فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{مَّا لَكُمۡ لَا تَرۡجُونَ لِلَّهِ وَقَارٗا} (13)

{ ما لكم لا ترجون لله وقارا } أي أيّ عذر لكم في ترك الرجاء ، والرجاء هنا الخوف أي ما لكم لا تخافون الله والوقار العظمة من التوقير ، وهو التعظيم ، والمعنى لا تخافون حق عظمته فتوحدونه وتطيعونه ، وقيل المعنى ما لكم لا تؤملون من الله توقيرا لكم بأن تؤمنوا به فتصيروا موقرين عنده ، وهذا المعنى هو ما سلكه البيضاوي أولا ، وقال أبو السعود : إنكار لأن يكون لهم سبب ما في عدم رجائهم لله تعالى وقارا على أن الرجاء بمعنى الاعتقاد انتهى .

وهذا حث على رجاء الوقار لله ، والمراد الحث على الإيمان والطاعة الموجبين لرجاء ثواب الله ، فهو من الكناية التلويحية لأن من أراد رجاء تعظيم الله ، وتوقيره إياه آمن به وعبده وعمل صالحا ومن عمل الصالحات رجا ثواب الله وتعظيمه إياه في دار الثواب ، فإن الحث على تحصيل الرجاء مسبوق بالحث على تحصيل الإيمان . فهو من باب مقدمة الواجب .

قال الكرخي : أي أنكم إذا وقرتم نوحا وتركتم استخفافه كان ذلك لأجل الله ، فما لكم لا ترجون لله وقارا ، وقال سعيد بن جبير وأبو العالية وعطاء بن أبي رباح : ما لكم لا ترجون لله ثوابا ولا تخافون منه عقابا ، وقال مجاهد والضحاك : ما لكم لا تبالون لله عظمة ، قال قطرب : هذه لغة حجازية وهذيل وخزاعة ومضر يقولون لم أرج لم أبل ، وقال قتادة ما لكم لا ترجون لله عاقبة الإيمان ، وقال ابن كيسان ما لكم لا ترجون في عبادة الله وطاعته أن يثيبكم على توقيركم خيرا ، وقال ابن زيد : ما لكم لا تؤدون لله طاعة ، وقال الحسن : ما لكم لا تعرفون لله حقا ولا تشكرون له نعمة ، وقال ابن عباس : لا تعلمون لله عظمة ، وعنه قال : لا تخافون لله عظمة ولا تخشون له عقابا ، ولا ترجون له ثوابا ، وعن علي بن أبي طالب أن النبي صلى الله عليه وسلم : " رأى ناسا يغتسلون عراة ليس عليهم أزر فوقف فنادى بأعلى صوته ما لكم لا ترجون لله وقارا " أخرجه عبد الرزاق في المصنف .