المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية  
{مَّا لَكُمۡ لَا تَرۡجُونَ لِلَّهِ وَقَارٗا} (13)

واختلف الناس في معنى قوله تعالى حكاية عن نوح عليه السلام : { ما لكم لا ترجون لله وقاراً } فقال أبو عبيدة وغيره : { ترجون } معناه تخافون ، ومنه قول الشاعر [ أبو ذؤيب الهذلي ] : [ الطويل ]

إذا لسعته النحل لم يرج لسعها . . . وحالفها في بيت نوب عوامل{[11346]}

قالوا والوقار : العظمة والسلطان ، فكأن الكلام على هذا وعيد وتخويف ، وقال بعض العلماء { ترجون } على بابها في الرجاء وكأنه قال : ما لكم لا تعجلون رجاءكم لله وتلقاءه وقاراً ، ويكون على هذا التاويل منهم كأنه يقول : تؤدة منكم وتمكناً في النظر لأن الكفر مضمنه الخفة والطيش وركوب الرأس .


[11346]:هذا البيت لأبي ذؤيب الهذلي، واسمه خويلد بن خالد بن محرث، وهو من قصيدته المشهورة (أسألت رسم الدار أم لم تسأل). وفيه يصف الشاعر كيف يجمع الرجل الماهر عسل النحل من أعلى الجبل. ومعنى (لم يرج) لم يخف، وهو موضع الاستشهاد هنا، وخالفها: جاء إلى عسلها وهي ترعى بعيدا، و "نوب" معناها: تنتاب المرعى فتأكل ثم ترجع فتصنع العسل، و "عوامل" تعمل العسل، وكان الشاعر يتحدث عن حبيبته فقال: إن حديثها مثل العسل الممزوج باللبن، ثم بدأ يتحدث عن العسل، وأن النحل تعيش في أعلى قمة في الجبل فلا يستطيع الوصول إليها إلا حاذق ماهر، يصعد إليها على الجبال، وإذا لسعته النحل فإنه لا يخاف هذا، وهو يتحين الوقت الذي تخرج فيه إلى المرعى بعيدا فيأتي إلى عسلها ليجمعه من بيت كل من فيه يعمل.