوله : لا تَرْجُونَ لِلّهِ وَقارا قال : لا تبالون لله عظمة .
حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا عمرو بن عبيد ، عن منصور ، عن مجاهد ما لَكُمْ لا تَرْجُونَ لِلّهِ وَقارا قال : كانوا لا يبالون عظمة الله .
حُدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ ، يقول : حدثنا عبيد ، قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : لا تَرْجُونَ لِلّهِ وَقارا يقول : عظمة .
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا جرير ، عن منصور ، عن مجاهد ، في قوله ما لَكُمْ لا تَرْجُونَ لِلّهِ وَقارا قال : لا تبالون عظمة ربكم قال : والرجاء : الطمع والمخافة .
وقال آخرون : معنى ذلك : لا تعظمون الله حقّ عظمته . ذكر من قال ذلك :
حدثني سلم بن جنادة ، قال : حدثنا أبو معاوية ، عن إسماعيل بن سميع ، عن مسلم البطين ، عن سعيد بن جُبير ، عن ابن عباس ما لَكُمْ لا تَرْجُونَ لِلّهِ وَقارا قال : ما لكم لا تعظمون الله حقّ عظمته .
وقال آخرون : ما لكم لا تعلمون لله عظمة . ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله : ما لَكُمْ لا تَرْجُونَ لِلّهِ وَقارا يقول : ما لكم لا تعلمون لله عظمة .
وقال آخرون : بل معنى ذلك ما لكم لا ترجون لله عاقبة . ذكر من قال ذلك :
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : ما لَكُمْ لا تَرْجُونَ لِلّهِ وَقارا أي عاقبة .
حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : حدثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ما لَكُمْ لا تَرْجُونَ لِلّهِ وَقارا قال : لا ترجون لله عاقبة .
وقال آخرون : بل معنى ذلك : ما لكم لا ترجون لله طاعة . ذكر من قال ذلك :
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قول الله : ما لَكُمْ لا تَرْجُونَ لِلّهِ وَقارا قال : الوقار : الطاعة .
وأولى الأقوال في ذلك عندنا بالصواب قول من قال : معنى ذلك : ما لكم لا تخافون لله عظمة ، وذلك أن الرجاء قد تضعه العرب إذا صحبه الجحد في موضع الخوف ، كما قال أبو ذُؤيب :
إذا لَسَعَتْهُ النّحْلُ لَمْ يَرْجُ لَسْعَها *** وخَالَفَها في بَيْتِ نُوبٍ عَوَاسِلِ
بَدَّلَ خطابه مع قومه من طريقة النصح والأمر إلى طريقة التوبيخ بقوله : { ما لكم لا ترجون لله وقاراً .
وهو استفهام صورته صورة السؤال عن أمر ثبت لهم في حال انتفاء رجائهم توقيرَ الله .
والمقصود أنه لا شيء يثبت لهم صارف عن توقير الله فلا عذر لكم في عدم توقيره .
وجملة { لا تَرجُون } في موضع الحال من ضمير المخاطبين ، وكلمة ( مَا لَك ) ونحوها تلازمها حال بعدها نحو { فما لهم عن التذكرة معرضين } [ المدثر : 49 ] .
وقد اختلف في معنى قوله : { ما لكم لا ترجون لله وقاراً } وفي تعلق معمولاته بعوامله على أقوال : بعضُها يرجع إلى إبقاء معنى الرجاء على معناه المعروف وهو ترقب الأمر ، وكذلك معنى الوقار على المتعارف وهو العظمة المقتضية للإِجلال ، وبعضها يرجع إلى تأويل معنى الرجاء ، وبعضها إلى تأويل معنى الوقار ، ويتركب من الحمل على الظاهر ومن التأويل أن يكون التأويل في كليهما ، أو أن يكون التأويل في أحدهما مع إبقاء الآخر على ظاهر معناه .
فعلى حمل الرجاء على المعنى المتعارف الظاهر وحمل الوقار كذلك قال ابن عباس وسعيد بن جبير وأبو العالية وعَطاء ابن أبي رباح وابن كيسان : ما لكم لا ترجون ثواباً من الله ولا تخافون عقاباً ، أي فتعبدوه راجين أن يثيبكم على عبادتكم وتوقيرِكم إياه . وهذا التفسير ينحو إلى أن يكون في الكلام اكتفاء ، أي ولا تخافون عقاباً ، وإن نكتة الاكتفاء بالتعجب من عدم رجاء الثواب : أن ذلك هو الذي ينبغي أن يقصده أهل الرشاد والتقوى . وإلى هذا المعنى قال صاحب « الكشاف » : إذ صدر بقوله : ما لكم لا تكونون على حال تأمُلُون فيها تعظيم الله إياكم في دار الثواب .
وهذا يقتضي أن يكون الكلام كنايةً تلويحية عن حثهم على الإِيمان بالله الذي يستلزم رجاء ثوابه وخوفَ عقابه لأن من رجا تعظيم الله إياه آمن به وعبده وعمل الصالحات .
وعلى تأويل معنى الرجاء قال مجاهد والضحاك : معنى { لا ترجون } لا تبالون لله عظمة ، قال قطرب : هذه لغة حجازية لمضر وهُذيل وخزاعة يقولون : لم أرجُ أي لم أُبال ، وقال الوالبي والعَوفي عن ابن عباس : معنى { لا ترجون } لا تعلمون ، وقال مجاهد أيضاً : لا ترون ، وعن ابن عباس أنه سأَله عنها نافعُ بنُ الأزرق ، فأجابه أن الرجاء بمعنى الخوف ، وأنشد قول أبي ذؤيب :
إذا لسَعَتْه النحلُ لم يرج لَسْعها *** وحَالفها في بيت نُوبٍ عواسل
أي لم يَخَفْ لسعها واستمرّ على اشتيار العسل . قال الفراء : إنما يوضع الرجاء موضع الخوف لأن مع الرجاء طرفاً من الخوف من الناس ومن ثم استعمل الخوف بمعنى العِلم كقوله تعالى : { فإن خِفتم أن لا يُقيما حدود الله الآية } [ البقرة : 229 ] ، والمعنى : لا تخافون عظمة الله وقدرته بالعقوبة .
وعلى تأويل الوقار قال قتادة : الوقار : العاقبة ، أي ما لكم لا ترجون لله عاقبة ، أي عاقبة الإِيمان ، أي أن الكلام كناية عن التوبيخ على تركهم الإِيمان بالله ، وجعل أبو مسلم الأصفهاني : الوقار بمعنى الثبات ، قال : ومنه قوله تعالى : { وقَرْن في بيوتكن } [ الأحزاب : 33 ] أي اثبُتن ، ومعناه ما لكم لا تُثبتون وحدانية الله .
وتتركب من هذين التأويلين معان أخرى من كون الوقار مسنداً في التقدير إلى فاعله أو إلى مفعوله ، وهي لا تخفى .
وأما قوله { لله } فالأظهر أنه متعلق ب { ترجون ، } ويجوز في بعض التأويلات الماضية أن يكون متعلقاً ب { وقاراً } : إمَّا تعلّق فاعل المصدر بمصدره فتكون اللام في قوله { لله } لشبه الملك ، أي الوقارَ الذي هو تصرف الله في خلقه إن شاء أن يوقركم ، أي يكرمكم بالنعيم ، وإِمّا تعلقَ مفعوللِ المصدر ، أي أن توقروا الله وتخشوه ولا تتهاونوا بشأنه تهاون من لا يخافه فتكون اللام لام التقوية .